حتى لا تكون متحيزا عند اتخاذ القرار

أ.د. أسامة محمد عبد المجيد – أستاذ علم النفس التربوي بجامعة سوهاج – مصر

(1)

اسأل رُوحَك:

هل تميل لأن تسأل عن اتجاه الفرد، هل من اليمين أو اليسار، قبل أن تستمتع لما يقول؟

هل تشعر بداخلك بعدم التعاطف مع آخرين لأنهم يقفون في الجانب الآخر؟

هل تتغاضى أو تتسامح مع أخطاء من هم في نفس توجُّهك أكثر مما تفعل مع الآخرين؟

هل أنت أكثر تعصُّبا للأشخاص الذين يشبهونك؟

هل في الغالب لا تستطيع أن تُكمل سماع أو قراءة رأي للنهاية لأنه يخالف موقفك السياسي؟

(إذا كانت إجاباتك بـ”نعم” على أغلب هذه الأسئلة.. توقَّف وراجِع نفسك)

(2)

ذواتنا ومعتقداتنا الشخصية

قد يتَسَاءل أحدنا: لماذا يصعُب على البعض تغيير فكره رغم وضوح فساده وضعف حجته ومنطقه؟ المعتقدات متغيرات مُتجذِّرة، عالية الرُّتبة، تؤثر في تصورات الفرد وسلوكه وتوجهها. ويتفاوت الأفراد في القدرة على مناقشة معتقداته الشخصية، أو التنازل عنها، أو حتى تعديلها. باختصار، يتوحَّد البعض مع أفكاره حتى تصبح الأفكار والذات تقريبا شيئا واحدا، ويصبح أي تهديد للفكرة هو تهديد للذات، وهدمها هو هدم لذاته. وفي المقابل، هناك من يستطيع أن يحتفظ بأفكاره وتصوراته كشيء منفصل عن ذاته، ومن ثم يسهل عليه مناقشتها وتعديلها أو حتى التنازل عنها إذا ثَبُت له عدم صدقها أو جدواها، أو أن هناك ما هو أفضل منها. لذا؛ فهو لا يتوتَّر عند مهاجمة فكرته، أو مناقشتها، ويكون أقل غضبا وقلقا إذا أظهر الدليل خطئها؛ إذ هدم الفكرة لا يُهدِّد ذاته أو ينتقص منها شيئا.

 

(3)

تغيير الآراء

هل تتذكَّر آخر مرة حاولت فيها تغيير فكرة لدى شخص حول قضية مهمة: معتقد سياسي؛ قضية دينية؛ تشجيع فريق كرة مفضل لديه.. لعلك تذكُر كيف باءت محاولتك بالفشل ولم تنجح في تحويل فكر هذا الشخص بأي شكل من الأشكال. في هذا الكتاب “تغيير العقول”، يشرح هاورد غاردنر ماذا يحدث أثناء تغيير العقول، ويقدم طُرقا للتأثير في تلك العملية التي يُمكن أن تؤثر بقوة على المدى البعيد. ويصف صُعوبة الاستعاضة عن طريقة بسيطة للتفكير بطريقة أكثر تعقيداً، ويُنبِّهنا الكتاب إلى أن تغيير الفكر أو المعتقد أو الذهنية لا يتم بين عشية وضحاها، بل يحدث على مراحل تدريجية. فالأفكار التي تشكلت عبر فترة زمنية طويلة لا يُمكن تغييرها هكذا سريعا. كما يقدم هذا الكتاب أفكارًا يُمكِنها أن توسع من أفقنا وتشكل حياتنا.. ويقترح غاردنر عدة مستويات يُمكن أن تؤثر في تغيير العقول:

  • تغيير العقول (القواعد المنطقية)، والأدلة.
  • البحث (تقديم المعلومات اللازمة) .
  • التحفيز والمكافآت.
  • تقدير المشاعر وأهمية التواصل، أثناء عملية التغيير.
  • محاولة تقديم الأفكار البديلة في صياغات عدة.
  • الأخذ في الحسبان أحداث العالم حولنا، أو التي تخرج عن إطار إرادتنا.
  • التدريب على مواجهة الأفكار المخالفة لأفكارنا، وتقديرها واحترامها، وإذا كانت شاذة تماماً، فعلينا التأمّل بهدوء في كيفية تغييرها بالحوار الرصين.

