قبل اقتحام المدينة.. بمناسبة الحديث عن صفقة القرن
د. خضر محجز | غزة- فلسطين
قبل أن يقتحم العدو المدينة، سبقته الإشاعات بأن جنوده يغتصبون النساء.
حين دخل الجنود البيت، وقلبوا كل شيء فيه، كانت السيدة قد هيأت نفسها لهذه اللحظة. لكنهم عندما خرجوا دون أن يضيفوا شيئاً من شأنه تحقيق الشائعات، نظرت إليهم السيدة وهي تقول:
ـ ماذا؟ هل توقفتم عن الاغتصاب؟ الحمد لله.
وحمد الله هنا كان أشد عتواً من الكفر. ذلك أنه مسبوق بسؤال تكمن في أعماقه الرغبة الخائنة: رغبة سيدة تريد أن تمارس الجنس بطريقة مختلفة، تريد أن تمارس الجنس دون إثم، وما علمت أنها أثمت إثم زانية. ومن يدري، فربما كانت من النوع الذي يعشق أن يُلتَهَم التهاماً!
لقد مارست هذه السيدة “باطن الإثم” الذي هو شر يبحث عن مُتنَفَّس. فهي خائنة فعلاً، بالرغم من رغبتها في أن تمارس خيانة معلنة أمام الأهل برضى الأهل.
هذه السيدة خائنة تريد أن تجعل الخيانة أمراً جميلاً. ولذا يمكن تصور كم كانت شديدة البؤس، هذه السيدة، حين غادرها الجنود دون اغتصاب!
إن هذه الخيانة المعمقة تشبه خيانة جواسيس يروجون لما لا يكون: إذ سمعوا أن المدينة دون حراس، فقرروا أن يفتحوا أبوابها للغزاة، ليكون بإمكانهم أن يتمتعوا بأن يغتصبهم الغزاة، تحت نظر زوجاتهم.
يبدو أنهم مشتاقون للاغتصاب منذ أيام الطفولة!
إنهم يرغبون في أن يمهدوا للرحيل، ثم يخشون أن يصطدم الرحيل برجال يمنعون الرحيل. فهم لهذا يرغبون في إقناع الناس بأن الرحيل واقع، وأن من يمنعون الرحيل مخادعون.
والحق أن الجواسيس هم المخادعون، الذين باعوا وطنهم بحثاً عن خلاص شخصي لن يتحقق.
أما ما يقال له “صفقة القرن” فحلمٌ في ذهن “ترامب” يرغب في أن يحققه واقعياً، وتفاصيله مجهولة.
ولأن تفاصيله مجهولة، ترى الجواسيس يحاولون إغواء العدو باغتصابهم، إذ يبادرون بطرح اقتراحاتهم، فيعرضون تصورهم لكيفية تحقيق ترحيل الشعب الفلسطيني إلى سيناء، واستبدال القدس برمال سيناء.
لا جرم، أن تفقد العذراء بكارتها طفلة، فلا تعود عذراء حين تكبر، ويصبح بإمكانها ـ إن أعجبها الأمر وحُرمت منه في الواقع ـ أن تبيع فيما بعد المتعة وتتمتع.
ثمة نوع من الحنين هنا، حنين إلى لذة جربتها المغتَصَبةُ وسط الصراخ، وهي الآن تتوق لاستعادتها، لتتذوقها كبيرةً واعية. ولكنها إذ تستعيد ما كان الآن، فلقد يروق لها أن تتمتع، بما ترجو أن يكون.
ولكي تتمتع الخائنة بالاغتصاب، الذي يغزو ذاكرتها منذ أيام الطفولة، يجب أن يتم الآتي:
1ـ يجب أن توافق مصر على إعلان خيانتها لفلسطين. وهذا لا تستطيعه مصر، بقوة ما لا يستطيع أي حاكم مصري أن يقنع المصريين، بـ(التصدق) على الفلسطينيين بسيناء، إرضاءً للصهاينة. وفي الواقع كررت مصر، مئات المرات، استحالة حدوث ذلك.
2ـ يجب أن يقبل الشعب الفلسطيني بالتخلي عن القدس. ومعلوم أنه لا الرئيس عباس ولا أبو عمار في قبره ـ ولا حتى صلاح الدين الأيوبي المبعوث تلبية لدعواتنا ـ يستطيع أن يمهر وثيقة يتنازل بها باسمنا عن القدس، وتستبدل سيناء بالقدس.
3ـ وللمغتصبات المحرومات المبشرات بقوة نيرانية تطردنا إلى سيناء ـ هن يحلمن بذلك ـ أقول: فلو فرضنا أن ذلك قد تم؛ فكان سيكون ماذا؟ سيتم صناعة مخيم فلسطيني جديد في سيناء، وتبقى سيناء مصرية، ويكسب الفلسطينيون مخيم لجوء آخر، في دولة ضيافة أخرى. وبذا فلن يتم تحقيق الاغتصاب للمرأة التائقة المتلمظة، وستبوء فقط بإثم الزنا دون لذة التحقق.
4ـ وللذين يستغربون من المواقف الهادئة لمصر أقول: مصر لا تمر الآن في أحسن أوقاتها بالتأكيد، فهي تحارب إرهاباً فرضه عليها الغرب وإسرائيل. ولئن تغيرت الأجندة الأمريكية في عهد “ترامب” فلم يعد يأبهُ بالإرهابيين الذين أرسلهم سلفه “أوباما”، فلقد كان على مصر الدولة أن تتلاعب بخصمين قريبين: المتدينين الجدد في غزة، والعدو إسرائيل.
4/أ: فكان أن مدت للمتدينين الجدد، جسراً من الكلام الناعم، والانفتاحات التكتيكية، يخدرهم ويمنيهم الأماني، فلا يعودون قادرين على دعم الإرهاب، إن كانوا يدعمون الإرهاب.
4/ب: وفي نفس الوقت سمحت بتدفئة العلاقات مع إسرائيل، بما لا يضر فلسطين، رغبة منها في السماح لإسرائيل، بابتلاع التغيير في المعادلة الجديدة، في مكافحة الإرهاب؛ وربما دعم الجهود المصرية في ذلك، بدلاً مما كانت تفعله إسرائيل في الماضي من دعم الإرهابيين. وفي هذا الإطار يمكن تفهم صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل، ودخول أعداد كبيرة من مختلف الأسلحة إلى سيناء خلافاً لما تنص عليه اتفاقيات كامب ديفيد سيئة الذكر.
5ـ أما الأردن فيقف موقفاً صلباً ضد أي مشروع يهدف للتخلي عن القدس.
6ـ بعد كل دول الجوار هؤلاء، لا يقدم ولا يؤخر كلام أمير هنا أو وزير هناك. حتى لو كان متحالفاً مع الصهيونية. وفي هذا أبدى الرئيس عباس قوة جديرة برئيس فلسطين، وأبدى هؤلاء تراجعاً جديراً بمن يضطر للانحناء أمام عاصفة ظنها نسمة هواء ضعيفة.
وأخيراً،
كل حديث يصور معركة مصر ضد الإرهاب، مقدمة وتمهيداً لتنفيذ مؤامرة الترحيل، هو خيانة لمصر، وشهداء مصر، وتاريخ مصر، وجيش مصر، آخر قلعة من قلاع العروبة المقاتلة عن الشرف.
وفي هذا الصدد، فلقد يرى الكثيرون أن شخص الرئيس الفلسطيني قابل لأن يتم انتقاده. وهذا حق، لكنه ـ في هذه المرحلة من المعركة على الأبواب والأسوار الأخيرة ـ هو حق يراد به باطل: ذلك لأن الرئيس اليوم يقف وحيداً في المعركة، كما لم يحدث لرئيس فلسطيني من قبل. وبالتالي فإن من يتهمه اليوم بالخيانة، فهو إنما يطعنه في الظهر، يطعن الرجل الذي يدافع عن القدس، وسط الحرب على القدس في الظهر.
إن من يطعن المقاتل الأخير في ظهره وسط المعركة، هو الخائن.
إن الخائنة ـ أيها السادة ـ هي من ترغب في أن يُغتصب فرجها، بموافقة زوجها.
أيها الفلسطينيون الشرفاء،
كونوا قلة أو كثرة، فسأكون معكم.
سأكون مع القدس ولو كنت وحدي، وسأدعم الرئيس ولو كنت وحدي، وسأعلن ذلك ولو كنت وحدي، وسألعن الخائنين ولو زوجهم البعض من بناتهم، ولا أظن فلسطينياً يفعل.
سندافع عن فلسطين متراً متراً، شبراً شبراً، ذراعاً وراء آخر.
سندافع هذا العالم الظالم بكل قوة الدم والرفض والإصرار.
لن يخلي شبلٌ منا شبراً من الأرض، إلا أن يأخذوه منه بعد الموت. وليترك للغانيات أن تجر ذيولها، في انتظار صلب الجندي الصهيوني يهتز فوق بطنها.
لا..
لم يكن الفلسطينيون خاطئين، حين رفضوا التقسيم، بل كان الذين قبلوا بالتقسيم، وفي يديهم بقايا بنادق، هم الخونة.
لم يكن الفلسطينيون خاطئين، حين رفضوا معاهدة كامب ديفيد الأولى، بين السادات وإسرائيل، بل كان من وافق على وقف الحرب ـ قبل استعادة كل ما أُخذ منه، ومن حوله معسكر شرقي داعم، وتحالف دولي متعاطف ـ هو الخائن.
كل فلسطيني يستطيع أن يقاتل، فلا يقاتل، لمجرد أنه يتوقع الهزيمة، هو مهزوم.
كل فلسطيني يستطيع أن يقاتل، فلا يقاتل، رغبة في نوال فتات يلقيه العدو للهندي الأخير، هو خائن.
هكذا غنى لنا شاعرنا الوطني محمود درويش، حين قال:
خذوا أرض أمي بالسيف
لكنني لن أوقع باسمي
معاهدة الصلح بين القتيل وقاتله
لن أوقع باسمي
على بيع شبر من الشوك حول حقول الذرة.
فيا أيها المرابطون في بيت المقدس وأكنافه، قفوا واصمدوا فالله معكم ولن يَتِرَكم أعمالكم.
في وسط المعركة يصبح التجسس أشد خطراً
عاشت فلسطين عربية حرة
سحقاً للجواسيس
لقد آن لفلسطين أن تكون أكثر جمالاً.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. ولا إله إلا الله، صدق وعده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.