نتنياهو.. يحلم بالسعودية
نبيل عمرو | فلسطين
يدرك “بيبي” كم للسعودية من تأثير على الرأي العامّ الإسرائيلي، بحيث يبدو ادّعاء أقلّ صلة معها مفيداً على صعيد تحسين الصورة، واستقطاب التأييد الشعبي، خصوصاً في الوقت الذي تراجعت فيه حظوظ “الساحر” في البقاء على قمّة السلطة لدورة جديدة.
منذ فوزه الأخير لم يتوقّف “بيبي” عن زفّ البشرى للناخبين والخصوم بأنّ العلاقة مع السعودية أضحت قاب قوسين أو أدنى من تحقّقها، وأنّ دخوله التاريخ من هذا الباب صار مضموناً!!
نتنياهو يعرف لكنه يتجاهل
لسوء حظّ “بيبي” أنّ في إسرائيل ذاتها من يكذّبه ويعتبر أنّه يضلّل نفسه، قبل الجمهور، ويحاول افتعال إنجاز لا أساس له في الواقع.
نتانياهو يعرف لكنّه يتجاهل أنّ للمملكة سياسة ذات صدقية عالية، ومعلَنة بكلّ وضوح، أساسها أن “لا علاقة رسمية وتطبيعية مع إسرائيل قبل استجابتها للمبادرة العربية للسلام”. وهذا ما يعمل نتانياهو عكسه تماماً. ويعمل أيضاً على قلب قواعد اللعبة رأساً على عقب، منكِراً أساسيّة القضية الفلسطينية في العالم العربي، ومعطياً الأولويّة للتطبيع وتأسيس علاقات مع من لا علاقة لإسرائيل معهم وكأنّ القضية المركزية للعالم العربي تمّ دفنها وإلغاء حضورها، وما على العرب إلا الإقرار بانتهائها أو غرقها في محيط العلاقات الإسرائيلية المستجدّة في المنطقة.
يجد نتانياهو في إسرائيل من يسرد له حقائق الواقع المتناقضة تماماً مع طروحاته الدعائية، وخصوصاً حين يطرح نفسَه حاميَ حمى المنطقة من “التهديد الإيراني” متجاهلاً حقيقة أنّه أكثر احتياجاً إلى من يحميه ويحمي دولته من التهديد الماثل بقوّة في داخلها، ومن إنكاره للتهديد الدائم المتمثّل في مصادرة حقوق شعب يعدّ بالملايين ينتشر في الجسد الإسرائيلي ومن حوله. وهذا ما أشار إليه التقرير الاستراتيجي عن الأخطار الحقيقية التي تهدّد أمن إسرائيل الذي يضعه عادة جهاز حكومي، ونتانياهو وكلّ من يماثله لا يتجاهلون هذا التشخيص المعزَّز بالقرائن، بل يعملون عكسه.
ما يُحرج نتانياهو وكلّ الذين يستبعدون حلّ القضية الفلسطينية عن برامجهم وسياساتهم أنّ رزمة العلاقات المستجدّة، التي تحقّقت في المجالين العربي والإسلامي، لم تبعد القضية الفلسطينية عن مكانتها العميقة في العالمين العربي والإسلامي، ولم تقنع حتى الذين قاموا بها بأنّ إسرائيل مصدر حماية وطمأنينة لهم، وما حدث من ردّ فعل على موجة التعدّي على المسجد الأقصى في رمضان كان الدليل الأبلغ على ذلك.
عودة الاهتمام بالقضية الفلسطينية
ربّما تكون التطوّرات الإقليمية والدولية قلّلت من الاهتمام الملحّ بالقضية الفلسطينية بفعل ظهور قضايا أكثر إلحاحيّة، ومنها الحرب المشتعلة في أوروبا، إلّا أنّ فتور الاهتمام لن يستمرّ إلى الأبد، ولن يلغي قضيّة بعمق وفاعلية القضية الفلسطينية. وهذا ما يقوله الواقع وتؤكّده الأحداث، التي ما إن ينصرف الاهتمام بعيداً عن القضية الفلسطينية، حتى يعود إليها بقوّة أشدّ. أفلم تأتِ الإدارة الأميركية بكلّ أقطابها إلى القدس وعمّان ورام الله سعياً إلى تهدئة ولو مؤقّتة؟ ألم تصبح اقتحامات الأقصى من قبل شرطة بن غفير هي الشغل الشاغل للعالم كلّه، ولا نقول العالمين العربي والإسلامي فقط؟
ألم يكن خفض المشاركة في صلوات المسيحيين الفلسطينيين في كنيسة القيامة ومنع مسيحيّي غزّة من القدوم إليها الشغل الشاغل للعالم كلّه، الذي رأى على الشاشات كيف تبطل شرطة إسرائيل تباهي الدولة العبرية بتوفير حرّيّة العبادة لجميع الطوائف؟؟
إذا أراد نتانياهو ومن يماثله في إسرائيل أمناً واستقراراً، فلن يجدوه على بعد آلاف الأميال، بل سيجدونه حين يرضى الفلسطينيون عن حلّ عادل لقضيّتهم، وساعتئذٍ لن يكون حلم نتانياهو بإنشاء علاقات مع السعودية أضغاثاً كما هو الآن… هذا إذا بقي في مكانه حتى ذلك الوقت!!