ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة (38)

محمد زحايكة | فلسطين

فريد الطويل أبو الرائد.. من رجالات القدس الغيارى..  وقدوة أصيلة  للأجيال الصاعدة

من الشخصيات الأثيرة على قلب الصاحب العم الجميل فريد الطويل أبو الرائد الذي يحمل على كاهله عمرا مديدا  ربما بات  يقترب  من حيطان الثمانين.. وكان الصاحب عندما يلتقي به صدفة في شوارع القدس ويأخذان بالكزدرة  والدردشة في الشأن العام حيث يفضل ابو الرائد التعريج على تخصصه الأكاديمي وهو التاريخ كونه أستاذا له لسنوات طويلة في مؤسسة دار الطفل العربي  وأظن ان “داخليتنا ” قد تتلمذت على يديه في حقبة من الزمن ..  وكان أبو الرائد يجيد تناول التاريخ بطريقة ممتعة مستخدما أسلوب القص والحكايات  مما يشد انتباه المستمع ويجعله متشوقا لمزيد من الاستماع والاندهاش..  وترتب على  ذلك لاحقا أن استضافه الصاحب في صالونه العامر، صالون القدس الثقافي في المكتبة العلمية حيث غرب أبو الرائد وشرق في تفسير الأحداث التاريخية ، ليصدمنا بكلمته الحاسمة وهي أن التاريخ هو الحقيقة الوحيدة في العالم، بمعنى أن التاريخ هو ما حدث ومضى وانقضى.. وفي هذا يجب أن لا يختلف  اثنان .

وفي الماضي البعيد وعندما كان الصاحب ما زال يلعب  ” غلول” في الحارة كان أبو الرائد يخوض معترك الأسر والزنازين  في اقبية التحقيق فور وقوع البلد تحت الاحتلال ويسطر ورفاقه آيات من الصمود  الاسطوري في ظل أقسى مرحلة  من التعذيب حيث كانت السجون تعتبر بمثابة مسالخ حقيقية على ما يصف الأسرى في تلك الحقبة التي  شهدت  حالة وفورة  من حرب العصابات غير المعلنة وكثر فيها  تسلل المجموعات المسلحة عبر الحدود لتلقين العدو ولو جزء من ثمن الاحتلال الغاشم وأن الدنيا ليست سايبة وشعب فلسطين وأحراره بالمرصاد  رغم خيانات الأنظمة البائسة.

والملفت أن أبو الرائد لم ينزو بعد تقاعده من التدريس وإنما حافظ على نشاطه الاجتماعي والثقافي في حدود معينة، وكنا كلما دعوناه للمشاركة في لقاء ثقافي أو اجتماعي سارع الى تلبية الدعوة بكل سرور . وفي أحد هذه النشاطات وكانت زيارة متحف “وجود ” للاخوات حاملات الطيب في باب الخليل من الداخل ضمن ممتلكات البطريركية الأرثوذكسية وبعد أن أبدى ابو الرائد ورفيقه يعقوب عودة أبو ناصر دهشتهما من عظمة وجمالية  المتحف ومعروضاته التراثية الفلسطينية ، أبدى ابو الرائد رغبته في استضافة المجموعة على أكلة تراثية فلسطينية من ” تحت ايدين ام الرائد ” كما قال  ، ولم يضعها الصاحب في بير خاربة وإنما تابع الموضوع على مدار  حوالي سنتين كاملتين حتى تم المعلوم وشاهد الصاحب بأم عينيه أفراد المجموعة المنتقاة بعناية ، ينقضون دون احم ولا  دستور على طبخة ام الرائد من ورق الدوالي والكوسا المحشي والهبر وما ادراكم ما الهبر في بيت ابو الرائد العامر  على ظاهر حي الثوري.

 وشعر الصاحب بالغبطة عندما علم الصديق والرفيق صلاح أبو اقطيش ابو أشرف بهذه الغزوة المباركة ، فسارع للحضور وناله من الطيب نصيب وزيادة، وقال قولته المشهورة  ” والله، لو لم ألحق  هذه الغزوة في الوقت المناسب.. لاعتبرتها خيانة عظمى.. ولحملت الصاحب المسؤولية كاملة.. يكون جزاؤه فيها منسف ساحوري مشهود.. شرطكم خرفان رماسي وع الحطب..”

كما شاركنا ابو الرائد فعالية الأحتفاء  البسيطة  بالكاتب الكبير  محمود  شقير  في منزله العامر بجبل المكبر قبل نحو عام  حيث تبين أنهما كان على ميعاد مع السجن والاعتقال . إذ كان من المقرر ان يكون هناك موعدا بينهما في يوم من الايام ، لم يأت على اية حال لان ارادة الاحتلال الغاشم سارعت الي اعتقال  ونفي الكاتب شقير  ولاحقا اعتقال ابو الرائد  ولم يلتقيا من حينها   إلا بعد زمن طويل..؟؟؟

من المعلومات الطريفة التي استقاها الصاحب في  ” غزوة المحاشي ” هذه ، الهجرة الأولى للأخوة الخلايلة من مدينة  الخليل إلى القدس في عشرينات القرن المنهزم بناء على دعوة مفتي فلسطين الأكبر الحاج أمين الحسيني للمساهمة في  حماية القدس وكيف كان الرعيل الأول منهم يتعرضون للرشق بالبنادورة من اهل البلد قبل أن يستقر بهم الحال وتأخذ الأمور  طبيعتها الصحيحة .

وقد نشر الصاحب بعض تفاصيل هذه الظاهرة في مقابلة مع ابو الرائد نشرت في جريدة القدس وقتها ، كما سمع الصاحب من ابو الرائد قصة وضع ازرار  ” زرين” أو أكثر  على أكمام المعاطف الجيشية الخضراء  وهي ان نابليون بونابرت أراد منع جنوده من مسح مخاط انوفهم نتيجة البرد بأكمام معاطفهم فوضع هذه الازرار  لجعل الأمر صعبا عليهم؟

ما زال أبو الرائد عندما يلتقي الصاحب ويجده  حاملا  صحيفة القدس يقوم بمصادرتها وعندما يعترض الصاحب انه لم يتصفحها  بعد ، كان يقول بما معناه .. لا بد أنك  “فليتها ” من الجلدة للجلدة.. ثم إنك يا صاحب طباخ الأخبار  كلها.. فاختصر بتنتصر.. فيختصر الصاحب على أمل أن ينتصر كما يقول أبو الرائد .

وصدف ان تمشى الصاحب مع أبو الرائد من شارع صلاح الدين إلى حيث منزل العائلة في الثوري كما التقاه مرارا  يتجول ويتمشى في متنزه المكبر الكبير . فرياضة المشي جزء اساسي من شخصية ابو الرائد الديناميكية.

فريد الطويل.. نكهة وعينة نادرة من رجالات القدس الأوفياء الذين تحملوا نصيبهم من التضحية المبكرة في سبيل القدس والوطن وشكلوا نموذجا من الكوادر الوطنية الوفية التي رعت الاجيال التالية من المناضلين وكانت قدوتها في الصمود  وتحدي السجان والجلاد . كم نحن بحاجة ماسة الى هذه النماذج الأصيلة التي تشكل صمام امان لشعبنا في كل مكان .

دمت بصحة وخير  الإنسان الرائع أبو الرائد ونتمنى لكم عمرا مديدا  واخبارا  سارة  باقتراب زوال جائحة الوباء  وجائحة الاحتلال الغشوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى