ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة (54)

محمد زحايكة | القدس – فلسطين

يعقوب عودة.. هرم  مقدسي شامخ.. يعمل بعيدا عن الأضواء

من لا يعرف يعقوب عودة  ” أبو ناصر ” بقامته الفارعة وابتسامته اللطيفة الواثقة  وهو يذرع شوارع القدس ذهابا وإيابا غدوا ورواحا، وكأنه لا يشبع من تكحيل عينيه بناسها  وحجارتها وأسوارها، فمن في القدس إلا أنت .  منذ زمن ” فريك ” وجان أبو شقرا وقرينها سمير أبو شقرا  وهي منظمة فلسطينية لحقوق الإنسان ثم دائرة أبحاث الأراضي، وهي مؤسسات تتبع لبيت الشرق الذي اغلقته سلطات الاحتلال، والصاحب يلاحظ هذا المقدسي اللفتاوي يتحرك بنشاط  وهمة في خدمة المقدسيين ما أمكنه وما وسعه  ذلك.

فخدمة أهل القدس بالنسبة إليه واجب مقدس يعلو فوق كل الأشياء، لأن القدس بدون أبنائها المرابطين الصامدين المنتمين  تصبح لقمة سائغة يسهل ابتلاعها  .

ومن يتعرف على أبو ناصر عن قرب يدرك مفاتيح هذه الشخصية المحبة العطوفة التي تجيد العمل على الأرض أكثر من صف الكلام المنمق وان تحدثت أبهرت المستمعين بحديثها البسيط النابع من القلب بلسان كل الغلابا والمطحونين وكأنه واحد منهم يعاني ما يعانون، كيف لا  وهو الذي قضى في الأسر  ردحا من الزمن ضمن الرعيل الأول من الأسرى المناضلين الذين ارسوا المداميك  الأولى لمفهوم  السجون كقلاع ومدارس ثورية ونضالية تخرج أشبال وزهرات النضال والكفاح المستمر.

وقد أشار  صحفيون إسرائيليون مثل زئيف شيف وايهود يعري  في كتابهما انتفاضة إلى الدور الذي  “تخيلاه”  لأبي ناصر ورفاقه في الانتفاضة الأولى من حيث إعداد الكوادر الميدانية لإطلاق شرارة هذه الانتفاضة عندما تنضج الظروف .

ارتبطت شخصية يعقوب عودة ابو ناصر في ذهن الصاحب بعلاقته مع الراحل فيصل الحسيني حيث كان يشعر الصاحب أن الراحل ابو العبد يعتمد عليه في العديد من المهمات الصعبة كما يخيل للصاحب دون أن يدرك تماما كنه هذه القضايا ولكنها بلا شك لا بد انها كانت  تمس سبل تعزيز صمود المقدسيين  وتصليب وتجذير انتمائهم في مواجهة  هجمات الخواجا  شلومو التي لا تنتهي .

لذلك سرعان ما استجاب ابو ناصر ذات مرة لطلب من لدن عائلة الصاحب بمحاولة تحرير أرض من المصادرة  مشيد عليها بناء قديم منذ عام 1944  وتقع في قلب مستوطنة ارمون هنتسيف على أراضي المكبر  حيث ساعد في  تقديم مبلغ عبر إحدى المؤسسات المختصة ، كاتعاب محاماة للمحامي محمد دحلة وكان قد انتقل الى  مكتب خاص به،  لمتابعة الموضوع  إلا أن انشغاله وخاصة في قضية الجدار  حال دون استمراره في القضية التي تبين أنها صعبة ومعقدة قانونيا  .

وبعد إغلاق بيت الشرق ظل ابو ناصر  محافظا على نشاطه البحثي والتوثيقي ضمن مؤسسات القدس  وكان يتابع  كل صغيرة وكبيرة في مجال عمله ، واذكر انه تابع قضية الفلاح أحمد عيد زحايكة من جبل المكبر والفلاح صبري اغريب من بيت اجزا قرى شمال غرب القدس بالتعاون مع جمال طلب العملة مدير مركز أبحاث الأراضي وأنهما نقلا عن الراحل فيصل الحسيني بما معناه ، أنه لو كان لنا  في كل بلدة أو قرية من أمثالهما لكان وضعنا اليوم أفضل بكثير ، فحماية الأرض من الضياع والمصادرة  هي أولوية الأولويات  .

وفي الآونة الأخيرة، أخذ  يركز  جهوده على ابتعاث وأحياء قضية بلدة لفتا المهجرة شمال القدس التي ما زالت بعض معالمها شاهدا حيا على نكبة الشعب الفلسطيني في العصر الحديث. ذات مرة التقاني ابو ناصر بشكل عابر  في مكان عام  ولامني على الكتابة في جريدة شهرية تنشر اعلانات حول القطار الخفيف. ولأن الموقف كان لا يحتمل النقاش  لم أستطع توضيح له وجهة نظري الخاصة حول هذا الموضوع، ولكنني بيني وبين نفسي أدركت كم هو مهتم وحريص على  نقاء مواقفي كي تظل ناصعة البياض لا تشوبها نقطة سوداء مهما كانت صغيرة..؟؟ وان يندم الصاحب فإنه يندم على شيء واحد وهو عندما دعونا أبو ناصر للقاء الأربعاء في  صالون المكتبة العلمية ذات مرة  للحديث حول هدم منازل مقدسيين ، وللأسف لم يحضر أحد؟

يعقوب عودة .. هرم مقدسي أسمر .. تلمح في قسمات وجهه وجبينه ملامح القدس وصخورها وجبالها الشماء.. هو نبع صافي من العطاء والانتماء الحق.. عندما تنظر إليه تتبادر إلى ذهنك صفات النقاء والطهارة الثورية.. أعطاه الله الصحة والعافية وهو يقترب من العقد الثامن كما يتوقع الصاحب..

ودمتم للقدس وأهلها  شموعا منيرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى