الشاعرتان: مديحة باراوي و ليلاس زرزور (وجهًا لوجه)
مديحة باراوي تقول:
الوطن أَجمل قَصِيدَة فِي دِيوَان الشعر وهُوَ بوصلة الاتِجَاهَاتُ الأَربَعَة
أصبح كل من هب ودب يدعي أنه شاعر
الحركة الأدبية في بلادنا انعكاس للتردي الذي نعيشه من عقود
الشعر المعاصر يحبو على طريق إيجاد هويته وجذور لبناء أصالته
لا تكفي الصناعة لخلق الإبداع فلابد من الموهبة
لازلت في أول الطريق ولازالت طموحاتي أكبر
الموهبة أولا بلا شك ثم تأتي الخبرات من التجارب
من لايمتلك المعجم اللغوي لن يحالفه الحظ
من مدينة دمشق.. تعيش في ألمانيا.. عاشقة للحرف.. شغوفة بالشعر.. مولعة به حد الوله.. لم تعطها الحروف يوما موعدا محددا للكتابة.. بل عايشتها وترعرعت بين خلجات روحها ونبض الوتين.. لتخرج إلى النور بلا سابق عهد ووعد منتصبة الإطياف أمام ناظريها بين حين وحين فتحكم قبضتها على اليراع وتتنسم عطر الحرف؛ تداعبه تناجيه.. بدأت موهبتها منذ نعومة أظفارها في المرحلة الابتدائية إذ كانت حصة التعبير الكتابي بالنسبة لها الأمتع و الأجمل دوما، وبعدها كبر عندها شغف الكتابة وازاد ولعها بها ، وبدأت كتاباتها تتغير حسب تغير ظروف الحياة التي أثرت في أسلوب كتابتها للشعر؛ حيث بدأت رحلة الكتابة تشد رحالها وتحطها إلى أن وصلت إلى عالم التواصل الافتراضي حيث أصبحت تنشر كل ما يبوح به القلم في صفحتها ومجموعاتها الافتراضية فتابعها العديد من الأصدقاء وشجعوها على جمع كل ما تكتبه؛ وهكذا تم إصدار أول ديوان شعري لها جمع مجموعة من قصائدها المتنوعة بين وجدانية وغزلية وعاطفية ووطنية بثت بين خلجاتها أجمل رسائل الحنين، ولواعج الغربة وحب الوطن الذي أضنى الوتين، وشاركت بالعديد من الأمسيات، ونشرت لها الكثير من المجلات الورقية والمواقع الإلكترونية.. كان لنا معها هذا الحوار الماتع القيم.
متى اكتشفت موهبتك الشعرية؟ وهل كان للظروف التي عشتينها دورها في ظهور هذه الموهبة؟ ومن كان له الفضل في اكتشاف موهبتك الشعرية؟
بدأت موهبتي منذ نعومة أظفاري في المرحلة الابتدائية إذ كانت حصة التعبير الكتابي بالنسبة لي هي الأمتع والأجمل دوما.. وقد شجعني أهلي وإخوتي وأصدقائي وعدد من المعلمين الغالين في مراحل تعليمي المختلفة.
الشعر الحقيقي هو انعكاس لموهبة ولكن ذلك لا يكفي لانتاج ما نصبو إليه من إبداع .. ما هي العوامل التي تسهم في تشكيل هذه التجربة؟
الموهبة أولا بلا شك، ثم تأتي الخبرات من التجارب وظروف الحياة التي نمر بها والتي غالبا مايكون لها أثرها البارز والفعال في تمحور الموهبة وتحديد اتجاهاتها وصقلها وتطويرها مع الزمن.
كثير من الشعراء لديهم الحظ ولكن ليس لديهم المعجم اللغوي كيف تفسرين ذلك؟
لا أؤمن بهذه المقولة؛ فمن لايمتلك المعجم اللغوي لن يحالفه الحظ إلا كما يحالف فقاعة صابون تكبر حينا لتنفجر وتتلاشى
ما رأيك بالحركة الأدبية حاليا خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الإجتماعي السريعة؟
الحركة الأدبية في بلادنا اليوم مثلها مثل باقي المجالات العلمية والثقافية ماهي إلا انعكاس للتردي الذي نعيشه من عقود ولكن هذا لايمنع وجود واحات خصبة ظليلة هنا وهناك نتفيأ ظلالها وتقينا قيظ القحط العام الذي لازال يتوعدنا بين حين وحين وتقينا من جمر لفحه أصالة بعض الريادات ..
هل يمكن القول إن المعلم هو الأساس لإطلاق أي موهبة أدبية، وهل يستطيع المعلم أن يختصر على الموهوبين سنوات طويلة يحتاج إليها الموهوب لتطوير ذاته؟
ليس بالضرورية المعلم فقط مع أهمية وجوده؛ لكن لابد للموهبة من احتضان لتثمر سواء من المعلم أو من الأهل أو أي يد داعمة حاضنة.. نعم هذا الدعم يختصر الطريق ويطوي المسافات على طريق تفتح الموهبة.
ما رأيك بالنقد؟
النقد الموضوعي البناء يعتبر نقلة نوعية في عالم الفنون الأدبية فمن خلاله تتم عملية إعادة خلق إبداعية بالتحليل والتنقيح للفكر واللغة وقدح شرارة الإضاءة للنص ومحتواه ومابين السطور وما يتراءى من هالات نور وايحاءات افتراضية.. وأكبر تهديد لتطور وتجدد الأدب هو غياب العلم والفكر عن النقد ففي اللحظة التي يعلن فيها أن الأفكار فوق جادّ النقد… تحشر حرية الفكر في محرقة الوأد.
هل ترين أن الشعر العربي حاليا يمر بحالة تقهقر؟
نعم للأسف يمر الأدب عموما بمرحلة تدهور مثله مثل باقي المجالات، والفنون بشكل عام، وهذا لايمنع وجود استثناءات ووجود واحات شعرية خصبة مميزة.
ألا تشعرين بأن هناك تباينا بين الشعر المعاصر والشعر القديم؟
التباين لا أراه عيبا في الشعر المعاصر بل تناسبا وتوافقا مع التطور واختلاف سمة العصر.. فمن الطبيعي أن يتأثر الأدب بالعصر الذي يفرزه وبالمعطيات التي تحيط به.. لكن للأسف لازال هذا الشعر المعاصر عموما يحبو على طريق إيجاد هويته وجذور لبناء أصالته.
ما نوع الشعر المفضل لديك؟ هل الشعر هو تعبير عن الإحساس؟
كل شعر شفيف الحرف رهيف الصورة أنيق بيِّن المعنى جميل.. ومن الطبيعي أن نلمس ارتباطه الوثيق بالإحساس الشاعري الرهيف والشعور الإنساني الشفيف.
هل الشعر صناعة؟
لا تكفي الصناعة لخلق الإبداع فلابد من الموهبة أولا ثم يأتي صقلها بالثقافة وسعة الاطلاع كالزهرة الصناعية مهما كانت رائعة الصنع ومهما أعجبنا شكلها تبقى جامدة لا رائحة لها ولا عطر يفوح منها إن خلت من نبض الحياة.
ما رأيك بقصيدة النثر التي تحررت من القافية والتفعيلة والوزن وزاحمت القصيدة التقليدية؟ وهل أنت مع تصنيفها تحت خانة الشعر؟
وجدت عدة تسميات لهذا النوع الأدبي الشعري منها الشعر الحر أو شعر التفعيلة أو النثر الشعري وقد استطاعت أن تثبت وجودها على يد الرواد الكبار في عهود النهوض الوطني كنزار قباني ونازك الملائكة والسياب ودرويش وغيرهم.. ولكن للأسف مع مراحل الانحدار كثر الغث الدخيل البعيد كل البعد عن سمات الشعر الأصيل وكثر المدعون حيث أصبح كل من هب ودب يدعي أنه شاعر وينثر مالا علاقة له بالشعر ولا بالأدب حتى وصل الأمر إلى إساءتهم وتشويههم لهذه الأنواع الأدبية الشعرية.
كيف ترين الوطن في شعرك؟
الوطن أَجمل قَصِيدَة فِي دِيوَان الشعر هُوَ بوصلة الاتِجَاهَاتُ الأَربَعَة، وهُوَ العضد والسَنَد والمدد هُوَ البَطنُ الثَانِي الذِي حملنا بعد بَطن الأُم.. الوطن هُوَ جِدَارُ الزَمَن الذِي كُنا نُخَربِشُ عَليهِ عباراتنا البَرِيئة لِمَن نُحِبُ وَنَعشَقُ. هُوَ اللبن المتدفق الذي سُقيناه وترعرعنا عليه
مِن ثَديِ الأَرضِ.
وهو الحُبُ الوَحِيدُ الخَالِي
مِن الشَوَائِبِ..
حُبٌ مَزرُوعٌ فِي قُلُوبِنَا
من المهد إلى اللحد ..
فهو الحبيب الباقي ..
ونبض الروح الساقي ..
ولي مجموعة قصائد
حول هذا أذكر منها ..
///
” زينة البلدان “
بالروح بالعين بالأنفاسِ بالولد افديكِ
يا زينة البلدان يا بلدي
نيرانُكِ الحمرُ تغزوني و تحرقني
وقد تمر بأحشائي وفي كبدي
وما لظاها بأوصالي سوى لهبٍ
آه على النار لو اخمدتها بيدي
إن الجراحاتِ ملّتْ من سواعدِنا
وصار جرحُ الاسى في ظاهرِ الجسدِ
لقد تعبْنا كفانا صرخةً واسىً
فالويلُ ذقناه والأهات بالعددِ
تبادلوا صبَّ نار الحقد في بلدٍ
تجرع المرَّ حباً بانتظار غدي
ياربُّ عفوَكَ لطفاً كنْ لنا سنداً
فنحن دونكَ شعبٌ دونما سندِ
ماهي العوامل التي أدت إلى الحد من انتشار الكتاب الورقي في عالمنا العربي ؟ وهل تعتقدين بأن وسائل الاتصال الحديثة سهلت الحصول على النسخ المجانية إحدى هذه العوامل ؟
في الآونة الأخيرة كثرت الأخبار التي تتنبأ بقرب اختفاء الكتاب الورقي ليحل محله الكتاب الرقمي وليد التكنولوجيا الحديثة التي يمكن قراءتها عبر قارئ الكتب المسمى (كيندل) أو جهاز أبل ماكنتوش الجديد المطور “آيباد” وأن تلك الكتب ذات الأغلفة الملونة والورق المصقول أو الخشن التي أدمناها منذ الصغر وبنت ثقافتنا التقليدية والأكاديمية ستصبح مجرد ذكرى في زمن قد يكون قريبا وأن ذلك سينطبق أيضا على الصحف الورقية المعتادة التي توقف بعضها بالفعل عن النشر ورقيا واكتفى بنشر مواده على مواقع إلكترونية يمكن الدخول إليها عن طريق الاشتراك.
هذه الأخبار تبقى مقلقة دون شك سواء لدور النشر التي ازداد عددها في السنوات الأخيرة وتنافست بشكل كبير في جاذبية الأغلفة ونوعية الورق والدعاية المكثفة لاستقطاب القراء وتحديدا القارئ التقليدي صاحب الذائقة المستقرة الذي تعود لسنوات طويلة إمساك الكتاب بيديه وتقليبه والتغزل فيه والاسترخاء معه في أي وضع وفي أي مكان.. وهناك الكثير من العوامل ولامجال للوقوف عليها الآن
كيف تنظرين للمرأة كشاعرة ؟
.. أنا كامرأة طبعا أنظر إلى بنات جنسي نظرة ملؤها الحب والود والاحتضان للكيان الأنثوي الذي يتمتع بمزايا وسمات لاحدود لها لكنها لم تنل بعد ماتستحقه من تقييم وتكريم واحترام فلا تزال العقلية العامة تتناول بعض هذه المزايا تناولا سلبيا يبخسها حقها ويجعلها مصدر إدانة واتهام؛ وأنا كشاعرة أجد ان المرأة استطاعت أن تثبت ذاتها، وأن تتميز في كثير من الأحيان في كل المجالات، ومنها الشعر والأدب.
هل توافقين على مقولة إن إصدار الدواوين هو إثبات للذات أولا وأخيرا؟
لا أرى انها مقولة أساسا؛ بل قول خاضع للنقد أعترض عليه؛ فإثبات الذات لايأتي عن طريق إصدار ديوان فكم من الدواوين غلفها الغبار وبقيت مركونة منسية على رفوف الزمن.
ما سر نجاح الشاعر؟
توفر الموهبة وصقلها بالثقافة وسعة الاطلاع، ومعايشة الواقع لا النظر إليه من برج عاجي يضلل الرؤى ويحرف مسارها.
لمن تودعين أسرارك وآراءك الشخصية؟
أودعها عند شقيقة هي لي أقرب صديقة حباني ربي وأغناني بها عن كل رفيقة.
لو جلست وتساءلت حول ما أنجزتينه فماذا تقولين؟
أقول إنني لازلت في أول الطريق ولازالت طموحاتي أكبر وأوسع من عمر يحتويها جميعا.
ماهي كلمتك لجيل اليوم؟
أبارك مساركم وأشد على أيديكم، وأتوقع لكم مستقبلا زاهرا رغم كل مايحيط بكم ويتوعدكم من محن وعوائق وإحباط .
كلمة تحبين توجيهها إلى القراء؟
رجو ألا أكون ضيفا ثقيلا عليكم، وأرجو أن أكون قد استطعت إيصال لمحة واضحة عن أدبي وبعض أفكاري وأرجو أن يجمعنا دائما نبل الهدف وأصالة الموقف، وأن اختلفت آراءنا فأنا احترم الاختلاف، وأرى فيه غنى لكل الآراء المطروحة.
وفي نهاية هذا اللقاء: لا يسعني إلا أن أتمنى النجاح والتوفيق للجميع وأنهي لقائي بشموع أمل تزرع الحب والود في المقل لتغتسل مما أصابها من كلل فيزهر الكون بيانع البتلات وتخصب الأرض وتورق الساحات وينتشي النسغ بساحر الطاقات ولا يساورنا أدنى شك بتجدد نبض الحياة.