قراءة في نصوص شاعرة الأرز والزيتون فاطمة منصور

بسيم السعيدي | ناقد وأديب من العراق

أغنيات …للحب….للحياة……للوطن….

إن النص الأدبي مهما يكن نوعه، فإنه يعد سراجا ينير الظلام ومواطن العتمة؛ كونه حالة إبداعية خلاقة أنجزته تجربة ذاتية وموضوعية أساسها توارد الأفكار ووحدة الموضوعات، وعقل متأمل وحالم وإيمان راسخ برسالة الشعر الإنسانية.

فاطمة منصور.. شاعرة لبنانية من النبطية… طاقة شعرية مقتدرة.. ممتلئة بالنشاط والحيوية والعطاء وكأنها شلال متدفق لا يعرف القحط والجدب.

لازمت الكتابة من سنين؛ عشقت الشعر، فبادلتها الكلمة، وتنقلت بين القصيدة والقصة. إنها شاعرة مفعمة بالحماس الوطني، فكانت ربيعا أخضر دائم الثمر… كلماتها كحبات المطر… تتناثر لتروي مواطنا أصابها الجفاف، وطرقت الشعر من أوسع أبوابه؛ فكتبت، وأجادت.

إن التأمل والحلم الأدبي عندها، استطاع استقطاب اللحظة الأدبية فأضفت عليها صورا وأخيلة تمتاز بالدقة والعمق.. وكانت حريصة على مخاطبة المتلقي بكل حرص وجدانيا وجماليا؛ فكلماتها الوطنية الثائرة أجراس مدوية وبراكين هائجة. فانشدت لغزة تقول:-

العالم غافٍ… يرفل جذلان بأثواب الليل

وغزة تنوء بثقل الإرهاب الآتي

بأجنحة الرعب

بأثواب سوداء

غربان تنعي بلغة القصف الأعمى

غزة رافعة غصن زيتون..

وأصوات عربية نتنة…

تعبق فيها رائحة الخيانة

حكام يتباهون بتيجان العار!

إن هذا الانتماء الصادق للأرض ترجمته فاطمة منصور عبر صور واقعية في التعبير والأداء.. فكانت مفرداتها معبرة وواضحة؛ تمنح الأشياء وجودا من خلال إذابة أشكالها الثابتة ومظاهرها المألوفه وإعادة بنائها فنيا، وبنسيج واضح يدغدغ المشاعر ويعكس تراكماتها بوعي وطني نقي..

ترحل الشاعرة إلى العراق فتهزها صور البطولة والعطاء؛ فكتبت:

إلى العراقية بائعة المناديل

إلى دروب الصباح

كلهفة عاشقين للعناق

يا دنيا.. الدنيا متاع لهم…وأنت

تمرين على مخابئ الجراح

كنفحة نبي! يضئ دروب الفقراء.

جف الخوف!!

وصارت الكفوف دروعا للحفاة.

تغني موطني…موطني…!

إن ما طرحته الشاعرة من أفكار نيرة وعبر سلسلة وحلقات متعددة ومتصلة من النصوص تنم عن تجربة إنسانية عميقة، وضمير وطني متفتح.

أبحث عن وطن

في بغداد وبيروت..

نضبت أنهار الحب!!

في وجدان حروفي..

فأنا تائهة أبحث عن وطن

لبوح قصيدي….

إن نصوص الشاعرة عبارة عن نسيج موحد اتصف بالوحدة الشعرية المتماسكة، ووحدة الشعور والإحساس بانسجام الأفكار، والعواطف والصور وائتلاف اللفظة مع المعاني..لذا نراها تشد المتلقي بلغتها السلسة والتي عبرت عنها ثيمات جمالية راقية.

حروفي دموع…

أنهار تجري في بغداد…

تنعي روعة دجلة..!!!

دجلة يئن من تعب…ودماء…

أفر بعيدا….. أنشد وطنا…

إن هذة المديات البعيدة من المعاناة والألم هي حس وجداني أصيل وعواطف نبيلة.

عراقنا…..

الأرض تلتهب تحت قطرات الدم

من يحمل ثقل خطواتها ؟!

أما القصيدة العاطفية والوجدانية فكانت في غاية النقاء والرقة والعذوبة الفنية والفظية.. فاتسمت بالغنائية والوجدانية البعيدة عن التكلف والزيف امتزج فيها الخيال والحلم والجمال لتكون لوحة فنية أخاذة.

أناغي الحب الطريد

أن يكون أشرعة لسفن الراحلين

ويعود كلما بان في الأفق البعيد

طواف الجليد…

آهـٍ ياساعتي السوداء!

هويت مع أسرارك

ولا من بسمة…

تلاعب الخدين…!!!!

***

سأضئ شمعة

بل أشيّع واحدة

كانت كابوسا …. سأضئ أخرى!!

عسى تكون نافذتي على بساط

الضوء.. وحقول السوسن..

أتحدى قدرا لألاقي حلما ضاع!!

سيلاقيني عند فجر أتٍ…..

لقد استطاعت الشاعرة بذكائها تجاوز التعبير عن جمال الكلمة؛ الجمال ليس أن يحاكي الشاعر الطبيعة أو الحياة أو العواطف محاكاة الصدى، فهذه حالة تحط من قيمة ورسالة الشعر؛ فالجمال الفني والبنائي والدرامي للنص هو أسمى بكثير من الجمال الطبيعي، لذا جاءت النصوص قوية السبك ومتينة التركيب، ودقة التصوير جعلت من أعمال الشاعرة عذبة ونقية.

***

على هامش السيرة:

للشاعرة فاطمة منصور إصدارات ودواوين ومجموعات متعددة

  • امرأة من فصيلة للشمس.
  • ارتعاشات عاشقة
  • أنثى على غيمة
  • من وحي القيود
  • همسات العمر

وترجمت أغلب قصائدها إلى اللغات الأجنبية وشاركت في مهرجان المربد في البصرة عام 2017، ولها مشاركات عديدة محلية وخارجية، كتبت ونشرت في صحف وجرائد متعددة، ونالت جوائز كثيرة محلية وعربية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى