مظفر النوّاب وقصيدة ” تل الزعتر ”
بقلم: شاكر فريد حسن
ما يميز الشاعر العراقي الكبير مظفر النوّاب كونه شاعرًا غاضبًا متمردًا ومعارضًا، نادى بالوحدة وحمّل الجميع ذنب فلسطين الذبيحة الضائعة، وأثقل كاهل الحكام العرب بكلماته الثورية، وألقى كلمة حق فينا منشدًا: لا أستثني أحد.
فهو شاعر الحقيقية الفذ، وصوت الشعب المغلوب على أمره من جور السلطان وجشع الرأسمال، ويغلو بما يختلج في صدور الناس.
وفي الفضاء الشعري للقصيدة التحريضية يتعالى صوت النوّاب شادًا على أيدي المحرومين والمقهورين والمهمشين والمتعبين، لاعنًا الحكام، ومباركًا الإنسان والزمن الآتي، وفي القرائن والأضداد تنساب القصيدة النوّابية بتوزيع سيمفوني يحتد أحيانًا ويرق حينًا آخر.
والمطلع على قصائد مظفر يمكنه تجزئتها إلى ثلاثة أنواع، الأول التي كان فيها الشاعر محورها، كما في نصوصه التي تناولت علاقته مع الحزب الحاكم في العراق، ومع الحزب الشيوعي العراقي، ومع الأنظمة العربية، وغالبًا ما كان في هذه القصائد يتمثل تجربته الشخصية، والنوع الثاني قصائده الوجدانية والفلسفية التي يطرح فيها وجدان الجسد والروح والنفس.
أما النوع الثالث فتلك القصائد التي كتبها متمثلًا فيها تجارب عامة كتجربة الفلسطينيين في لبنان، وتجارب شخوص ورموز كان لهم دور في الحياة السياسية العربية، وفي هذه القصائد لم يكن هو المحور، وإنما آخرون، أو المكان والجغرافيا، ومن أبرز هذه القصائد قصيدته التي كتبها عن تل الزعتر، الذي تعرض لمذبحة رهيبة طالت المخيم بأكمله، نقتطف منها:
طفل يكبر بين الجثث المحروقة
قالوا يا عرب الردة مرثية
أيهم الميت إن القبر يزخرف
ام تكثرت الماعز للحقل إذا حضر الذبح!
ماذا يطبخ تجار الشام على نار جهنم؟
إن الطاعون قريب
أول ما يظهر نجم مثقوب
قلق.. يرسل أضواء مهلكة
وتضيء محاجر جمجمة
تلعب فيها الريح بتل الزعتر
ان كراب العالم لا يغمض عيني جمجمة
تبحث عن وطن
منذ قليل سقطت عاصمة الفقراء
صنوج العنة قد ضربت حتى البيت الأبيض
خصيان العرب الحكام ارتجفت شرفا
أبناء الكلب … هنا
صرخ الكرش الأشقر.. أردى طفلا
سحب البزازة دامية من فمه ومزدان بها
أبناء الكلب هنا.. يعني بالضبط هنا
حمد الأطفال
وقد ذهب البؤس بكل ملامحهم
وقف الله مع الأطفال الوسخين
فعاصمة الفقراء قد سقطت
حاول طفل ان يستر جثة جدته
فمن المخجل ان تعرض افخاذ الجدة
أردوه على فخذيها
لا بأس بني فذاك غطاء
هل تلد المرأة في الخيمة إلا جيشا
أولاد الوسخة
أولاد فلسطين
سوف تعودون إلى فلسطين ولكن جثثا
نظر الأطفال إلى الوطن العربي
خصيان الحكام العرب ارتجفت شرفا
صرح نفط بن الكعبة ان يغقد مؤتمرا
لسنا في زمن التفكير
سيأتي ذلك.. يأتي ذلك.. يأتي ذلك
والجوكر في اللعبة اضحى معروفا
بلاع الموسى كذلك
كيف يغيب النخر عليكم..
يا أهل الفطنة بالنخر لقد سقطت عاصمة الفقراء
وقيل قديما مأرب بالجرذ لقد سقطت نسفا والنسوة يرفعن
اياديهن ويمشين فرادى
والحامل بيت أنوثتها
طرحوا الحامل أرضا
سحبوا رحما فيها في الليل فدائي
أسمعتم عرب الصمت
أسمعتم عرب اللعنة
لقد وصل الحقد إلى الارحام
أسمعتم عرب اللعنة
ان فلسطين تزال من الرحم
دعاة الدين الأمريكي بمكة
والسوق عليها في اوجه
مزاد علني يا أشراف
نمانون على تجار الشام
ثمانية وثمانون على تعطيل الدستور كويتيا
وفي هذه القصيدة التي يطغى عليها الحزن والشجن والأسى يعتمد النوّاب في حركتها، التصويرية الإنسانية والتوصيفية المشهدية، التي تزيد الصور إحساسًا دقيقًا بالحدث، وطريقة التعبير الفني، والجمل التعبيرية والوصفية السردية ذات الانفعال الشعوري، المكتنز والمكتظ بالرؤى المترامية الأطراف على صعيد الكثافة الشعورية وعمق الرؤيا، ما يجعل الصور انفعالية في صداها النفسي وبعدها المشهدي المحمل بشتى ألوان الأسى والانفعال والصخب الدلالي. وكما في كل قصائده تضج القصيدة بالروح الثورية الانفعالية والقلق والتوتر والاغتراب، وبإيقاعها الصاخب والوجع الذي يحملها في باطنها الشعوري المأزوم.