سياسة

المشهد اللغوي الفلسطيني في الحيز العام

بقلم: سهيل كيوان

احتفى مجمع اللغة العربية في حيفا هذا الأسبوع، بإصدار جديد، تحت عنوان «المشهد اللغوي في الحيز العام، اللافتات وتسميات الشوارع». وهو دراسة أجراها عدد من أعضاء طاقم مجمع اللغة العربية في حيفا، تحرير وتقديم أ. مصطفى كبها.
تحكي المقدمة عن تاريخ اللافتات منذ القِدم وحاجة البشر إليها، سواء للتدليل على الطرق المؤدية إلى أمكنة بعينها مثل طريق العين، الجبل، الحرير، الحُجاج، الخليل، إلخ، أو لترويج بضائع وغيرها. ثم صارت التسميات تأخذ طابعا سياسيا يعكس موازين القوى في المجتمع، هنالك قوى تفرض تسمياتها على من هم أضعف منها بما يخدم مصالحها ورؤيتها، وقوى متعايشة سلميا تستغل موضوع التسميات لتعميم ثقافة التعايش والتعبير عن احترام الآخر من خلال تقدير رموزه.
كُتب الكثير عن تهميش اللغة العربية والمحاولات الحثيثة لاستبعادها من الحيز العام وتشويهها، إلا أن أهمية هذا الكتاب تعود إلى معالجة هذا الجانب من الصراع بصورة توثيقية مهنية وبحثية أكاديمية.
يعرّج الكتاب على علاقة السلطة العثمانية باللغة العربية وتسمياتها، ثم الانتداب البريطاني وموقفه، ثم التسميات بعد السيطرة الصهيونية على فلسطين.
اهتم العثمانيون باللغة العربية كونها لغة القرآن والدين، واعتُمدت لغة ثانية في مؤسسات الدولة، وحدث تداخل كبير بين اللغتين العربية والعثمانية في مجالات ثقافية دينية سياسية إدارية اقتصادية عسكرية وغيرها، إضافة الى أن العثمانية كُتبت بأحرف عربية.
في عهد الانتداب البريطاني حملت أسماء الشوارع صبغة كولنيالية، في القدس أطلقت أسماء مثل الملكة ماري وستورس وساحة النبي وغيرها، وعُينت في بلدية القدس لجنة تسميات من العرب واليهود واتفق على أن اليافطات تكتب باللغات الثلاث، الأحياء العربية تحمل أسماء عربية والأحياء اليهودية تحمل أسماء عبرية، والأحياء المختلطة تسمى باتفاق بين الأطراف.
في الكتاب وثائق لقرارات وزارية وجلسات بلديات.
في حيفا بدأت التغييرات مباشرة بعد النكبة، وسُلمت التسميات إلى اللجنة الثقافية في البلدية عام 1952، فصادقت على تغيير حوالي مئة اسم، من العربية إلى العبرية، منها الحجاز، أمية، الأبيض، خالد بن الوليد، شوقي، إربد، الهلال، فيصل، هارون الرشيد، نزهة، عمر بن الخطاب، وغيرها.
الكتاب يوثّق بالصور التشويه المتعمد للغة العربية على اللافتات في الحيز العام، بحيث تصبح اللافتة غير مفهومة ومُهينة للناطقين بهذه اللغة، مثل «خطر عيش الكهرباء»، المقصود تيار كهربائي، خطر على الحياة». «المرحاض امرأة» بدلا من مراحيض نساء، وهذه إهانة للعرب وللنساء.
كذلك يوثّق الكتاب صراع بعض البلديات العربية مع السلطة المركزية على التسميات، كما حدث في مدينة جت المُثلث، التي كانت قد أطلقت اسم ياسر عرفات على أحد شوارعها عام 2008، وفي عام 2017 طلب وزير الداخلية أرييه درعي إزالتها، وكتب بيبي نتنياهو رئيس الحكومة على صفحته محتجا ومحرضا على التسمية.
أطلقت بلدية عكا في الستينيات من القرن الماضي أسماء صليبية على بعض المواقع في البلدة القديمة، مثل جنوا، بيزا، وغيرها بحجة جذب السائحين الغربيين إلى البلدة القديمة، وتجاهلوا بشكل كامل التاريخ العربي والعثماني للمدينة إلا نادرا.
كردٍ على الإقصاء والتجاهل، يعلق نشطاء من الحركة الإسلامية يافطات في أزقة البلدة القديمة تحمل طابعا دينيا، مثل: اذكروا الله، وصل على الرسول، استغفر الله وغيرها، بحثت البلدية الأمر، ولكنها لم تتخذ إجراءات لإزالة هذه اليافطات، كي لا تستفز الأهالي، وكذلك لصعوبة السيطرة والتنفيذ في هذه الحالة.
في العام 2008 أطلقت بلدية عكا اسم أحد قادة البحرية الإسرائيلية على طريق الميناء، فرد العرب بتعليق يافطة على الشارع نفسه باسم عيسى العوام، وهو غواص من رجال صلاح الدين الأيوبي، في النهاية وافقت البلدية على تقاسم تسمية شطري الطريق بين الإسرائيلي والعربي.
لكن إذا كانت السلطة معنية بتهميش لغتنا، فما هو موقفنا نحن العرب؟! لم يستثن الكتاب تقصير وحتى إهمال كثير من المجالس البلدية العربية، فكثير من اللافتات على المحال التجارية تتجاهل العربية، علما أنه بمقدور المجالس البلدية إرغام أصحاب المتاجر على تثبيت اللغة العربية إلى جانب اللغتين الأخريين كشرط من شروط إصدار ترخيص.
يبدو أن بعض التجار العرب يعيشون حالة من الاستلاب لدرجة التنكر للغتهم، كذلك فإن بعض سلطاتنا المحلية نسيت دورها الوطني، ومسؤوليتها في الحفاظ على اللغة الأم على الأقل في الحيز الذي تملك سيطرة قانونية عليه، إلى جانب دورها في الخدمات والعمل البلدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى