المغالطات المنطقية و وهن الحضارة
د. ريم سليمان الخش | سوريا – فرنسا
لقد عاب النقاد الأوائل (يوم وجد علم النقد) على أبو ذؤيب الهذلي قوله في عينيته واصفا الخيل قصر الصبوح لها، فشرج لحمها بالني، فهي تثوخ فيها الإصبع… أي لو أدخل أحد إصبعه في لحمها لدخل لكثرة لحمها وشحمها، فهذا الوصف لايليق بالخيل! وكلنا يذكر عبارة (قد استنوق الجمل) للشاعر الشاب العبقري طرفة بن العبد ناقدا المسيب بن علس حين وصف جملا وحوله بنعته إلى ناقة! إلى ماهنالك من المغالطات المنطقية التي كانت نادرة (كما يجب لها أن تكون فالأخطاء عموما تتبع قانون بواسون الإحتمالي!). في زمن كان العقل العربي جوهرة مشعة تتهيئ لاستقبال وفهم أعظم الكتب بيانا وإعجازا.
أما اليوم : فقد زادت المغالطات المنطقية في النصوص الأدبية عامة والشعرية خاصة. إلى درجة أنها خرقت قانون بواسون وأصبحت ظاهرة مرضية تنم عن مجتمع متآكل ثقافيا وعلميا.
فالأدب (بجميع أنواعه) ليس هذيانا أو أضغاث أحلام تقتحم ومضاتها الآفاق ثم ماتلبث أن تتلاشى؛ بل هو من دعائم الحضارة بتوازٍ مع العلم .
ومن المغالطات التي استوقفتني قول أحدهم في داليته: وأحصي عطرهم عددا؛ فهذه مغالطة منطقية فللعطر (مهما كانت كميته قليلة) قدرة تفوق قدرة العد وبالتالي لايمكن أن يُحصى.
ثانيا : قول آخر (أنت أول آخرٍ والغامض الأزلي!) هذه العبارة تحوي تناقضا صارخا سواء كان المقصود هو الله عز وجل أو الإنسان ! فالله سبحانه (ليس أولَ آخر)؛ بل هو الأول والآخر وشتان بين المعنيين !
أما إذا كان الإنسان فلايمكن لنا البتة أن نصفه بالأزلي (صفة الألوهية ) فضلا على أن الكون محدث (ثبت علميا عمر الكون 7, 13 مليار سنة)
وعندما سألت قال لي إنه استعار عبارة النفري (أول آخر) وهذه للأسف عادة المحدثين أن يقحموا نصوصهم عبارات تراثية أو عالمية دون الغوص عميقا بفحوى العبارات المستعارة !
أيضا أبّد أحدهم الزبد متجاهلا معناه الهش المعبر عن الزوال متناقضا مع استخدامه الصحيح في الآية الكريمة (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).
ثم آلاف مؤلفة تريد أن تصل إلى ماوصل إليه المتنبي إما بذمه أو بتقليده !..ولايدرون أن المتنبي كان أمة بذكائه الحاد ومنطقه واستنهاضه للهمم. المتنبي الفيلسوف والشاعر المقاتل بث في الأمة العربية (منذ بدء انحدارها) روحا ماتزال تستنهضها وتقيها عثراتها. ثم يأتي من لايصل إلى شسع نعله ليقلص معناه إلى يدٍ تطلب العطايا (هذا معيب حقا) تماما كمن يعيب على واصل بن عطاء كونه يلثغ ناسيا عبقريته الفذة وقدراته الهائلة (التي لايملك هو حتى عشرها!).ناهيك عن كم هائل من الصور المكررة والعبارات المقلدة واستحسان جمهور القطيع لها. أو من ينصّب نفسه مختار الحارة الفيسبوكية (بقبقاب يشبه قبقاب غوار!) ويريد للأدب (كي يعجبه!) أن يلامس مشاعره الضحلة بثقافته (المنغولية) العاجزة!
ختاما أقول: نحن على مفترق طرق فإما أن نتجاوز المكب الحضاري (بطفرة كما طفرة النظّام والتي تشرح اليوم حركة الإلكترون بالذرة (باعتراف الغرب) كما تشرح فكرة الأحوال عند المعتزلة قوانين فيزيائية أخرى…) فإما مثل هذه الطفرة وإما أن نبقى للأسف في مكاننا المخزي الذي وصلنا إليه !
أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم من قلب لاهٍ لم يتفكر كفاية بنواميس الخلق وأرجوه المغفرة وأن يتقبلني رغم تقصيري جنديا من جنود العلم والأدب.