لماذا نحتفل باليوم الثّامن من مارس كلّ عام؟!
الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام| الجزائر
يحلّ يوم الثّامن من مارس، فنقوم على قدم وساق، وبكلّ شغف واشتياق، ونقيم احتفالات كبيرة؛ احتفاءً بعيد المرأة. ونتفنّن فيها بكلّ ما نملك من براعة وإبداع واختراع، ونقدّم القرابين للمرأة تأسيّا بساداتنا الغربيّين، الذين سنّوا هذا العيد ليكفّروا عن آثامهم في ظلم المرأة..
نحن إذ نقلّدهم هل سألنا أنفسنا: لماذا نقتفي آثارهم؟ لماذا نحذو حذوهم؟ ونهتدي بهديهم ونقتدي بسلوكهم؟ ماذا نجني من هذه المبالغات والإسراف في هذا الاحتفال؟ هل لنعترف أنّنا ظلمنا المرأة ونركع ونقول لها: نحن بهذه الاحتفالات نرجع لك حقوقك المغصوبة،وآمالك المنهوبة؟ هل لنبيّن لها أنّكِ بعملكِوسلولكِ.. أنت في الطّريق الصّحيحة والنّهج القويم؟ فدومي فيه وطوّري نفسك لتلحقي بالمرأة التي اتّخذتِـها قدوة، وقد سنّت لك سنّة حسنة في حياتك، لكِ أجرُها وأجرُ من سار وعمل بها إلى…استمسكي بها فإنّك لن تضلّي أبدا عن الصّراط غير السّويّ.
نحن إذ نحتفل بإنجازات المرأة عندنا، علميّا وتربويّا واجتماعيّا واقتصاديّا… هل نحن صادقون فيما نحن مقدمون عليه؟ هل نحتفل بها لنكرّمها ونحترمها؟ هل نحتفل بها امرأة متمسّكة بدينها كلّ التّمسّك لنقول لها: هنيئا لك هذا الفلاح؟ هل نحتفل بها امرأة حافظت على وظيفتها الأولى: زوجا صالحة لزوجها، وأمّا قائمة بواجبها التّربوي نحو أبنائها وأفراد أسرتها؟ فنرسل لها عبارات التّحيّة والتّقدير في كلّ مساء وصباح؟ هل نحتفل بها امرأة تقوم بواجباتها الاجتماعية والدّعويّة في المجتمع؟ لنعلن لها: هنيئا لك هذا النّجاح؟ هل نحتفل بها امرأة تحافظ على أخلاقها وحيائها وعاداتها وتقاليدها ولغتها، بعيدة عن التّقليد الأعمي للتّقليعات التي نهكت المجتمع وسلبت منه روحه، وتركته في مهب رياح التّغيير وفي مرمى الماكرين بنا وبديننا وتنظيماتنا، وكانوا عالة على حريّتنا وكرامتنا ومروءتنا؟ لنزفّ لها البشري ونقول لها: طوبى لك هذا الصّلاح؟
هل نحتفل بها امرأة تمثّل نصف المجتمع في أعمالها وإسهاماتها بما هو منوط بها، غير هاجرة لمواقعها التي خلقت لتعمرها، قبل أن تُنافِس على أماكن هي لغيرها؛ لأنّ ما هو منوط بها لا يمكن أن يقوم به غيرُها؟
نحيّ المرأة التي ظلّت وتبقى متمسّكة بدينها وأخلاقها وأنوثتها لتتصرّف فيها كما خلقها الله عليها.. نحترم كلّ امرأة تقوم بواجبها الذي هو فرضُ عينٍ عليها؛ بتقرير من الله عزّ وجلّ، ثمّ بما يفرضه عليها المجتمع الصّالح، وبما هي ميسّرة لهبالفطرة..
نحيّي كلّ امرأة نَأَتْ عن هذه الأضواء الاحتفاليّة التي تنال من قدرها وكرامتها ومكانتها. نحيّي كلّ امرأة لم تنخرط في دوّامة الاحتفالات الصّاخبة غير اللّائقة بسمعتها. نحيّ كلّ امرأة تحتفل بقيمها ومقوّماتها وبما تقدّمه من أعمال تخدم الدّين والوطن والمجتمع، تحتفل بها عمليًّا؛ بالصّدق والإخلاص فيها والإتقان لها، نحتفل بكلّ امرأة تعرف ساحة نشاطها والحدود التي لا تتخطّاها؛ حتّى لا تقع في المحذور..نحيّي كلّ امرأة ابتعدت عن التّبرّج والسّفور والاختلاط والتّحلّل والتّسيّب..
متى تكون أعمالنا خاصّة بنا، نتميّز بها ولا نستود روحها من غيرنا؟ متى نكون أصلاء في تفكيرنا وتدبيرنا وتسييرنا؟ متى نبتعد عن الـمظاهر ونعتني بالجواهر؟ متى نكون أوفياء لديننا ووطننا وعاداتنا وتقاليدنا ولغتنا؟ متى ندرك مسؤولياتنا نحو أنفسنا وأبنائنا وأُسَرنا ومجتمعاتنا، فنحرص على القيام بواجب البناء والتّكوين والإعداد على أسس صحيحة متينة وبـمبادئ ثابتة أصيلة، وقواعد راسخة مكينة.. ونتخلّى عن التّبعيّة لغيرنا، ونتخلّص من التّسيب ومن التّقليد الأعمى لسلوك لا يمتّ إلى فكرنا وثقافتنا بصلة. بل نأتي به لنحطّم قيمنا ومقوّماتنا.. من هذه العادات غير المحمودة تقليد الآخر في الاحتفال بعيد المرأة بالطّريقة التي نشهدها كلّ عام..فإذا لم نتدارك الأمر فعلى الدّين والقيم والوطنيّة السّلام.