التقوى.. الطريق إلى الله
بقلم : محمد أسامة | الولايات المتحدة الأمريكية
التقوى هي رداء المؤمن، وصفة الموقن، ولباسه الذي يرتديه، ودرعه الذي يقيه من إثم الشيطان، ويحول بينه وبين كل الآثام، وهي سبيلٌ إلى الجنَّة، ونافذةٌ إلى الرحمة، وارتقاءٌ في الدنيا، وعلوٌّ عند الله في الآخرة، وهي معنىً جميل، وشيءٌ جليل، وفضلٌ من الله جزيل، وزينةُ الإنسان ونبراس حياته، وهي رئته وتوفيقه وسرُّ بهائه، آخر دربها جنَّةٌ عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتَّقين.
وقد وعد الله المتَّقين حسن الجزاء في الآخرة، وتمام النعمة في الحياة الآجلة، وجعل لباس التقوى خيرًا يُصيب المؤمن، وفضلًا يُسعد الزاهد، وقرَنها بالبر إذ قال تعالى (وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ)[1] وجعلها معيارًا للتفاضل بين الناس، ومنهلًا للقربى من الله، وسبيلًا يفضي إلى الهداية، وردءًا يقيه شرَّ الضلالة والغواية، وهي بعدُ خيرُ زاد للإنسان، ومفتاحٌ لرضى الرحمن (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[2]
والتقوى مرتبةٌ يكون بلوغها بالإحسان إلى الله في عبادته، والاجتهاد في آداء فرائضه ونوافله، واحتناب نواهيه وتنفيذ أوامره، وتعظيم شعائره (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [3]، والتقوى هي تلك النفحة من الإيمان التي تجعل الإنسان يطيع ربَّه، فيعظِّمَ أجره ويغفرَ ذنبَه، ويتجنَّبُ محارمه لما في قلبه من عفَّة، وينآى عن معاصيه لما يكون في النَّفس من ورعٍ ورِفعة، ألا إن أقرب الناس صلةً إلى الله أشدهم ورعًا، وأكثرهم تقاة، وأتمَّهم عفَّة، وأنقاهم روحًا، وأحسنهم خلقًا، وأسرعهم إلى ربِّه توبةً.
وليست التقوى تكون فقط بالتنسُّك والصِّيام، أو تقتصر على الصَّلاة والقيام، ولكنَّها تكون كذلك بحسنِ الخلق، وطيب المأكل والمشرب، والتعفُّف عن الحرام، ومعاملة الناس بإحسان، وإشاعة العدل بين الناس، والتعاون على الخير، والاتفاق على الصدق، والتآلف والتلاحم حول البِر، بالتزام صلة الرحم، وإعانة المبتلى حين يصيبه الألم، والعفو عن المسيء، وشكرِ المحسن الرَّفيق، ومراعاة طاعة الله سرًّا وعلانيةً، فمن اتَّقى الله وقاه، ومن توكَّل عليه كفاه، ومن التزم بتلك الفضائل ألبسه الله لباس التُّقى فكان ذلك للمؤمن أجلَّ سربال، وأشرفَ رداء، جزاءً لمن أطاع ربه واتبع هداه.
إنَّ التقوى عنوان الإيمان، ودرَّة الأخلاق، ووقاية للإنسان من كل شر، ومغنم يلقاه في كل بر، ورأس كل خير، وهي سبب السعادة والنجاة، ودرب للفرج والفلاح، وعلاج لفساد الظن، وسوء الهم، وهي غذاء للقلب، وطهارة للروح، ومفتاح للرزق، وتصريف للكرب، وغناء للروح، وربح عظيم في الدنيا والآخرة.
والتقوى في فحواها إيمان تام يقترن بحسن العمل، والنظر فيما قدمت النفس للغد، والتفكُّر في آيات الله وما فيها من موعظة وهداية، واتباع سنة نبيه بما فيها من إرشاد ونصيحة، فمن لم تعزِّه التقوى فلا عزَّ له، ومن غفل عنها غفلت عنه، لأنها صفة من آمن بالله وملائكته، وصدق بكتبه ورسله، وعمل لليوم الآخر، وأحسن لذوي القربى واليتامى والمساكين، وعني بصلاته، والتزم بصيامه، وجعل للفقراء نصيبًا من ماله.
والتقوى هي التمسُّك بالسُّنة وترك البدعة، وإتيان الطاعة وترك المعصية، والاستعصام بالدين وجعله للقلب حصنًا وموئلًا، وكهفًا وملاذًا، فمن حقَّقها وقاه الله شرَّ معصيته، ووهبه حسن عاقبته، ويجعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقًا من حيث لا يحتسب، وكافأه لإحسانه، وجازاه على حسن أحواله، وهي سبب منح القبول في العمل، وعِظم البركة وطول الأجل، فإنَّ الله مع المتَّقين.
المراجع:
[1] سورة البقرة 189
[2] سورة البقرة 197
[3] سورة الحج 32