عبادة التفكر والتدبر

د. عبد التواب عبد الله أبوزيد | مصر

ان الله تعالى أنزل القرآن الكريم علي نبيه محمد – عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم – وأمرنا بقراءته وتدبر آياته، وفهم معانيه، كي نجعله دستورا لنا نعمل به كي تستنير بصائرنا و قلوبنا ولا نضل ولا نشقى في حياتنا الدنيا وكي نفوز برضا الله تعالى، والفوز بالجنة في الآخرة قال تعالى:”كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب” “ص:29

وأيضا خلق الكون من حولنا وخلق فيه الآيات المنظورة وهي الشمس والقمر والسموات السبع من فوقنا بغير عمد وخلق البحار والأنهار والمحيطات المليئة بالماء وخلق النبات وخلق الحيوان مسخرا لخدمة الإنسان على وجه الأرض وخلق الليل والنهار قال تعالى:”إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار” “آل عمران 190/191”

إن منزلة التفكر والتدبر في آيات الله الكونية وأيضا القرآنية هي في الإسلام بمنزلة الروح من الجسد، بها يحيا المؤمن ويقوى إيمانه ويزداد من الله تعالى قربه ، ويحظى في الأخره بأعلى الدرجات في الجنة.

يا لها من عبادة عظيمة، ونعمة كبيرة توصلنا إلى معرفة الله تعالى والإيمان به وحبه وطاعته .

إن من أسماء الله تعالى “العظيم” وفي الصلاة ونحن ركوع نقول”سبحان ربي العظيم” إن عظمة الله ليس لها حدود ولن نصل إلى فهم معناها إلا إذا تأملنا وتدبرنا ودققنا نظرنا في الآيات العظيمة من حولنا، التي تدل علي عظمة الله، وقدرته وعجيب صنعه وطلاقة قدرته.

فلننظر مثلا إلى الشمس وهي نجم كبير هائل تشرق كل يوم بأمر ربها لتنيرالأرض، وتزيل ظلام الليل الدامس فنقوم من نومنا ونذهب إلى أعمالنا في نشاط وهمه بمجرد إشراقها علي وجه الأرض فمن خلقها وأبدع في وجودها أيما إبداع؟ إنه وحده الله العظيم القادر قال تعالى :”والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم”، قال تعالى أيضا “وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر، والنجوم مسخرات بأمره””النحل:12”

مما يدل على أن الله سخر برحمته وفضله الشمس لنا لكي يستطيع الإنسان العيش والتكيف على كوكب الأرض وفي ضوئها فوائد كثيرة غير الرؤية منها أن شدة ضؤها تقتل الفطريات والبكتيريا الضارة بالإنسان والتي لو وجدت لأصيب الإنسان بالأمراض والأوبئة الفتاكه التي ممكن تؤدي إلى هلاكه وأيضا للفلاح الذي يزرع في أرضه فوائد كثيره منها ان نضج الحبوب والفواكه والثمار لا يحدث إلا بوجود ضوء الشمس .

لذلك وجب علينا أن نقول بقلوبنا وألسنتنا سبحان الله العظيم الذي أحسن كل شيء خلقه.

أيضا من الآيات العظيمة” الماء” الذي لولا وجوده لهلك الإنسان والحيوان والنبات، فهو مصدر الحياة لكل الكائنات الحية علي وجه الأرض، قال تعالى: “وجعلنا من الماء كل شيء حي” “الأنبياء 30”

ومن الماء خلق الإنسان “فلينظر الإنسان مما خلق خلق من ماء دافق””الطارق 5/6”

وكلنا يعلم أن الماء يتكون من ذرتين هيدروجين وذرة اكسجين ومع إن الأكسجين بمفرده من خواصه الفيزيائية يساعد علي الاشتعال والهيدروجين من خواصه أنه يشتعل، فلننظر ونتأمل كيف بطلت هذه الخواص في عنصر الماء من الذي يستطيع إبطال ذلك من البشر حولنا مهما أوتي من علم وقدره؟ أبدا لن يستطيع ذلك إلا إله قادر عظيم أنه الله رب العالمين.

ومن نعم الله العظيمة نزول الماء في صورة “المطر”ينزله الله علي الأرض الجدباء الميتة فتحيا وتنبت الزروع والثمار وشتى أنواع الخضروات التي هي أساس الطعام للإنسان، قال تعالى”ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلناعليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتي إنه علي كل شيء قدير””فصلت:39”

ويتحدى الله الخلق بهذا الماء محثا له على شكره وطاعته، لوجود هذا الماء عذبا فراتا فيقول :”أفرايتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ” “الواقعة 68/79/70” فماذا كان تصرفنا لو أن هذا الماء نزل مالحا غير عذب، بالطبع يهلك الإنسان والحيوان وكل كائن حي علي وجه، البسيطة، فسبحان الله والحمد لله رب العالمين.

ومن الآيات العظيمة الدالة علي قدرة الله تعالى “السموات السبع” نراها من فوقنا بناءًا عظيما ليس له أعمدة تحمله وفي هذا مايدل علي منتهى العظمة وعظيم الإبداع لله الخالق المبدع، وزين السماء الدنيا بالنجوم قال تعالى “أفلا ينظرون إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج””ق:6”

فهذا يدل علي قدرة الله العظيمة وبديع صنعه سبحانه وتعالي .

إن التدبر والتأمل في الكون يؤدي بالمؤمن إلى معرفة الله حق قدره وتقديره حق قدره وعبادته حق عبادته وتقواه حق تقاته فهو القادر العظيم سبحانه وتعالى قيوم السموات والأرض ومن فيهن.

ونتذكر هنا قول الأعرابي عندما سألوه: بما عرفت ربك؟ فرد قائلا: الأثر يدل علي المسير، والبعرة تدل علي البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك علي وجود السميع البصير؟

نعم يدل ذلك أيها الأعرابي المفكر المتأمل للكون على وجود الله الخالق السميع البصير.

وما أجمل قول الشاعر المفكر الحكيم حين قال:

الشمس والقمر من أنوار حكمته

 والبر والبحر فيض من عطاياه

الوحش مجده والكون سبحه

والموج كبره والحوت ناداه

والنمل تحت الصخر الصم قدسه

والنحل يهتف حمدا في خلاياه.

فاللهم يارب اجعلنا من عبادك المتفكرين في آياتك، المتدبرين لقرآنك، الذاكرين لك كثيرا بجاه خاتم المرسلين، سيدنا محمد الرسول الهادي الأمين عليه أفضل الصلاه وأزكى التسليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى