الكلمة الطيبة صدقة
رحاب يوسف | كاتبة وقاصة وتربوية فلسطينية – طولكرم
ثمَّةَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ، حُلوَةٌ، جَميلَةٌ قد تُغَيِّر مَجرى حياةٍ، أو مستقبلاً، وقد تُنقِذ نَفساً من الهلاك الدنيَويِّ أو الأُخرَويِّ، انظر إلى كلمةِ “إبراهيم بن أدهمَ” كيف أنبتَتْ يَهوديّاً نباتاً حَسَناً رغم استِفزازِهِ المَقيت، لقد ذَكَرَ بعضُ المُؤرِّخينَ أنَّ يهوديّاً مَرَّ بإبراهيم بن أدهم، فأرادَ ذلك اليهوديُّ أنْ يَستَفِزَّ إبراهيمَ، فقال له: يا إبراهيمُ، ألِحيَتُكَ أطهَرُ مِن ذَنَبِ الكلب، أم ذَنَبُ الكلب أطهَرُ من لِحيَتِكَ؟! فقال إبراهيمُ: إنْ كانت في الجَنَّةِ فهيَ أطهَرُ من ذَنَب الكَلب، وإن كانت في النار فذَنَبُ الكلبِ أطهَرُ منها! فلمَّا سَمِعَ اليَهودِيُّ هذا الجوابَ الحليمَ من المُؤمِن الكَريم قال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسولُ الله.
كُن كَريماً بالكَلِمَة، فالكَرَمُ ليس بالمال فقط، وأولى الناس بهذا الكرم همُ الوالدان، فأغدِقْ عليهِما، وفض من مُعجَمِك الرَّحبِ بما لَذَّ وطابَ، وتَفَنَّنْ في حُسن اختيار الكَلِمات التي تُدخِلُ السرورَ إلى نَفسَيهما، قال تعالى: “فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا” الإسراء (23)، خاصَّةً في خِدمَتِكَ لَهُما لا تُظهِر أيَّ تأفُّفٍ أو تَذَمُّرٍ؛ حتى لا يَشعُران أنَّهُما عِبءٌ وثِقَلٌ عَليكَ.
الكَلِمَةُ الطيِّبَةُ تَخرجُ من نَفسٍ طَيِّبَةٍ، قلبُها مَعمورٌ بالإيمان، حُروفُها مُشرِقَةٌ، مُتَلألِئَةً، فيها الشِّفاءُ والبَلسَمُ، تَعكِسُ شَخصِيَّةَ صاحِبِها، وما تُكِنُّ نَفسُه من رَجاحَةِ واتِّزانِ العَقل، قال الشاعر:
وَزِنِ الكلامَ إذا نَطَقتَ فإنَّما
يُبدي عُقولَ ذوي العُقولِ المَنطِقُ
الكَلِمَةُ الطيِّبَةُ تُؤَلِّفُ بين القلوب، وتَشرَحُ الصُّدورَ، وقد أمَرَنا اللهُ بها، قال تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” البقرة (83)، فهيَ كشَجَرَةٍ باسِقَةٍ، وارِفَةٍ، مُثمِرَةٍ، تَجلُبُ الخَيرَ والرِزقَ للناس، يَستَظِلُّون بِظِلِّها، لها أَثَرٌ كَبيرٌ في المُجتَمَع، تُحَوِّلُ العَداوَةَ إلى مَحَبَّةٍ، والعَدُوَّ إلى صديقٍ، قال تعالى: “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” فصلت (34).
الكَلِمَةُ الجارحة إن خَرَجَتْ لن تَعودَ، وستُحدِثُ ندباً في النُّفوس، ولو اعتَذَرنا بعد ذلك