إسرائيل وموقفها من الإنتخابات الفلسطينية
نهاد أبو غوش | رام الله – فلسطين
بينما يحتدم الجدل في الشارع الفلسطيني حول ما إذا كانت انتخابات المجلس التشريعي ستجري في موعدها المقرر في 22 أيار المقبل، أو سيجري تأجيلها إلى موعد لاحق، بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل على إجراء الانتخابات في القدس، وامتناعها حتى الآن عن الاستجابة لطلب رسمي فلسطيني بهذا الخصوص، أبدت إسرائيل في البداية قدرا من التجاهل الظاهري وكأن الانتخابات الفلسطينية لا تعنيها أو أنها محايدة تجاهها. لكن مجموعة من المؤشرات اللاحقة أكدت أن إسرائيل ليست معنية فقط، بل هي مهتمة جدا بأدق تفاصيل هذه الانتخابات، وتتحسب لاحتمالاتها وسيناريوهاتها المختلفة، وقد دخلت مباشرة على خط التأثير فيها بأكثر من وسيلة وطريقة.
وتتخذ التدخلات الإسرائيلية ومحاولات التأثير على الانتخابات عدة أشكال، بعضها صاخب ومعلن كما في منع بعثة الاتحاد الأوروبي للمراقبة على الانتخابات من دخول البلاد ودخول القدس تحديدا. فقد أفادت صحيفة معريف في عددها بتاريخ 31 آذار الماضي أن إسرائيل أبلغت الاتحاد الأوروبي بأنها لن تسمح لمراقبيه بوصول مدينة القدس بهدف الإشراف على الانتخابات الفلسطينية في المدينة، وادعت المصادر الإسرائيلية وقتها أن السبب في ذلك هو القيود المفروضة على تحركات الناس للحد من تفشي وباء كورونا. وعلى الرغم من التقليصات الملحوظة التي أجرتها الحكومة الإسرائيلية على القيود التي تحد من الحركة بسبب الكورونا، إلا أنها واصلت تجاهل الطلب الأوروبي، كما أكد الناطق باسم بعثة الاتحاد الأوروبي في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الأناضول في 18 نيسان. وقال المتحدث باسم البعثة شادي عثمان أن البعثة لم تتلق أية ردود، وأن الأمر يتعلق بوفد تحضيري مقلص، كانت مهمته التحضير اللوجستي لبعثة مراقبين أوروبية موسعة يفترض بها أن تحضر قبل الانتخابات بأسبوع وتضم أعضاء في البرلمان الأوروبي وخبراء ومراقبين.
اعتقالات وتهديدات
ومن التدخلات الصاخبة أيضا قيام قوات الأمن الإسرائيلية باعتقال ثلاثة مرشحين فلسطينيين من كتلتي فتح واليسار الموحد في السابع عشر من نيسان الجاري، وفض اجتماع كان مقررا عقده في أحد فنادق القدس الشرقية. قبل ذلك بأيام اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية عددا من المرشحين من مختلف مناطق الضفة الغربية، واستدعت آخرين من قائمة “القدس موعدنا” المحسوبة على حركة حماس. وكانت الأجهزة الأمنية ذاتها وعلى امتداد أكثر من شهرين بين قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس في منتصف كانون الثاني بإصدار مراسيم إجراء الانتخابات، وبين اكتمال تشكيل وتسجيل القوائم الانتخابية في أواخر آذار، قد استدعت عشرات الناشطين والكوادر الفلسطينيين، وبخاصة من المحسوبين على حركة حماس والجبهة الشعبية، فاعتقلت عددا منهم وهددت آخرين بالاعتقال في حال ترشحهم وهو ما أكده تقرير مفصل نشرته جريدة هآرتس في 4 آذار الماضي لمراسلتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عميرة هس، التي قالت أن جهاز الشاباك وجه تحذيرات للناشطين بأن مشاركتهم في الانتخابات سوف تعني فراقا طويل الأمد لعائلاتهم، وقد امتنعت المصادر الرسمية الإسرائيلية عن التعليق على هذه الأنباء.
من الضغوط المعهودة التي تمارسها أجهزة الأمن تهديد بعض المرشحين المقدسيين بسحب هوياتهم المقدسية، وهو تهديد نفذته إسرائيل فعليا بحق نواب المجلس التشريعي السابق الذين فازوا على لائحة حركة حماس المسماة كتلة التغيير والإصلاح، بالإضافة لوزير شؤون القدس في الحكومة التي شكلتها الحركة عام 2006.
الانتخابات في القدس
إلى جانب كثير من التدخلات والضغوط الإسرائيلية التي من شأنها التأثير على الانتخابات الفلسطينية، كمنع حركة المرشحين وأنصارهم واعتقال بعضهم، والتحذير من النتائج التي قد تعزز قوى متطرفة بحسب التصنيفات الإسرائيلية، يبقى موضوع إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس هو العقدة الأساسية التي قد تنسف الانتخابات أو تؤجلها إلى أجل غير مسمى، ارتباطا بعاملين متعاكسين، الأول هو الإجماع الفلسطيني المعلن والمثبت في نتائج قرارات الحوار الوطني بأنه “لا انتخابات من دون القدس” والمقصود بذلك مشاركة المقدسيين في الانتخابات ترشيحا واقتراعا ودعاية من داخل مدينتهم، والثاني هو الميل الإسرائيلي المتزايد نحو منع اي نشاط سياسي فلسطيني علني في القدس حتى لو كان ذا طابع رمزي، وهو الميل الذي تعزز بعد اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ومع استقرار حكم اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل.
من المتوقع أن تؤثر الهبة الشبابية الراهنة والمواجهات العنيفة بين الشبان الفلسطينيين من جهة، والمتطرفين الإسرائيليين وأجهزة الأمن من جهة اخرى على موضوع إجراء الانتخابات، كما أن من المهم الإشارة إلى أن معظم القوائم الفلسطينية المسجلة للانتخابات ضمت مرشحين مقدسيين، وبمجموع زاد عن 50 مرشحا، وبعض هؤلاء المرشحين في مواقع متقدمة ومضمونة.
وبصرف النظر عن النقاشات الداخلية الفلسطينية التي تنقسم بين من يرى أن إجراء الانتخابات في القدس بالطريقة التي جرت سابقا في أعوام 1996 و2005 و2006 تأكيدا على كون المدينة جزءا لا يتجزا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبين من يتهم بعض الأوساط الفلسطينية النافذة بانها تستخدم القدس ذريعة لإلغاء الانتخابات، إلا أن الحقيقة الصارخة تتمثل في كون قضية الانتخابات في القدس هي ورقة ما زالت بيد إسرائيل وقد تستخدمها إما لفرض واقع جديد بالنسبة للقدس، أو لتعطيل وإلغاء الانتخابات الفلسطينية لأسباب ومخاوف إسرائيلية عديدة.
من الجدير ذكره أن مشاركة المواطنين المقدسيين في الانتخابات الفلسطينية محددة بموجب المادة السادسة من الملحق الثاني لاتفاقية المرحلة الانتقالية (اتفاق أوسلو)، والتي نصت على مشاركة نحو 5300 فلسطيني من سكان القدس من خلال 5 مكاتب للبريد، وقد جرى رفع العدد في انتخابات 2006 إلى 6300 مواطن فلسطيني وستة مكاتب للبريد وذلك بحسب القدرة الاستيعابية لهذه المكاتب، بينما يشارك باقي المواطنين وعددهم الآن يزيد عن مئة وخمسين ألف مقدسي بواسطة مراكز الاقتراع الفلسطينية المنتشرة خارج الحدود البلدية لمدينة القدس.
مع مضيّ السلطة الفلسطينية في تحضيراتها لإجراء الانتخابات، تزايد الاهتمام الإسرائيلي المعلن بهذه الانتخابات إلى درجة إيفاد رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) نداف أرغمان للقاء الرئيس عباس، وادّعت المصادر الإسرائيلية أن المسؤول الأمني “نصح” الرئيس الفلسطيني بإلغاء الانتخابات بحجة أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى احتمال فوز حركة حماس. وهذه النصائح لم تلق آذانا صاغية عند الرئيس الفلسطيني، فموقع “يسرائيل تايمز” نقل عن قناة كان في الأول من نيسان الماضي أن الرئيس عباس “وبّخ” أرغمان، قائلا “أنا لا أعمل عندك. أنا سأقرر ما إذا كان سيتم إجراء الانتخابات ومع من. أنتم من بنى حماس، وليس أنا.”
وقد كشفت المواقع العبرية أن هذا اللقاء جرى في أواسط آذار، فقد ذكرت القناة 13 أن أرغمان حمل إضافة لنصائحه بشأن الانتخابات، تحذيرات للرئيس الفلسطيني من توجه السلطة لدفع تحقيقات ضد إسرائيل لدى المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة للتحذير من التصريحات المتكررة عن نية تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة حركتي فتح وحماس، وهو ما تضمنته نتائج لقاءات الفصائل الفلسطينية في القاهرة.
ويبدو أن الفتور الذي طبع المواقف الإسرائيلية في بداية الإعلان عن الانتخابات الفلسطينية يعود إلى تكرار الفلسطينيين مثل هذه الإعلانات، أو الحديث عن نية إجراء الانتخابات، من دون انتقالها إلى حيز التنفيذ، ولكن مع تتابع الإجراءات الفلسطينية، والانتقال من مرحلة إلى أخرى بحسب المهل القانونية المحددة زمنيا لكل مرحلة، ارتفع منسوب الاهتمام الإسرائيلي العلني.
وقد اعترف الجنرال طال كالمان رئيس شعبة الشؤون الاستراتيجية في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي أن إسرائيل تتابع موضوع الانتخابات الفلسطينية عن كثب، وهي لا تريد التدخل في هذه الانتخابات.
الجيش يتأهب
وقال كالمان في مقابلة مع صحيفة “يسرائيل هيوم” أن دولة إسرائيل قررت “عدم التدخل في الانتخابات الفلسطينية، لكننا قلقون بالتأكيد من إمكانية تعزيز قوة “حماس” في الضفة الغربية، وأضاف ” نقلنا رسالة للسلطة الفلسطينية من خلال كل من تحدثنا معه، أن هذا طريق خطير ويمثل مخاطرة.”
ومن الواضح أن مختلف الأجهزة السياسية والأمنية الإسرائيلية باتت تتابع تطورات الانتخابات الفلسطينية باهتمام شديد، فقيادة الجيش توقعت أن يصدر الرئيس عباس قرارا بتأجيل الانتخابات، ويعزو تقرير نشره موقع “والا” العبري بتاريخ 20 نيسان الجاري لمراسله أمير بوخبوط هذا الخيار للمشكلات التي تواجهها حركة فتح وانقسامها إلى ثلاث قوائم، وما يسميه التقرير “التحالف من وراء الستار” بين مسؤول حماس في قطاع غزة يحيى السنوار والقيادي المفصول عن حركة فتح محمد دحلان زعيم ما بات يعرف بتيار الإصلاح الديمقراطي في الحركة والذي قام بتشكيل قائمة “المستقبل” لخوض الانتخابات، ولا يستثني التقرير أسبابا أخرى لتأجيل الانتخابات كجائحة كورونا والقيود الإسرائيلية على الانتخابات في القدس. وتتوقع قيادة الجيش أن تندلع اضطرابات عنيفة احتجاجا على إلغاء الانتخابات، وقد أصدرت هذه القيادة تعليمات لأذرعها المختلفة كي تستعد لمواجهة مثل هذه التطورات بما فيها قيام ما أسمتها “البنى التحتية الإرهابية” ونتيجة لخيبة أملها من إلغاء الانتخابات، بإطلاق صواريخ من قطاع غزة على إسرائيل، أو القيام بأعمال عنف انطلاقا من الضفة بطريقة تضطر الجيش الإسرائيلي للرد بقسوة.