” العفريتة “
مقالاتٌ ساخرة في الحياة والناس يكتبها: صبري الموجي
” العفريتة” هو تجسيدٌ لكتابات محمد سلماوي الساخرة شديدة الشبه بمقالات ” آرت بوكوالد” الشهيرة بـ” نيويورك تايمز” الأمريكية. تتستم مقالات ذلك الكتاب بجرأتها علي ” طول الخط”، وأحيانا تكون صادمة لجمهور القراء؛ لأنها تبدو كتبريرٍ لأوضاع مغلوطة ينكرها المجتمع؛ يتدثر لها سلماوي بـ “روب” المحاماة، فيدافع عنها باستمامة فيما يبدو للقارئ من الوهلة الأولي، ليُفاجأ في النهاية – أقصد القارئ – بتحول مسار سلماوي بمقدار 360 درجة ليُثبت فساد تلك الأوضاع وتهافُتها. والكتاب هو مجموعة مقالات أسبوعية داوم سلماوي علي نشرها بـجريدة “المصري اليوم” في فترة ما قبل ثورة يناير2011م، قَصد من ورائها فضحَ ما هو سائد آنذاك من خرافات وخزعبلات، وكشفَ ما نًعانيه في حياتنا اليومية المعيشة. و” العفريتة” ليست هي أنثي “عفريت” الجن القادر علي إتيان الخوارق وفعل المعجزات، بل هي تلك الآلة التي كانت تُستنسخ منها الصور قبل اختراع التصوير الرقمي، وتكون فيها الألوان معكوسة، فيأتي الأسودُ فيها أبيضَ، والأبيضُ أسودَ، ومن خلال تلك الألوان المعكوسة تُطبَع الصورة بشكلها الصحيح.
و تعبيرا عن وطنية سلماوي الطاغية، يستهلُ كتابه بمقال بعنوان ” مصر بلد السياحة” يُحطم فيه الشائعات التي تُشوه صورة مصر، فيكشف أنه في طريق عودته من رحلته” الأخيرة إلي باريس، التقي ببعض السياح الفرنسيين، الذين ما إن عرفوا أنه مصري حتي أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم؛ ليُميط لهم لثام الحقيقة عما يشغلهم من هواجس، ويُعكر صفوهم بسبب زيارتهم مصر في هذا التوقيت، باعتباره أسوأ توقيت في السنة، إذ تُغطي سماء مصر المحروسة سحابةٌ سوداء، تعمي بسببها العيون، وتزكم الأنوف، وتعتل من قسوتها صحة السكان سواء من المقيمين أو السياح الوافدين! فيأتي رد سلماوي مُنتهجا نهج ” العفريتة” في التصوير فيبالغ في وصف سواد الواقع في مصر، ليس بغرض التشويه، لكن بغرض الإثارة والتشويق، وشد انتباه السائل، الذي يُنصت وكأن علي رأسه الطير، ليفاجأ بعد هذا كله أن سلماوي يثبت أن مصر هي أجمل بلاد الدنيا بلا منازع. وخلال تلك “الجدلية” العقلية القائمة علي الشيء وضده يصل سلماوي إلي مُبتغاه، وهو أن هذه مجرد شائعات ليس لها غرض إلا تشويه صورة مصر رغم أنها كانت وستظل وستبقي أم الدنيا.
ويقوم منهج سلماوي في هذا الكتاب علي الإقرار بوجود الوضع المغلوط ، وإثباته بصورة مبالغ فيها أكثر مما تري عين الرائي، ثم نفيه مطلقا، وإثبات أن ذلك مجرد أوهام، أو إن شئت فقل ” أضغاثُ أحلام”، سقط الغطاء من فوق جسد صاحبها أثناء نومه فحاربته ” الكوابيس”. ويظهر هذا المنهج جليا عندما ردَّ علي تخوف السائلين من تلوث مصر بسبب تلك السحابة بقوله : “ليس الأمرُ بهذا السوء، فتلوث الهواء في مصر موجود علي مدار السنة، وليس في هذا التوقيت”.
ولاشك أن هذا الإقرار من سلماوي زاد سائليه فزعا، ثم بلغ فزعهم مداه عندما شرع في بيان أسبابه المُتمثلة في عوادم السيارات التي تنفث من الدخان أضعاف ما تتسبب فيه السحابة السوداء، ثم يذكر سببا آخر من أسباب التلوث وهو التدخين، فيؤكد أن المصريين أكثر شعوب العالم تدخينا، وأن كمية دخان السجائر والشيشة، والمخدرات كالحشيش والأفيون أشد فتكا بسكان مصر من تلك السحابة السوداء، ثم يأتي بعد ذلك أسلوب سلماوي الساخر – بعدما يضطرب السائل وينتفض قلبه فزعا بما يسمع – فيؤكد أن الدولة لم تألُ جهدا في محاربة تلك العادة القمئة – يعني التدخين- إذ عمدت إلي رفع لافتات – ممنوع التدخين – في كل مكان خاصة الأماكن التي يتردد عليها السائحون، بعدها يعرج الحديث بين سلماوي وإحدي السائحات عن الخطر الأسود الإرهاب، الذي لا تبقي ويلاتُه ولا تذر، ليؤكد أنه ليس ظاهرة مصرية خالصة بل توجد بصورة أبشع في كل بلدان العالم.
ويتناول ” الديالوج” قضايا أخري مثل حوادث الطرق واحتراق القطارات وغيرها من القضايا التي اعتاد أن يٌثبتها تماما، ثم ينفي وجودها بأسلوبه الساخر، أو يبين أنها من المغالطات المُغرضة. ” العفريتة” كتاب أصدرته الهيئة العامة للكتاب في 315 صفحة من القطع المتوسط، جاء في مقدمة و7 عناوين رئيسة هي : مصر المحروسة، وسياسة، وأمور الدين، وثقافة، وصحافة وإعلام، وشئون دولية وإسرائيليات، ضمت مجموعة كبيرة من المقالات الساخرة في الحياة والناس، دأب فيها سلماوي علي إثبات الشيء ونفيه.