(4)

حكمة الحشود

“لا تتَّبع القطيع”.. نصيحة كثيرًا ما يُقدِّمها المربون لأبنائهم، لكن متى تكون الحشود أكثر حكمة وذكاءً؟

متى تفكِّر الحشود بطريقة أكثر ذكاءً من القلة، وكيف تُشكِّل الحكمة الجماعية الأعمال التجارية، والاقتصادات، والمجتمعات والأمم؟ هذه الأسئلة هي موضوع كتاب نُشِر في العام 2004، للمؤلف جيمس سورويكي. ويُناقش المؤلف آلية التجميع الحكيم للمعلومات والتي يمكن أن تؤدي غالبا للوصول إلى قرارات أفضل من تلك التي يُمكن أن يصل إليها أي عضو من أعضاء المجموعة مُنفرِدا. يقدم المؤلف العديدَ من دراسات الحالة لتوضيح فكرته، ويتطرَّق إلى العديد من المجالات، وبشكل خاص في مجاليْ الاقتصاد وعلم النفس.

ويذكُر سورويكي أنَّ هناك أربعة معايير رئيسية تَفْصِل الحشود الحكيمة عن تلك غير العقلانية أو غير الحكيمة، وهي:

  • تنوُّع الرأي: يجب أن يكون لدى شخص في المجموعة معلومات خاصة حتى لو كانت مجرد
    تفسير غريب للحقائق المعروفة.
  • الاستقلاليَّة: لا يتم تحديد آراء الناس وفقاً لآراء من حولهم.
  • اللامركزيَّة: الناس قادرون على التخصص والاستفادة من المعرفة المحلية.
  • التجميع: توجد بعض الآليات لتحويل الأحكام الخاصة إلى قرار جماعي.

لذا -وفي بعض الحالات- تكون المجموعات ذكية بشكل ملحوظ، بل أذكى من أذكى الأفراد فيها؛ شريطة توافر التنوع والاستقلال واللامركزية؛ فأفضل القرارات تنتج عن الاختلاف في الرأي والتنافس؛ هذا إضافة إلى ضرورة تجميع المعلومات؛ وتسليم المعلومات الصحيحة إلى الأشخاص المناسبين في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، وبالطريقة الصحيحة. وعند حدوث ذلك، لا تكون هناك حاجة للاستعانة بالخبراء!

(5)

الحكمة في مواقف الصراع

في مواقف الصراع، يُؤثِّر “التفضيل العاطفي” الذي يشعُر به المرء نحو أحد طرفيْ الصراع في قدرته على تفهُّم وجهة نظر الجانب الآخر؛ ففي حالة الإعجاب الشديد بأحد طرفيْ الصراع، يكُون من الصعب على المرء تفهُّم وجهة النظر المقابلة، وعندما لا يملُك الفرد تفضيلاً قويًّا لأحد طرفيْ الصراع، فإنه في الغالب يتبني وجهة نظر أكثر توازناً. ورُبما يفسر ذلك حكمة الفرد عند تقديمه المشورة في الأمور التي لا ترتبط به شخصيًّا، وعجزه عن ذلك عندما يتعلَّق الأمر بشيء يخصه؛ لذلك قد يكون الفرد ذو القدرة العالية على الجدل “مثالا للعقلانية” والنضج، عندما يكُون بعيدًا عن القضية محل النقاش، في حين يكون “مثالا للحماقة” عندما يحمل تفضيلًا شخصيًّا قويًّا لمواقف مُحدَّدة سلفا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى