مابعد كورونا ” قصة قصيرة “
هبة مجاهد | مصر
[ قصص مختارة من كتابة المبدعين، تحت رعاية: د. أحمد حسين]
أصبحت على هدوء غير عادى أتذكر ما كنت فيه من زحام،أفكار،أصوات، أحداث قبل أن أنام
وكانت صورة أختى (حنان ) لاتزال فى خيالى وهى تحمل بين ذراعيها أبنها (عمر) وهو يحتضر وتركض بداخل المنزل والجميع خائفين يركضون بعيدا” عنها خوفا”من العدوي فقد كان عمر مريضا” (بالكورونا) .
هو أول فرد في عائلتنا يصاب بهذا المرض اللعين الذي انتشر في شارعنا منذ ايام .
فقد كنا نسمع عنه ونخافه وهو بعيدا” عنا لم نلمسه، ومجرد مشاهدة الحالات علي التلفزيون او الأنترنت كانت تغطينا بغطاء من الخوف وتجاورنا بجار من فزع .
واقترابه منا كان بإصابة جارنا الشيخ (مسعود) الذي لم يستغرق مرضه وقت طويل وتوفي وتبعته زوجته السيدة (رحمة) مديرة مدرسة الحي ، ولحق بها أولادها الثلاثة.
وعندها تيقنا أن المرض حقيقة قاتلة لأن الذين قتلوا أناس نعرفهم ويعيشون معنا في نفس الحي .
كنا نخاف الخروج من البيت والسير في الشارع وعندما نضطر للخروج نشعر بعزرائيل يتعقب خطواتنا الحذرة
وجهنا المغطي بالكمامه يراقب أقدامنا علي الارض حذرا”من عدوي الشوارع البائسه التي دخلها الموت وحصد منها ارواح الجيران والاصدقاء .
حزنا لفراقهم وآلمنا قدرهم ومنهم الاستاذ (محمود) وزوجته السيدة (هيام) وهم سكان البيت المجاور لبيت الشيخ (مسعود)
واللذان بعد اصابة جيرانهم كانو كمن ينتظر الموت وذلك لمخالطتهم لجيرانهم قبل ظهور المرض علي الشيخ مسعود
كانو يراقبون انفسهم لظهور اي اعراض عليهم في الوقت الذي ابتعد عنهم الجيران وتجنبوهم خوفا من العدوي
ولم يتمكنو من الذهاب الي اعمالهم كونهم مخالطين لمرضي توفو بالمرض ، حتي أن السيده هيام لم تذهب لزيارة أسرتها كالعاده منذ أصابتها حتي وفاتها .
أما جارنا الكابتن (سليمان) وهو يعمل بالشرطه و هذا يقتدي خروجه يوميأ” للعمل لم تظهر عليه أي أعراض للإصابه بالعدوي، ولكن زوجته السيدة ( أسماء ) هي من أصيبت بالمرض وكنا نعلم جميعا أنها أخذت العدوي من السيده (رحمة) فهي صديقتها وتعمل معها بالمدرسة
وكانت هي سبب لنقل العدوي لابنها (عادل) الذي نقل إلي المستشفي يصارع المرض بعد أن ظهرت علامات الإصابه علي صديقه (هشا )
و( هشام ) أصاب والده الأستاذ (عبد الرحمن) ووالدته السيدة (شيماء) وكان ابنهم الوحيد وهذا من حسن حظهم حتي لا يصاب شخص آخر .
ولكن من أين اصيب ابن اختي (عمر) ؟وأسرتنا لم تخالط أي شخص مصاب
أختي (حنان) زوجها مسافر بالخليج ولم يستطع العوده بعد انتشار المرض .
فقد كانت تعيش معنا بعد سفر زوجها حتي لاتشعر بالوحده هي وأبنها الوحيد ( عمر ) .
هذا ماكنت أتذكره وأنا أصحو في هدوء لم أتوقعه وقد نظرت حولي ولاحظت اختلاف ليس ببسيطا في شكل غرفتي
لا إنها ليست هي !
وهنا بدء الهدواء بداخلي يتحرك وناداني صوت حركته القوي لأنهض من سريري وأنظر بالمرآة الموجودة علي الحائط لأبحث عن نفسي ولأطمئن لوجودي هنا.
ولكن وجهي بالمرآة زادني قلقا ،مؤكدا لي ان شي ما تغير
نعم أنا اكبرني بسنوات
ولا أعرف أين عمري ؟ ومتي ؟ وأين ؟ وكيف ذهب ؟
ولماذا وأنا أفيق في هدوء أجد كل شي حولي تحرك لسنوات وأنا لم اشعر به
اين هذه السنوات ؟
وأعدت النظر في المرآة لاشاهد شحوب المرض في وجهي المتغير ،
ونبهني ذراعي لما يحمله من علامات الأبر
ووجدت نفسي تسالتي :
اين أبي ؟ اين أمي ؟ اين اخوتي ؟ وبالتحديد اين اختي ( حنان ) وابنها ( عمر ) ؟
وأخذتني الاسئله لأخر سؤال أغلقت عليه عقلي
( من أين أصيب عمر بالكورونا ؟ )
تمالكت نفسي وأنا أرتب بيدي شعري بالمرآة مستعدا للخروج من غرفتي وكان منظر شعري المبيض بالمرآة داعما لاهتزاز اخر اوتار هدوئي الراحل .
