قراءة في نص “الأرضُ الطيبة ” للشاعر العراقي “صاحب إبراهيم”
باسم عبد الكريم الفضلي | العراق
أولا – النص :
أَنبتوني
نَرْجساً فَوقَ رُباها عِنْدَ أهلي
بينَ خَفْقاتِ النجوم ْ
بينَ أفياءِ الكرومْ
أَنبتوني
رمْزَ حُبٍّ لابتساماتِ الصِّغارْ
هاكمو صوتي مَواويلَ انْتِصارْ
أَنبتوني
أَيَّ شيءٍ في بلادي . . !!
فهناكَ الأرضُ أندى
وهناكَ الشمسُ أبهى
وهناكَ الحبُّ أَهْنا
أَنبتوني .
……….
ثانيا – القراءة:
تتجلى في النص متانة وجمالية بنية السيميائية ، وقوة تماسك وحبكة سياقه اللغوي ، فكأنه لوحة رسمت بحرفٍ مموسق داخلياً (تنغيم النبر) وخارجياً (الايقاع العام) وكما يتضح من هذه الدراسة الموجزة :
العتبة (الارض الطيبة) تمهد لدخول اجواء متن كل مافيه يبعث على الانسجام بين عناصر مركباته البنائية (من معاني الارض) ، بتآلف علافاتي بينها لذيذ الوقع في النفوس ( من معاني الطيبِّة ) :
لغة المتن :
ـ البنية الدلالية :
السمة الابرز في تركيبها / مطابقة اللفظ لمعناه ، حيث ان ابدال اي لفظ بؤدي الى اختلال المعنى القصدي للشاعر مثلاً :
* انبتوني : الانبات معناه المعجمي المعروف: الزرع ، لكن دلالته المخبوءة ( فقه اللغة ) تعني : تأكيد نمو ما تم زرعه ، وصيرورته نباتاً ، وهذا ما لايؤكده الزرع ، فكم من بذرة ماتت ولم تنبت ماكان متوقعا منها ، لعدم توفر الظروف اللازمة لذلك ( خلو التربة من الغذاء / شحة الماء / تقلبات الطقس .. الخ )
– نرجس: من انواع الورود من مواصفاته (بالاحالة لخارج النص / علم النبات ):
ـ مكانه الاصلي حوض البحر المتوسط / الارض / البلاد التي يعنيها الشاعر في النص تقع ضمن المجال (الجغرا ـ مناخي) لهذا الموطن ( ماحوليات النص تشير الى ان الشاعر عراقي )
ـ ابيض اللون : اشارة الى نقاء السريرة
ـ يقتل اعداءه مما ينمو قربه ويزاحمه على غذائه : اشارة الى العدو المحتل
ــ يفضل النرجس التربة الجافة والبيئة ذات الشمس الخفيفة :
اشارة الى قوة الارادة
ـ له استخدامات طبية (بعض العقاقير والعلاجات) وجمالية (صناعةالعطور): اشارة الى العطاء والبذل المتنوع للاخرين بلا مقابل
– وهكذا الحال مع : الكروم : نبات يوفر الظل / المواويل: من انماط الشعر الشعبي العراقي المعروفة ذات العمق الاصالي / ….الخ ، فلو جاء الشاعر بغير تلك الالفاظ لما تحققت المعاني التي قصدها
لايوجد هناك (حذف / ازاحات حادة / اشارات مشفرة / صور مكثفة ) ، لتأكيدتلك التلازمية ( اللفظ ـ معنوية )
ـ البنية النحوية :
اهم مركباتها
– اسلوب التوكيد: 1 ـ التوكيد اللفظي : تكرار مفردة (انبتوني ) 4 مرات
تكرار مرادفات لفظة ( الارض ، بلادي) / تكرار( بين) 2 مرة / تكرار (هناك) 3 مرات
وللتوكيد قصد ترسيخ وتثبيت معنى تلك الالفاظ في ذهن القارئ من جهة
وللايحاء بقوة هيمنتها على لاشعور الشاعر
ـ البنية الزمانية :
فضاء النص الزماني يشكله فعل الطلب / انبتوني : الحالي / الآني .التوقيت ، واسم فعل الطلب : هاكموا / بذات التوقيت الحالي ،.مما يدل على قطيعة مع حدثٍ وقع للشاعر في زمن مضى يمكن تصور ماهيته بتخمين فعل مقابل مخبوء تحت/ انبتوني : يمكن تقديره بـ / حصدوني او اقتلعوني ، وهذا بدوره يجعلنا نقدر له فاعلاً مقابلاً لفاعل الفعل الظاهر ، فمن ينبت ضديد لمن يقتلع ، وباستدعاء دلالة / النرجس التي تقتل عدوها ، وطلب الشاعر ان يكون إنباته في (بلادي) يمكن ان نرسم صورة ذلك الفاعل المقتلع / المحتل، والاقتلاع فد يكون بالابعاد عن الجذور (الوطن) الى المنافي ( تغريب) فيكون طلب الانبات ، دعوة من الشاعر الذي لايزال بعيداً عن بلاده بدلالة ( هناك اشارة للبعيد ) الى من بإمكانهم (انباته / اعادته ) للارض الطيبة ، وهم ( اصحاب القرار / السلطة ) ، وبالعودة ( للتوكيد ) اعلاه ، نفهم ان الشاعر / يلح ، على من بيدهم اعادته وختام النص بهذا المفردة / انبتوني ، دلالة ان فعل الاعادة / الانبات ، لم يتحقق بعد !!! بل ان الفعل يخرج من معنى الطلب الى / الترجي
ـ البنية الصوتية :
سأكتفي بتحليل المركبات الصوتية لمفردة / انبتوني ، فهي تمثل ( بؤرة النص ) :
نجد انها مكبلة بصوت ( النون ) الدال على الحزن والالم والتوجع ، الم بدأ النص وانتهى به واتصاله بياي المتكلم (حرف مد) جعل صوته الحزين يمتد …لكن نحو الخمود دلالة استبيانية على لاشعور ذات معذبة .. بالغربة … وعودة / انبات لم يتحقق بعد رغم تأكيد / الحاح الشاعر
البنية الصوتية العامة للنص / التنغيم والايقاع : يطغى صوتا / النون والميم ولهما ذات الدلالة الحسية على التوجع والالم ، اما الايقاع عموما فهو منساب بلا عثرات بهدوء يخفي في اعماق بنيته الصوتية …حزناًً دفيناً