الانبهار الثقافي اللاشعوري

أ. د. إبراهيم طلبة | أستاذ الثقافة والفكر الإسلامي

تفاعل الثقافات وتلاقحها من الأمور المحمودة أخذا وعطاء تأثيرا وتأثرا ويتحقق التثاقف بين الحضارات في ظل الاعتراف بخصوصية كل ثقافة في إطار قيمها الكبرى وجذورها التي تنتمي إليها.

والواقع الذي نعيشه هو محاولة هيمنة الثقافة الغربية وتسلطها على كل الثقافات عبر أدوات العولمة الثقافية ووسائلها. 

وفي ظل ضعف الترويج للثقافة الإسلامية وكشف كنوزها ومعارفها يقع شبابنا في إشكالية الانبهار بالثقافة الغربية وقيمها ومعطياتها ومناهجها وأدبياتها.

وهذه قضية كبرى لا يمكن أن تعالج في هذه السطور لكن اعطي لمحة وإشارة إلى صورة واحدة من صور هذا الانبهار المزعج :

حيث ينتشر على وسائل التواصل نقل عبارات وأقوال لفلاسفة غربيين متشبعين حتى النخاع بمنطلقات الحضارة الغربية وأسسها وقيمها على أنها حكم يقدمونها للإنسانية لاتباعها وتطبيقها في الحياة. 

 وهذا التداول والانتشار هو صورة من صور الانبهار بالآخر سواء قصدنا أم لم نقصد وترويج لا شعوري للثقافة الغربية على حساب ثقافتنا الإسلامية الأصيلة. 

ولو تأملنا مليا وتعمقنا في ثقافتنا لوجدنا توجيهات وتصورات أفضل  تراعي مقاصد الشريعة الكبرى والقيم الإسلامية وتعطينا التوجيه السليم في حياتنا وتكشف لنا عن الجوانب التعبدية في علاقتنا بالآخرين. 

إننا عجزنا ثقافيا عن الاستفادة من معطيات التراث الإسلامي وتقديمه للشباب. عجزنا عن إبراز جوانب من السيرة النبوية وحياة الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لتكون هي النبراس والمنارة التي تضيء لنا طريق حياتنا. وتكون هي القدوة لشبابنا من خلال أقوالهم وأفعالهم وممارساتهم التي كانت تطبيقا عمليا لمعطيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة 

إن اللهث وراء أقوال الفلاسفة والمفكرين الغربيين ووصياهم وتقديمها  للأجيال أنها المنهج الذي يجب أن يحكم علاقتنا وسلوكياتنا دليل على إفلاسنا في الترويج لثقافتنا الحية الأصيلة 

تنبه بعض علمائنا الأكابر لهذا المعنى فمثلا عندما قدم الطبيب الأمريكي ديل كارنيجي كتابه (دع القلق وابدأ الحياة)  ألف شيخنا العلامة محمد الغزالي رحمه الله كتابه (جدد حياتك) في محاولة لربط جيلنا بتوجيهات الشريعة وعطائها الزاخر في هذا الباب. وألف الأستاذ الكبير خالد محمد خالد كتابه (الوصايا العشر لمن يريد أن يحيا). 

ولئن قيل : إن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها فهو كلام حق لكن يتحقق إن لم أجد في ديني وشريعتي ما يغنيني عن ذلك. 

إنها صورة من صور الانبهار الكثيرة والمتعددة نمارسها لاشعوريا  ونقع في شركها مروجين لثقافة دخيلة علينا ونقدم للأجيال نماذج وأقوالا وحكما وسلوكيات قد يكون فيها ما يخالف منهج شريعتنا الغراء. 

وهذا يضع مسؤولية كبرى على مفكرينا ومثقفينا أن نستفيد من معطيات تراثنا ونجتهد في استخراج كنوزه والترويج بصدق لهذا الدين ونشر معالمه ويمكن الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة في تقديم قيمنا وثقافتنا للآخرين لنؤدي واجبنا نحو ديننا ونحو شبابنا ليزدادوا تمسكا بتوجيهاته وأحكامه التي فيها الخير للبشرية كلها ولنؤكد على الاعتزاز بثقافتنا وحضارتنا وقيمنا وبذلك نتجاوز  الانبهار وننتقل إلى الفعل والإبداع والتأثير الحضاري. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى