عثراتنا الجميلة في متحف النجاح
عبد الرزّاق الربيعي | مسقط
ذات يوم وجّه صديق أكاديمي لي دعوة، لحضور احتفالية، خاصة به، لم يفصح عن مناسبتها، وحين اجتمعنا، في المكان المقرر، وكان جل الحضور من الأكاديميين، تساءلنا عن المناسبة السعيدة التي دعانا لنلتقي على شرفها، فأجاب” قدّمت بحثا للترقية، ولم أوفّق، فشعرت بالإحباط، ولكي أتجاوز ذلك، قررت أن أحوّل الإخفاق إلى مناسبة للاحتفال، لكي أؤكّد إصراري على نيل الترقية، قاطعا على نفسي عهدا، أمامكم بالسعي لنيلها حتى لو أخفقت مرات، ومرات” ، فباركنا له هذه القوة على الثبات، والإصرار على بلوغ الهدف، وبالفعل نال مرامه بعد شهور قليلة من تلك الاحتفالية التي بدت غريبة، في أوساط المخفي فيها أكثر من الظاهر، وبخاصّة ما يتعلّق بالتجارب الفاشلة!!، ويتمّ التبرؤ من الفشل، وكأنه ابن غير شرعي يحاول الجميع التنصّل من أبوّته، رغم علمنا أن تجارب الحياة محكومة بالنجاح، والفشل، وتبدو النسب متفاوتة، فليست كل التجارب ناجحة مثلما ليس الفشل نهاية ، بل يرى البعض إن الفشل الخطوة الأولى للنجاح، وقيل أن أديسون قبل اختراعه للمصباح الكهربائي جرّب أكثر من 10000 مرّة، ولم تكن تلك المحاولات فاشلة، بل شكّلت خطوات أولى أسست لنجاحه في الاختراع، وكان أديسون دقيقا في استخدام الوصف، فتجنب وصفها “بالفاشلة”، بل أسماها “تجارب لم تنجح”، بل إنّه اعتبرها تجارب للتعلّم، فقال “تعلمت 10000 طريقة خطأ لصنع المصباح”، ولم يندب الحظ، بل واصل تجاربه بكل صبر، حتى ظفر بالنجاح، فليس من العيب على الانسان أن يفشل، بل العيب أن ينهزم ، ويتوقّف عن المحاولات، والتجارب، وفي ذلك يقول الكاتب الأمريكي أرنست همنغواي في روايته(الشيخ، والبحر) ” قد يتحطم الإنسان، لكنه لن يهزم”، فأكثر ما يعزّز روح الفشل هو اليأس، والناجح لا يعرف اليأس طريقا إلى روحه، يقول حافظ إبراهيم مخاطبا الشباب، في قصيدة حفظناها أيام الدراسة الإعدادية :
لا تيأسوا أن تستردوا مجدكم
فلَرُبَّ مغلوب هوى ثم ارتقى
مَدّت له الآمال من أفلاكها
خيطَ الرجاءِ إلى العُلا فتسلَّقا
فتجشَّموا للمجد كلّ عظيمة
إنّي رأيت المجد صعبَ المرتقى
من رام وصْلَ الشَّمس حاك
خيوطها سبباً إلى آماله وتعلَّقا
فالفشل ليس نهاية، بل بداية لخطوة جديدة قد يكتب لها النجاح، ومن تراكم المحاولات، يمكن بلوغ النجاح، يقول توماس ويتسون”إذا كنت تريد أن تنجح، عليك أن تضاعف ضربات الفشل”، والمقصود بـ”ضربات الفشل” هنا، توقّع ذلك، والإستعداد النفسي لتقبّل النتائج السلبيّة ضروري، و”من سار على الدرب وصل”
لذا، لم أجد غرابة عندما قرأت خبرا يفيد أن مدينة هلسنجبورج في جنوب السويد ستصبح مقرا لمتحف جديد لأكثر المنتجات سوءا يحمل اسم “متحف الفشل”.
الذي سيفتح أبوابه في7 أغسطس المقبل، وفي ذلك الوقت “سيتمكن الزوار من مشاهدة أكثر الأفكار والمنتجات فشلاً”، كما يقول الخبر، ومن بينها منتجات ما بعد الحلاقة من هارلي ديفيدسون، ومشروب طرحته شركة (كوكا كولا) يحمل نكهة القهوة عام 2006، ولم يجد اقبالا عليه، مثلما سيتم عرض جهاز إلكتروني تم إنشاؤه خصيصا للتغريد من خلاله في عام 2009، وهو يعد الشكل الأولي لتويتر، ويأتي عرضه من باب أن الإنجازات التي ننعم بها اليوم، لم تأت بضغطة زر، بل ببذل محاولات عديدة، حتى وصل إلى ماهو عليه اليوم.
ويبدو ان الهدف من المتحف هو إشاعة ثقافة الفشل، وعدم التكتّم على التجارب الفاشلة، لأن التحدث عنها سيفتح الأذهان التي قد تبذل جهدا لتكملة المشروع ،وتجاوز حالة الفشل، فالناجح إنسان إيجابي ،متفاعل مع الحياة، مقبل عليها، أما الفاشل فهو مدبر عنها، لأنه يتوقف عند النقاط المظلمة، ويخشى تكرار المحاولة، خوفا من تعزيز الفشل بفشل آخر، فيتجنّب المغامرة، ولبلوغ النجاح لابدّ من المغامرة، ووضع هامش للفشل وكما قال أحدهم” لتكن من عثراتنا طريقا للنجاح”، فليفتتح كل واحد منا متحفا في ذاكرته للتجارب الفاشلة التي مرّت بحياته، لكي تمدّه بالقوة الداخليّة، والصبر، والشجاعة وصولا لبلوغ مراتب النجاح العليا.