إنعاشٌ

د. جمال الجزيري | مصر

نزيفٌ يتراءى لي

في الفاصلِ بين العتمةِ والعتمةِ

بين الضبابِ والضبابِ؛

هل هذه الأرضُ طيِّبَةٌ أم أن إيماني ضعيف؟

لماذا يفلتُ منّي إشراقي الآن

وأنا الذي أُبْصِرُ خيوطَ النورِ وسطَ الظلامِ الدَّامِسِ؟

لماذا تدقُّ طبولُ النحيبِ في رأسي

وكأنني سأفقدُ أبنائي في مستنقعاتِ الجوع؟

الرَّاياتُ السوداءُ شبحٌ في الأفقِ،

القراراتُ العرجاءُ قُطَّاعُ طُرُقٍ،

المنتحرونَ على الأرصفةِ جهازُ إنذارٍ،

البطونُ الصارخةُ صاروخٌ أرضيٌّ،

الكلامُ المُلَوَّنُ شاشةٌ بالأبيضِ والأسودِ،

الأوراقُ الصفراءُ نقطةٌ بلا سَطْرٍ،

وأنا هدفٌ بين هذا وذاك

بين هؤلاء وهؤلاء

والطَّلْقَةُ التي أراوغُها تصيبُ مدى بصري

وكأنَّ هذا النهرَ لا يُفْرِخُ عاشقي أرضٍ 

ولا يروي أنفاسَ مُحِبِّينَ!!

فيا أبتِ،

لمَ لمْ تُعلِّمني أن الطريقَ متاهاتٍ

وأنَّ الخُطْوَةَ المُجْهَدَةَ لا يحقُّ لها أن تستريح

ولا أن تغفوَ ساعةً في مرفأ الأحلام؟!

أحلامي مُنْهَكَةٌ يا أبي

وأخافُ على أرضي وزوجتي وأبنائي؛

يدي ليستْ قصيرةٌ

ولكنّ الطُّرُقَاتُ ترفضُ التأويلَ

والصَّخْرُ الذي أحفرُ فيه

لا يُفَجِّرُ عيون الماء أمام بصيرتي

ولا يُشْبِعُ خطوةً تتطلَّعُ لهُدْنَةٍ مؤقَّتَةٍ!!

ماذا سيحدثُ يا أبي

لو أنني شردتُ الآن عن الطريقِ

وجلستُ تحت شجرةٍ تتراءى لي

على طريقٍ جانبيَّةٍ تكادُ تلمسُها رؤاي

وأكادُ أرى زوجتي وأبنائي ناجِينَ تحتَها؟

الحمدُ لك يا إلهي،

شكرًا لك يا أبي؛

جميلةٌ هذه الطراوةُ

مُنْعِشٌ هذا الهواءُ

وهذا النًّورُ الذي آنسُه في قلبي

يُعيدُ لي إشراقَ روحي

ويشحنُ طاقاتي وسُخْرِيَتِي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى