عن كذبة اسمها ” بروتوكولات حكماء صهيون “

حسام عبد الكريم | كاتب وباحث من الأردن

يمكن القول أن “بروتوكولات حكماء صهيون” هو من أكثر الكتب انتشاراً في الدول العربية . وبالإمكان الحصول عليه بسهولة من أرصفة الطرق في وسط العواصم العربية. وهذا الانتشار الواسع النطاق لذلك الكتاب هو في الحقيقة تعبير عما يمكن تسميته (الفكر التآمري) لدى العرب؛ حيث تُنسب إلى “اليهود” قوى عجائبية خارقة ويدٌ عُليا خفيّة في كل مكان وزمان تقريباً.  ويرى هذا التفكير التآمري أن اليهود وراء الكثير من الخطط الجهنمية والجمعيات السرية والحركات الهدامة في العالم .

والمشكلة أن هيمنة هذا التفكير التآمري على العقل العربي هو من أخطر الأمور: فهو يزيد من هيبة “إسرائيل” ويجعلها تكسب الحروب سيكولوجياً بدون أن تدخل معارك حقيقية! فالذي يؤمن – بصدق- بأن البروتوكولات وثيقة صحيحة، وأن ما جاء فيها هو المخطط الذي يتحقق في هذا العصر والذي سيؤدي إلى سيطرة اليهود على العالم، وأن اليهود يتحكمون بالفعل في رأس المال العالمي وفي حكومة الولايات المتحدة الأمريكية, لا بد له ان يستسلم أمام هذه القوة العاتية التي لا رادّ لها , وبالتالي عليه أن يبدأ في مغازلة “اسرائيل” لكسب ودها طمعاً في المغانم أو اتقاءً للمكاره.

والصحيح أن البحث الجاد حول مصداقية “بروتوكولات حكماء صهيون” يُظهر أنها ليست سوى وثيقة تاريخية مزورة وملفقة .

ولتأكيد ذلك لا بد من التطرق إلى الخلفية التاريخية للموضوع:

“بروتوكولات حكماء صهيون” وثيقة يقال إنها كتبت عام 1897، وهو نفس العام الذي عُقد فيه المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا . بل ويزعم البعض أن ثيودور هرتزل تلاها على المؤتمر، وأنها نوقشت فيه! وأن الهدف من ذلك المؤتمر الذي ضم “حاخامات اليهود” كان وضع خطة محكمة (بالتعاون مع الماسونيين الأحرار والليبراليين والعلمانيين والملحدين) لإقامة إمبراطورية عالمية تخضع لسلطان اليهود وتديرها حكومة عالمية يكون مقرها القدس!

والصحيح أن المؤتمر الصهيوني الأول كان سياسياً بامتياز , وقد انعقد من أجل مناقشة كيفية انشاء وطن قومي ليهود العالم . ولكن جرى استغلال انعقاد ذلك المؤتمر “اليهودي” من قبل الشرطة السياسية الروسية في ذلك الوقت فقامت بتأليف تلك البروتوكولات للنيل من الحركات الثورية والليبرالية، ومن أجل زيادة التفاف الشعب حول القيصر والأرستقراطية والكنيسة بتخويفهم من المؤامرة اليهودية الخفية العالمية.

كما تصادف في ذلك الوقت ان بريطانيا العظمى كان يحكمها رئيس وزراء يهودي وهو بنجامين دزرائيلي والذي كان مكروهاً تماماً من النخبة الحاكمة في روسيا لأنه كان يساند الدولة العثمانية حتى تظل حاجزاً منيعاً ضد توسع الإمبراطورية الروسية. فتصويره أمام العامة أنه شخصية شيطانية شريرة يلائم أغراض القيصر الروسي.

وقد نشرت البروتوكولات لأول مرة عام 1905 مكتوبة باللغة الروسية (وهذا أمر يثير الشك والريبة. فإذا كانت البروتوكولات وثيقة سرية، فلماذا لم يكتبها حاخامات اليهود بلغاتهم العبرية أو اليديشية , خاصة وأن أكثر يهود اوروبا آنذاك كانوا يتحدثون اليديشية وليس الروسية). وفي تلك الفترة التي سبقت انتصار الثورة الشيوعية كانت روسيا تعجّ بالحركات التقدمية المعارضة للقيصر : يسارية واشتراكية وشيوعية وغيرها . وكان تواجد الاعضاء اليهود في صفوفها ملحوظاً.

هذا من ناحية الظروف التاريخية. واما من ناحية الشكل والمضمون فحدّث ولا حرج! فمؤلف تلك الوثيقة جعل حكماء صهيون أنفسهم يتحدثون عن الخطر اليهودي! حتى يبدو الأمر كله وكأنه (وشهد شاهد من أهلها). غير أنه لم يكن على درجة كبيرة من الذكاء في عملية تزييفه هذه فيجعلهم ينسبون إلى أنفسهم كل شر! فيقول اليهود انهم سيشيعون الفساد الاخلاقي والمالي في العالم وسيشترون الذمم وينشرون الفتن حتى يقضوا على الأديان وخاصة المسيحية وسيدمرون الأسرة عن طريق الخداع بالأفكار التحررية … الخ. كما ان المؤلف يضخم “قوة اليهود” ليخيف الناس فيجعلهم مسؤولين عن كل الأحداث الجسيمة في العالم , مثل قوله (نجاح داروين وماركس ونيتشه قد رتبناه من قبل!) وكذلك (أسرار تنظيم الثورة الفرنسية معروفة لنا جيداً لأنها من صنع أيدينا!). وهذا غيض من فيض العبارات الساذجة التي تتكون منها البروتوكولات.

وختاماً أشير الى أن الباحث العملاق عبدالوهاب المسيري , المتخصص بشؤون اليهود والصهيونية, يؤيد الرأي السائد في الأوساط العلمية الغربية التي قامت بدراسة البروتوكولات دراسة علمية متعمقة وهو أن البروتوكولات وثيقة مزوّرة، استفاد كاتبها من من كتيّب فرنسي كتبه صحفي يدعى موريس جولي يسخر فيه من نابليون الثالث بعنوان (حوار في الجحيم بين ماكيافللي ومونتسيكو)، ونُشر في بروكسل عام 1864م. وهكذا – يقول المسيري – تحول الحوار إلى مؤتمر، وتحول الفيلسوف إلى حكماء صهيون. وقد اكتُشفت أوجه الشبه بين الكتيب والبروتوكولات حيث تضمنت هذه الأخيرة اقتباسات حرفية من الكتاب المذكور، وأحيانا تعبيرات مجازية وصوراً منه.

والشعب الفلسطيني بالذات , صاحب القضية العادلة, في غنى عن اللجوء الى استخدام وثيقة تاريخية ملفقة في مواجهة العدو الصهيوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى