رمضان و الكوفيد 19

أمبي الدهاه عبد الرحمن | موريتانيا

… في الأصل، لم يكن رمضان شهرًا شحيحًا بل كان كريمًا ككل مرة، فكلمة كريم هذه تختزل نصوص و صفحات، لن نخوض في كونه شهر إحسان و بركة و عبادة و الرجوع إلى المعبود و التبتل في محراب الإيمان، كما هو المعروف لأنها أشياء مفروق منها. فرمضان بنكهة الكوفيد يختلف عن رمضان خالي من طعم الهلع و الخوف، و تفشي وباء أوقف العالم على ساق عرجاء و قدم تنزف، فكل القوى العظمى و كل العقاقير و الأطقمة و أنواع الأدوية و العولمة و التكنلوجيا و الطور العلمي كلهم خرّوا سجدًا خوفًا واستكانة. و مزال ينهش ليلاً نهارًا دون أخذ استراحة، يقتل و يصيب، يشل القلوب فزعًا و ترتعد الأجسام وهنًا أمام أنيابه اللامرئية. لنأخذ لمحة سريعة على الكوفيد قبل أن يمتزج بنور رمضان ليعتصرا وجعًا في كأس الحجر الصحي و يشربه كل مسجى على فراش الفقر والبطالة ليكون علقمًا في حلقه، لكنه المتوفر و يقال صاحب الحاجة أعمى. منذ شهور خلت ظهر الفايروس في بلاد العيون الضيقة آكلي الأخضر واليابس “الصين” و بالتحديد مدينة وهان، قتل ما قتل و أصاب من أصاب، ليبدأ رحلته عبر الخطوط السريعة الخفية، و انتشر في باقي بقاع العالم ليعيث فسادًا، حتى نحن في المنتبذ القصي لم نسلم من سهامه. توقفت الحياة و صارت في كف عفريت يرمي بشرر، قد يلفظها عنه في أي ثانية و ينتهي كل شيء، أغلقت الجامعات، الأسواق، المطارات، المساجد، الكنائس، الملاعب و كل الأمكان العامة. بعد انفراط هذه الشهور ها هو رمضان يحط الرحال ليكونا ثنائي رهيب. لم تعد الطقوس الرمضانية المعهودة عند الصائمين قابلة للممارسة، و خوض غمارها بعد عام من الهجر، لا لهو لا رياضة لا قاعات ولا مطاعم لا مقاهي ولا ألعاب، لا صلاة تراويح ولا حتى جمعة، لا زيارات و تبادل رؤوس الحديث و الثرثرة لإراحة النفس من إرهاق الجوع و العطش. كلها أمور لم تحدث من قبل في هذا الشهر الفضيل، غير أن هذا الكورونا قلب كل الموازين و خلط أوراق اللعب ليُنصب نفسه مكان الجوكر أو الملك في لعبة الشطرنج. لم يكن رحيمًا بالفقير و كان بردًا و سلامًا على الأغنياء الذين لم يشعروا حتى بألمه، لأن الألم منبعه الجوع و السير وراء الطيور المهاجرة و رغيف الخبز يتساقط منها فتاتًا من على بعد شهقة يتيم. رمضان من أمامي و الكوفيد من خلفي، أأمشي و الهواية تنتظرني عند منحدر الفطور و إن تفطنت و تفاديت سقوط الغسق، فسقطة السَّحَرِ لا مناص منها، قد لا تأتي بسرعة لكنها حتمًا آتية. ماذا يفعل ذلك العجوز العاجز و هو بين جدران الحجر الصحي و الكورونا عند الباب يترصده، ماذا تطعم تلك السيدة خديجة بائعة الخضروات في السوق و هي بين فكيْ الكوفيد و على شفى جرف الدَّيْن و سينهارُ بها في أي لحظة، صاحب المحل يريد أجر محله و السوق مغلق و البطون خاوية و الحكومة نائمة، لا عفوًا غافلة، لا تهتم فهي لا تتألم كما يتألم صاحب العربة و حماره يتموت جوعًا أيطعمه أم هي لقمة وحيدة للأبناء. أصبح الوضع فوضوي بل هو أقرب للعبثي و الفكاهي، أنتعبد و نصوم أم ننام و ننقذ العالم، ننتهز الفرصة لنبشِ كل الكتب التي بال عليها العث، و نقرأها لنقتل بها الوقت، أم نخصص كل الوقت للتأمل و التفكير في ماهية الوجود. للأسف لا شيء من هذا وُجدنا له طالما نعيش في هذا القطر، لنذهب في عملية البحث الأزلية، لنستفسر عن صندوق كورونا في أي بحر سقط، لنستقصي عن الصُّرر التي أعلنت الحكومة عن تقيسمها ربما قُسّمت في الخفاء. نحن فقط نريد أفطارًا شهيًا، ليمكننا من تمني صومًا مقبولاً. نريد طعامًا، نريد شرابًا، نريد أن نحيا قبل أن نموت.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى