قريتي رامين

 الكاتبة الفلسطينية | رحاب يوسف

       كُلُّ ما أعرِفُهُ يا سيِّدَتي  أنّكِ سَكَنتِ نَبضي  وسَكَنتُكِ، وكُلُّ ما أذكُرُه يا مُقلَتي أنَّني كُنتُ صَغيرَةً عندما وَقَعتُ في عِشقِكِ، نَعَم.. أنا العاشِقَةُ    المَفتونَةُ بِكِ حتى آخِرِ الرَّمَقِ،  فلِجَمالِكِ كُلُّ التسليمِ والإجلالِ، ولاتسأليني كم أُحِبُّكِ، فالحُبُّ مازال أُحجِيَةً، وشَيئاً مُبهَماً في العيون العاشقات!

     أحبَبتُ جَمالَكِ بكُلِّ جَوارِحي، وكان حُبُّكِ وحُبُّ كُلِّ ما فيكِ قاتِلي،  ولا عَجَبَ في ذلك، فلا بُطولَةَ أمام جَمالِكِ، فسُبحانَ مَن صَيَّرَ الحُسنَ – كلَّ الحُسنِ – رامينيّ!

     أحبَبتُ سُطوعَكِ وأنتِ تَجلِسينَ على عَرشِ الجَمالِ، مُتَوَرِّدَةَ الخَدَّين، تُوارينَ حَياءَكِ خَلف ثنيَّاتِكِ ومُنعَطَفاتِكِ، أحبَبتُ تِلالَكِ المُتَمَوِّجَةَ بقَوسِ قُزَح، شُموخُ قامَتِكِ الفارِعَةِ وهي تُعانِقُ السَّحابَ، امتدادَكِ وأنتِ تُطِلِّين على القُرى المُجاوِرَةِ امتدادَ البصَر بسِحرٍ وافتتانٍ، سَماءَك وهيَ تدنو منّي أريدُ مُلامَسَتَها، شَمسَكِ ونحنُ نَستَقبِلُها صباحاً، ونُوَدِّعُها مَساءً، هُدوءَكِ في الليل والنهار، طقوسَكِ في كُلِّ المَواسم، أحببتُ التفافَ أبنائِكِ حَولَكِ التفافاً يَليقُ بحُسنِكِ، وسَخائِكِ، وتاريخِكِ، أحببتُ مَصاطِبَكِ، خَوابيكِ، أجرانكِ، شَوارِعكِ، بُيوتكِ العَتيقَةَ، زُقاقكِ، حَواكيركِ، غاباتك، وِديانكِ، رَوابيكِ، قُطعان الأغنام في سُهولِكِ، كُلَّ الذكريات! رائِحَةَ خُبزِ الطابون يَفوحُ من طوابين الحارَةِ، رائِحَةَ الزيت في موسم الزيتون، وطينَ الارض في فصل الشتاءِ يَخفِقُ ما  بين الضلوعِ، والمُسِنَّاتُ يُشعِلنَ كانونَ النار بعدَ العَصر، صَوتَ المَعصَرَةِ، وصَوتَ ثُغاءِ الأغنامِ بعد عَودَتِهِنَّ من المَراعي يَملأ الفَضاءَ في المساءِ شَوقاً لأبنائِهِنَّ، حارَتي القَديمَةَ، ضَحِكنا فيكِ كثيراً، وبَكَينا أكثرَ على فِراقِ الأحِبَّةِ، وما يُعَزِّيني يا فُؤادي أنَّني حَقَّقتُ فيكَ أهَمَّ أحلامي وغاياتي – وإن تَكَسَّرَ مُعظَمُها – ألا وهو تأليفُ الكُتُب، في البَدء حاولتُ السَّفَرَ مَعَ لَهفَةِ مُطارَدَةِ  الأحلامِ، فوَجَدتُ كُلَّ الدروبِ بَعيدَةً عنكِ، مُعتِمَةً كعَتمَةِ النَّفَقِ، رَسَمتُ حُدودَكِ على ضِفافِ قلبي، فرَسَمتِ حُدودي على أطرافِكِ، كُلَّما حاولتْ خُطُواتي الابتعادَ عَنكِ وتَجاوُزَكِ، عادتْ إلى أحضانِكِ العَريقَةِ.

     أنتِ الشاهِدُ على التاريخ، والحاضِرِ، والمُستَقبَلِ، على الثورَةِ، على أحلامنا، طُفولَتنا، شَبابنا، وَقارِنا، على دُموعنا الحائِرَةِ، أفراحنا، أحزاننا، نَجاحاتِنا.

     ولتَعلَمي يا سَيِّدَتي أنّي لا أرى في الكونِ سِواكِ، فالعُمرُ كُلُّهُ بقُربِكِ أشهى من الشَّهدِ، والوقتُ فيكِ يَمضي مُضِيَّ الطيرِ  في الأدواحِ، فسَلامٌ عليكِ أيَّتُها الحبيبةُ الأبَدِيَّةُ، أنتِ في الذاكِرَةِ لا تَختَفينَ مع الأيامِ، ولا تُمحا مع انشغالِنا بالجَريِ خلف الأحلامِ، والغاياتِ، والأهداف!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى