قراءة انطباعية لنص ” ما عاد مكان للسكن ” للشاعر المغربي سي مختار

وجدان خضور | فلسطين

أولا – النص:
ماعاد مكان للسكن… !

قرب الغابة من سكني…!
ما عاد لخيمات الآلهة الوجود
جنّية بمعول طلعت
حبلا ومنجلا تمنطقت
إلى نصفين تشق الجماجم
سنابل القلوب تحصد
تشنق الأفكار بحبل الأوهام
تفتت الأغصان رمادا ورميما
لرؤيتها الأشجار خرت استسلاما
قلوبها خفقانا صدحت اضطراما
نارا تاججت نجوما تساقطت
طيور الصمت الرهيب والموت الزؤام
دناصير تنفث مناقيرها نيران الجحيم

من التلة قرب سكني…!
بزغت اجداثا وقوفا وكهوفا
رفاتا محنطا مصخرا
يرتلون تفاهة الشعارات صراخا
بالويل والثبور صدحوا جموعا
بعظائم الامور هددوا استكبارا

من البئر قرب سكني …!
خرجت حية بسبعة رؤوس تسعى
على الأملس من بطنها المستكرش تزحف
فحيحها في الجوار يصم الأذان
من سماعها كل الاحياء فرار
سبع قرى عجاف واخر سمان دمرت
حتى البهائم من شرها لم تسلم
عدا شيخان أموات أحياء من الرفاق
التظى المكان متاهة الجفاف غرقا
سمها الزعاف يعزف الحياة لحن التحلل

من المنزل حيث سكني …!
خرج صبية جروهم خامس وقيل سادس
يتسابقون يتصايحون ..
يقدفون بالحجارة و”اللايكات.”.
كل من شابته حقارة طول السنين
لوحات رقمية يركلون..
خواصر الموبايلات يقبلون
كلبهم الأمي يتبول أوهاما
لها شاهدات الأفكار تخار إيلاما

من المكان حيث أسكن…!
لم أعد أسكن … !
ما عاد مكان للسكن…!
ماعاد للسكينة عنوان
تيه وتشرد في بحر الزمان

ثانيا – القراءة

ما عاد مكان للسكن ..عنوان النص يبوح بمضمونه بكل وضوح وشفافية .. لا سكن ولا سكينة تبث الطمأنينة في الروح ولا مكان يحتوي كعبة الروح الشقيانة.
الشاعر هنا يشعر بالاغتراب داخل وطنه فهو يرى أن قرب سكنه الذي يعيش فيه عبارة عن غابة.. والغابة يسكنها وحوش القوي فيها يأكل الضعيف لا رحمة ولا امان ولا طمأنينة (ما عاد لخيمات الآلهة وجود) نعم لم يعد قداسة ولا قدسية فقد تم بكل الظلم والظلام التعدي على الإنسانية بكل عنجهية وطغيان.. جنية بمعول طلعت ..
أرى هنا شاعرنا قد تمترس كبرزخ بين النور والظلام ..المعول هو أداة للزراعة أو لحفر الأرض وقد ذكر شاعرنا أيضا منجل والمنجل ايضا هو أداة لزراعة وتحديدا للحصاد لكن وقد تم ذكر الحبل تلك ادوات زراعة وارى شاعرنا هنا قد صور حالة من الاعتداء بشكل رهيب وقمع لفكر حيث استعمل شاعرنا تلك الأدوات التي هي اصلا لشيء طيب وفيه فائدة للحياة وفي الحقيقة ما هو سوى وهم حيث يمكن استعمال تلك الأدوات لأمر اخر مغاير .. المعول تم استعماله هنا لشق الجماجم اي لتشتيت الروح وتجهيل العقل .. وتغليفه بالوهم …الحبل هنا لشنق الفكر والقضاء عليه بالوهم .. والمنجل هنا لحصاد ما في القلوب من عطاء واستغلاله بشكل متسلط بدون رحمة .. ذكرتني تلك الصورة بمقطع لسندباد والساحر كنت أتابعه انا واخوتي ونحن صغار وقد تسلط الساحر على سندباد وتحول على هيئة عجوز ضعيف كي يجعل سندباد يحمله لانه لا يستطيع المشي ولأن سندباد طيب ويحب مساعدة الآخرين حمل الساحر على كتفيه وهو لا يعلم أنه ساحر شرير وحين رأيته يستبد بسندباد ويؤلمه ويخدعه بدأت ابكي حزنا على السندباد. وفي الحقيقة نحن كثيرا ما نلمس تلك الصور على مسرح الواقع..
تفتت الأغصان رمادا ورميما .. هنا صراع محسوم لصالح المتسلط والمستبد بعد أن تآمر العرف والعادات السلبية والاستبداد السلطوي على نفي القيم والرحمة والإنسانية شعور قد نزف الوجع على عوسج السنين بما تمخض من ظلم حتى بات الصوت رميما لا مواجهه تعصف أمام هذا البرود والجور التعسفي .. في غور النص بكاء وتمرد في خافق يصدح مضطرما وطيور صمت وموت زؤام ودناصير تنفث مناقيرها نيران الجحيم ..يعرض شاعرنا حالة تغييب وجودي بذكره الموت الزؤام نتيجة قهر جهة سلطوية أو ذكورية أو عرف وعادت مجتمعية خارجه عن نطاق المنطق والدين والإنسانية والجهة تلك وصفها شاعرنا بالدناصير التي تنفث الجحيم وهو بمعناه العذاب والمعاناة بأعلى مستوياتها..

من البئر قرب سكني ..! خرجت حية بسبعة رؤوس تسعى على الأملس من بطنها المستكرش تزحف فحيحها في الجوار يصم الأذان .. على متن النص مكائد تحاك وخداع يرام في بطن الحية التي تسعى بالخراب والفساد في الأرض وقد ذكر الشاعر في سياق المقطع أن الحية خرجت من البئر اي أنها خرجت من المكان الذي منه نستمد الحياة فالبئر حفرة تجتمع فيه الماء للشرب وري المزروعات اذاً هو مكان لنشر الحياة لكن شاعرنا صور أن هذه المكان قد انقلب من بث الحياة إلى بث الموت الزؤام إذ خرجت منه تلك الحية التي بدأت تدس فحيحها المشؤوم في الأذان حيث ابتعد عنها جميع الأحياء وهنا الاحياء هم الناس الطيبين الذين يحبون الخير ويسعون إليه في جميع أصقاع الأرض أما الحية الفاسدة المفسدة فلديها رفاق ما هم إلا اموات من معنى الحياة والوجود لأنهم فقط ينشرون الشر والسم في الافكار ..

من المنزل حيث سكني خرج صبية جروهم خامس وقيل سادس يتسابقون يتصايحون يقذفون بالحجارة واللايكات..
هنا اسقاط من سورة الكهف الآية الكريمة ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ۖ ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ۚ قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ۗ فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا..
خرج صبية وأهل الكهف كانوا صبية قد خرجوا من المدينة هربا من الفساد المستشري فيها حيث كان أهل المدينة منغمسين بالكفر فهرب الصبية إلى الكهف للنجاة من القوم الكافرين الضالين هربوا بفكرهم النور ودينهم الحق في رضى الله. وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها. استلقى الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه. وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات. وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار.

وكل تلك الأحداث كانت تؤلم من لديه فكر مستنير و واعي للحقيقة ..

من المكان حيث اسكن ..! لم اعد اسكن .. في خضم هذا الواقع المرير الظالم لا سكنى ولا سكون ولا طمأنينة تجعلنا ننعتق من هذا الجور والاستعباد الظالم شرود وتوهان في بحر الزمان إنه الشر المسافر عبر الاحقاب يتكاثر ويستشري بكل الطغيان لكن منذ الأزل هناك خير يقف بكل طاقاته أمام الشر ينافح عن الإنسانية كمغوار لا لن يزل أو يهان والنصر دوما للخير والحكايات عبر الزمن هي الأشهاد ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى