لماذا كل هذا الحقد على نوال السّعداوي؟
سهيل كيوان | مجد الكروم – فلسطين
من المؤكد أن أكثر الذين هاجموا نوال السعداوي بعد رحيلها مطلع الأسبوع، لم يقرأوا شيئًا من كتبها وتراثها الفكري، مثل ذلك الأمّي الذي حاول اغتيال نجيب محفوظ بسبب رواية أولاد حارتنا، التي لم يقرأها هو نفسه، ولكنهم ردّدوا ما سمعوا، فالبعض ينجرف مع التيار قبل أن يمحص ويفحص الحقيقة.
هاجمت نوال السّعداوي عادات اجتماعية خطيرة، مثل عملية ختان النساء في المجتمع المصري، وهذا أمرٌ لا يتفق أساسا مع الدين، فمن الذي قرَّر ختان النساء؟ نوال السعداوي تصدَّت بشجاعة لهذه العادة الوحشية التي أدّت إلى وفاة كثير من الإناث فور ولادتهن، وذلك بعد حدوث مضاعفات لختانهن، أو تشويه أعضائهن التناسلية إلى الأبد.
نوال السَّعداوي هاجمت زواج القاصرات، وذكرت في كتبها الأولى مشاهداتها من خلال عملها كطبيبة في الريف، أن أغنياء كانوا يأتون من دول الخليج والسعودية إلى مصر ليشتروا قاصرات مقابل مبالغ من المال تقدّم لذويهم تحت مسمى زواج، وفي الحقيقة كانت هذه دعارة وتجارة جنس. بعض الأهالي الفقراء يبيعون بناتهم بيعا، ليجري استغلالهن جنسيا ثم يُطَلّقن بعد عودة هذا الثري إلى بلاده، وهذا ذكره السادات نفسُه في إحدى خُطبه في مجلس الشعب المصري.
هاجمت حكم الحزب الواحد في زمن السادات، ما أدى إلى حبسها، ولكن أطلق سراحها بعد اغتيال السادات وكان هذا بعد شهر واحد فقط من سجنها، ومن سجن النساء استوحت روايتها “سجن النساء”.
هاجمت السَّعداوي قتل نساء أُعدن إلى ذويهن في ليلة زفافهن بعد اكتشاف العريس بأن عروسه ليست عذراء، ولأن هذا يسبب عارا كبيرا يؤدي إلى قتلها.
حاولت التنوير في هذا المجال، لإنقاذ فتيات، فذَكرت وجود أنواع مختلفة من غشاء البكارة، بعضها قد يتمزَّق من دون ظهور دماء، وبعضها قد لا يتمزق إلا بعد ولادة المولود الأول، ثم إن بعض الفتيات قد يكنَّ تعرضن لاعتداء جنسية داخل العائلة نفسها.
حاولت السَّعداوي إنقاذ ضحايا بريئات قد يُقتلن أو يعشن طيلة حياتهن في ذلٍ بسبب جهل جنسي، إضافة إلى أن الرجال من حولها يشعرون بالخزي والعار طيلة حياتهم، حتى بعد قتل بناتهم أو شقيقاتهم، فالعار يلاحقهم.
التهرّب من النقاش الفكري من خلال التكفير، هو جريمة مستمرة منذ قرون بحق الفكر العربي والإسلامي، فالتكفير والتخوين الوطني، وجهان لعملة واحدة، هنالك من احتكروا الدِّين، فمنحوا الناس صكوك غفران لهذا وإلى ذاك، وهناك من احتكروا الوطنية فوزّعوا شهادات التخوين أو الوطنية كوسيلة سهلة لمحاربة الخصوم، بدلا من النقاش الفكري الذي قد يكون متعبًا ويحتاج إلى البراهين.
ناقشت نوال السعداوي ارتداء الحجاب وقالت إنه ليس فريضة دينية، وهذه قضية خلافية قديمة وليست جديدة، أما الفساد الأخلاقي أو عدمه، فالثابت في حياتنا اليومية والذي يدركه الجميع أن الحجاب والملاية والعباءة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، ليست إثباتًا على الأخلاق الرفيعة، مثلما أن اللحية ليست ضمانة على الخُلق القويم لدى الرّجل، وكذلك مثلما أن لباس المرأة على الطريقة الأوروبية، ليس مقياسًا للحكم على فهمها وتقدُّمها وتَّنوُّرها، ولا حلق اللحية دليلٌ على شيء.
طالبت السعداوي بمنح الإناث حصة مساوية لحصة الرجل من الميراث، صحيحٌ أن هذا يخالف الشَّرع الإسلامي، ولكن الحقيقة أن المجتمع العربي الإسلامي في معظمه لا يعطي الإناث حتى ما نص عليه القرآن الكريم من حقوق، ومعظمهم يورثون أبناءهم الذكور دون الإناث، وبعضهم من الحجّاج، الذين يحثُّون بناتهم كي يتنازلن، وويلٌ لمن ترفض التنازل، حينئذ تُتهم بالوقاحة والتمرُّد، ويقطعون صلتهم بها أصلا وفصلا ، حقيقة نجدها في كُلِّ حيٍ وشارع دون تكفيرٍ لأحد.
نوال السعداوي وغيرها من مفكرين لهم إبداعاتهم واجتهاداتهم التي قد تصيب وقد تخطئ، فنحن لا نأخذ فكرة أو خطأ ونعمِّمُه على كل ما أنتجه هذا المفكر.
وزعمت نوال السعداوي بأنها رأت هيلاري كلينتون في ميدان التحرير توزع الدولارات على الناس كي يصوتوا للدكتور المرحوم محمد مرسي، بلا شك أن هذا نوع من الهلوسة، ربما قصدتها مجازًا، وربما تكون انزلاقة بسبب حقدها على الإسلاميين الذين كفّروها وهدَّدوها بالقتل أكثر من مرَّة، ولا شك في أن تكفيرهم لها سبَّب لها مشاكل كثيرة في الظهور أو المشي في أزقة وشوارع القاهرة، وقد اضطرت بسبب التهديدات أن ترحل لتعمل في إحدى الجامعات الأميركية.
لا أعرف إذا ما كانت نوال السعداوي في كامل قدرتها العقلية عندما قالت هذا الكلام، أم أنه من أعراض مرض الزهايمر، ففي بدايته يهذي المريض بأوهام يظنها حقيقة.
قد نتفق أو لا نتفق مع فكرة هنا أوهناك من أفكارها، إلا أنها أضاءت مناطق مظلمة من حياة الشعب المصري، عرفتها من خلال عملها كطبيبة في الأرياف، وحاولت أن تزرع أفكارا جديدة وجريئة، في أرض صحراوية، لا ينبت ولا يزهر فيها شيءٌ إلا في ما ندَر.