أيّام كان الحبّ
الأسير كميل أبو حنيش | سجن ريمون الصحراوي – فلسطين
(قصيدة من قلب الزنزانة تعانق النور)
والآن في هذا الغياب
يعيدني التّنقيب في الماضي البعيد
إلى رؤاي كعاشق، يرنو إليك وأنتِ
في ذاك الزّمان تحدقين إلى النّجوم
لتحدسي نبأ.. سيكشف ما تخبئه السّماء
وتهمسي: إنّ اللّيالي لا تدوم، وأنّ فجر الليل
يوشكّ أن يطلّ ويختفي هذا العناء..
فأنبري لأردّ: أنّ اللّيل أطول في البلاد
إذا تقاطرت الذّئاب.. وأُفزِعت فيها الظباء..
فلا تقولي: إنّ هذا اللّيل أقصر، كلّنا متسربلين
سواده كعباءة، ما دامت القطعان
من هذي الذّئاب مرابطات بالفناء..
صدقت رؤاي إزاء تنجيم الهوى
وتنبؤاتك للأماني الحالمات،
فها أنا أُمضي طويلًا في الغياب مكبلًا
وقد استطال اللّيل، يا قمري المطلّ
عليّ من زمن قصيّ
كي يؤانسني؛
فأحظى بالقليل من الضّياء..
والآن في هذا الغياب..
سأحتمي متدثرًا بالذّكريات..
أراك في مرآة قلبي تهرعين كظبية نحوي..
وتتخذين من صدري كناسًا آمنًا..
تتمشطي بأناملي وتدندني بالأغنيات..
فحينها كنّا وكان الحبّ يولد وحده
من دون قابلة..
ويحيا دون ماء أو هواء..
وتهمسي: الحبّ يلهج بالكلام بمهده..
فأردّ: لا تتعجلي.. لا تقطفيه قبيل
أن يصل النّضوج، دعيه يكسر قيده..
لا ترغميه على المسير في أيّ درب..
واتركيه على السّليقة والعماء..
هو الكفيف بطبعه يمشي الهوينا أعوجًا مترنحًا..
ويشق دوماّ دربه متعرجًا..
لا وزن يضبط خطوه..
أن تنهضي لتقوّميه.. ستكسريه بغفلةٍ
لا تطلبي تقويم ما لا يستقيم..
دعيه أعوج مثلما شاءت طبيعته السّقيمة..
حاذري أن تطلبي منه الوفاء بعهده..
فبطبعه يأبى التّقيد والقبول بأيّ شرط..
وامتثال البقاء على الوفاء..
فحالما تتعثر الخطوات يهرب كالجبان..
كأنه ما كان أعمى ذات يوم..
ولا نعي إن فرّ منّا للأمام أو الوراء..
والآن في هذا الغياب..
تدفّقي كالحلم في زنزانتي..
كي تزهر الجدران والأبواب..
حتّى تملأيني بالحياة..
وتُرجعي زمنًا يصرّ على المجيء..
فلا يبارحني الرّجاء..
وقبليني.. ولتذوبي في فمي..
فأنا نسيت بأن أخبىء
بعض طعمك في دمي..
ونسيت أن رضاب ثغرك لي دواء..
لكنّني خبأت حلمًا دافئًا..
اقتات منه على الجفاف..
وأستعين به على وجعي وأيام الجفاء..
وربّما أرشو به قدري.. ليفتح بابه الأبديّ
كي أخطو إليك.. ترقبيني ريثما آتي
إليك محمّلًا بقصائدي.. وشموخ رأسي المشرئب..
تهيأي لتعانقيني ربّما سيعود للزّمن القديم بهاؤه..
وتعود أيّام الوداعة والصّفاء..
كأنّني ما غبت عنك سوى سويعات..
تُقاس بعمرنا العشقيّ، كأنّني آتي إليكِ..
كعادتي متأخرًا عن موعدي..
متذرعًا في زحمة الطّرقات فتهدأي..
وتمرري بذكاء كذبتي الصّغيرة..
تقبلي بهديتي وتعانقيني باحتفاء..
لا تكبري يا ظبيتي..
فأنا كسرت عقارب الساعات
في عمري وعمرك..
حينما كنّا نحدق في النّجوم..
وننتشي بسعادة
أيام كان الحبّ يولد وحده
من دون قابلة..
ويحيا دون ماء أو هواء..