وعندما فتحت باب الغرفه رأيت وجوها محدقه بوجهي لا تقل عني دهشه وكأنهم يرون ميتا عاد إلي الحياة
كانت الوجوه أمامي كثيره وكلها غريبه
لا أعرف منها أحد
كانو يتجمعون أمام باب غرفتي داخل ممر مستشفي ينظرون الي بزهول وصاحت إحدي الممرضات ( الحمد لله علي سلامتك ) ،المريض أفاق يادكتور !
وكان لكلمة مريض في أذني جرس نبهني أنني المريض ، نعم أنا المريض .
ولكن ماهو مرضي ؟
وكيف مرضت ؟
وأنا كل ماأذكره أن ( عمر ) كان مريضا” بالكورونا ويحتضر وأختي حنان كانت تحمله بين ذراعيها ونحن ننظر لها خائفين .
وعندها شعرت بدوار في رأسي وقبل أن أسقط علي الارض تقدمت الي الممرضه تسندني وتساعدني للعوده إلي غرفتي
أجلستني علي سريري وكنت أنظر إليها مستغربا” فنظرت الي بابتسامه مطمئنه
سالتها : هل أنا مريض ؟
قالت : ( الحمد لله علي سلامتك ) ،انت في غيبوبه منذ سنوات أنت في المستشفي منذ عام الكورونا .
وكأنها أطرقت علي رأسي بمطرقة أسمها الكورونا وتذكرت الكورونا ،وأصابت أول فرد من أسرتنا بالكورونا
أسرتي ؟ من الموكد أنهم أصيبو جميعا وماتو وسالتها : أين أسرتي ؟
ومنذ متي وأنا هنا بالمستشفي ؟
قالت : لا أعرف بالتحديد ، أنا أعمل بالمستشفي منذ ثلاثة سنوات ، وكل معلوماتي أنك هنا من عام الكورنا .
سالتها : هل تعلمين شي عن أمي و أبي ؟
فلم تجيب
كررت سؤالي قائلا” : أمي ؟
فكررت الصمت .
وكان صمتها هو الرد لسؤالي الذي عرفت أجابته .
قالت : كانا يترددان علي المستشفي لزيارتك وأنت في الغيبوبه وعندما أنقطعت زيارتهما سالت عليهما وعرفت أنهما توفيا .
وشعرت حينها بشعور الطفل الصغير الذي يفقد والديه في يوم وأحد ،ولا يعرف أي تفاصيل عن وفاتهما
ماأسباب الوفاه ؟
من توفي أولا” ؟
وكيف لحق به الاخر ؟
وتسارعت الأفكار لرأسي الثقيله وشعوري بالخوف والعجز تخطيا حزني علي والدي وعلي سنواتي التي فقدت .
وقبل أن اتمني الغيبوبه وأرفض الأفاقه في عالم غاب عنه عالمي ، دخل إلي غرفتي عدد من الأطباء الشباب يتحدثون بصوت عالي عن أفاقة مريض الكورونا ، سعداء لخبر أفاقتي من الغيبوبه التي لا أعلم عنها شي .
وتقدمو الي يهنئونني علي عودتي من غيبوبه من الواضح انها كانت لحالة مرضيه لا علاقة لها بالكورونا ، وكل مايربطني بالكورونا التي لم أصب بها ، أنني الوحيد الذي توقف به الزمن عندها .
وتذكرت مرض الكورونا وشعرت بخوفها وسالت نفسي : من أين أصيب عمر بالكورونا ؟
وقبل أن أبحث عن أجابه ،دخل شاب لغرفتي مندفعا ،عيناه تملأها الدموع ،وأحتضنتي بقوه قائلا” : الحمد لله علي سلامتك ياخالي ياحبيبيى .
أوقف عقلي كلماته المندفعه ليفهم (خالي ) ؟
انا خاله ؟
إنه ( عمر ) !!!
نظرت إليه مستغربا وهو يخرج نفسه من أحضاني ، ويتحرك في الغرفه بسرعه يجمع ملابسي ، وأشياء من الغرفه ويضعها في حقيبه أخرجها من الدولاب ، وأخذ يساعدني علي الوقوف لمغادرة الغرفه قائلا” : أنا سعيد جدا بشفائك ، أنت كل من تبقي لي من أسرتي ، أشكر ربي لحفظك لي سالما” ، هيا بنا .
وأخذني مغادرا” الغرفة وفي عقلي أسئلة كثيره كان الأوضح منها
من أين أصيب عمر بالكورونا ؟