ما هي مصادر تاريخ القدماء المصريين؟
فريدة شعراوي | باحثة في التاريخ وعلم المصريات
تاريخ مصر كغيرها من الأمم القديمة، مستند إلى مصدرين أصليين: الأول: (وهو أوثقهما) آثارهم القديمة وما عليها من نقوش، والثاني ما وصل إلينا مما كتبه الأقدمون في تاريخهم.
فمن الأولى يتيسر لنا أن نعرف كثيرا من حظهم من الحضارة ومبلغهم من العلم، فمثلا مبانيهم الهائلة وما عليها من النقوش البديعة، تدلنا على مقدار نبوغهم في فني النحت والتصوير.
وجثث موتاهم المحنطة الخالدة منذ أزمان سحيقة والأصباغ الثابتة الجميلة التي استعملوها في تصاويرهم، تدل على براعتهم في علم الكيمياء العملي. على أنهم لم يقصروا في تدوين بعض حوادثهم العظيمة ووقائعهم الجسيمة وقصصهم العجيبة، مع بيان وأسماء الملوك القابضين على أزمة الملك في إبانها.
فتراهم كتبوا هذه الحقائق على مبانيهم وآثارهم، وعلى قطع الزخارف وأوراق البردي التي وصلت إلينا من تلك الأيام الغابرة.
و أما ثاني المصدرين، و هو ما كتبه قدماء المصريين أو معاصروهم، وأقدم الكتابات التي وصلت إلينا من تاريخ مصر، هو ما كتبه المؤرخ الأغريقي (هيرودت) سنة ٤٥٠ ق . م . ذلك بأنه حضر إلى مصر، وكتب تاريخا لها باللغة الإغريقية، فكان وصفه للبلاد جدير بالثقة، غير أن ما كتبه في التاريخ ذاته، على ما به من الإمتاع والتشويق، غير موثوق به، إذ كان أكثره مستندا للأقاصيص الشائعة على ألسنة الناس في ذاك العصر.
و بعد ذلك بنحو مائتي سنة قام كاهن وطني يدعى (مانتيون) بتأليف كتاب في تاريخ مصر باللغة الإغريقية، و كان ذلك في عصر (بطليموس فيلادلف) حوالى سنة ٢٦٣ ق م .
و مما يؤسف له أيضأ أن معظم هذا الكتاب قد ضاع، و لم يصل إلينا منه إلا ما عنى بنقله و حفظه مؤرخوا العصور الأولى بعد الميلاد، و أهم ما انتفعوا به منه حصره لملوك مصر، و كان يشك في ذلك أيضا، لولا أن الاسكتشافات الحديثة أثبتت صحته .
و عند كلامه على ذلك، بدأ بالملك (مينا) و قسم الملوك الذين من بعده إلى ٣١ أسرة حكمت مصر مدة ٣٥٥٥ سنة.
ثم كتب في تاريخ مصر في أوائل ظهور المسيحية (ديودور) و(إسترابون) الإغريقان، و لكن كلاهما أيضأ جاء محتاجا إلى برهان.
و لو لم يعرف الناس بعد قراءة النقوش و الرسوم التي على الآثار، لبقيت أبد الدهر قليلة الجدوى في إرشاد المؤرخين إلى الحقيقة، فقد كانت الهيروغليفية قد نسيت أيما نسيان، و لم يكن في العالم أجمع من يستطيع طلاسمها و حل رموزها.
إلى أن جاء (نابليون بونابرت) إلى مصر في غارته المشهورة، فعثر أحد ضباطه سنة ١٧٩٩ م على الحجر المشهور المسمى بحجر رشيد.
ويوجد الآن بين نفائس دار المتحف بمدينة لندن، ويحتوي على عبارة مكتوبة بثلاث لغات: أولاها بالهيروغليفية، وتحتها ترجمتها بالديموقيطية (وهي اللغة المصرية القديمة الدارجة) وتحتها ترجمتها باللغة الإغريقية، فتمكن الباحثون من مقارنة الفارق بين اللغات الثلاث، ومن ذلك الحين أبتدأ المؤرخون والأثريون في أوروبا يشتغلون بحل رموز الكتابة المصرية القديمة.
ولكن الذى ينسب إليه التغلب النهائي على هذه الصعوبة هو (فرانسوا شمبليون) الفرنسي، و من ذلك الوقت إلى الآن ازدادت معرفة العالم بتاريخ مصر القديم .