هل من إجراءات كفيلة بدفع إسرائيل نحو إنهاء الاحتلال؟
سعيد مضية | حلحول – فلسطين
في هذه اللحظة يوجد إجماع على أن المقاومة الفلسطينية المسلحة حققت انتصارا، والتجربة المريرة تظهر كيف اختلست القوى المعادية الانتصارات بينما تغرق الجميع في عراك وتنابذ كل ينسب لنفسه الفضل ويدعي امتلاكه الحقيقة المطلقة. رباطة الجأش وليدة الثقة بالنفس والإلمام بملابسات الواقع والقضية المطروحة. المعرفة قوة وسيطرة على حركة الواقع، رافعة تسمو بالسلوك وردود الأفعال، لتظل في مستوى التحديات . في غياب المعرفة تستبد الانفعالية، تهدر وتبدد في لحظة طيش . رباطة الجأش ضرورية لمنع السقوط في المهاترات والمناكفات، لتضعف المقاومة والتصدي للمخاطر وقهر الصعاب. المعرفة لازمة تردع النفس الأمارة والرؤوس الحامية.
أقول ما قلت لأننا شهود شرارات تتطاير من هنا وهناك وقد تتسبب في اندلاع حريق يدمر ويبيد. في هذه اللحظات تتجلى الرعونة والطيش الكاشفة في لغو الكلام وفقر المعرفة وضحالة الوعي والعجز، من ثم ،عن إدارة الخلافات؛ بدل الاحتكام الى العقل ومنطق التحاور يسبق العنف الكلامي والفعلي. حين يغفل طرف اخطاءه ويحمّل الطرف المقابل كل الأخطاء يتعذر التفاهم ويحل الشقاق. عناصرغير مسئولة تكايد وتناكف بعيدا عن منطق السياسة وأسلوب الحوار ، تسمم اجواء النشاط المقاوم للاحتلال وتلوثه بالشتائم والاتهامات الرخيصة. يكاد يتبدد ذلك الإجماع الوطني المتحقق يوم الثلاثاء البيضاء. لم تقدّر عناصر الردح والمناكفة قيمة المكسب النفيس المتحقق بفضل وحدة القوى والتصدي المشترك لجريمة الترحيل والتطهير العرقي والاعتداء على الاقصى. هبة جماهيرية اندمجت مع الصمود بوجه العدوان الهمجي على غزة لتفضح حقيقة نظام الأبارتهايد يمارس نهجا كولنياليا اقتلاعيأ.
القيادات الوطنية للفصائل الفلسطينية قصرت في نقل موجات التضامن لعناصرها لتتعرف على أحقيتها بوطنها. عشرات الكتاب والمثقفين في أنحاء المعمورة مزقوا الأقنعة البالية عن الادعاء الصهيوني بدور الضحية والدفاع عن النفس. وقفت الصهيونية وإسرائيل وساندهما معسكر الامبريالية والحرب جميعهم يزعمون ان العدوان الإسرائيلي مجرد دفاع عن النفس ضد إرهاب حماس . هذا ، بينما هبت تدحض وتفند المزاعم حركة عالمية وجمهور كتاب ومثقفين يفضحون نظام أبارتهايد منخرط في عملية تهجير جماعية. اختصر المسألة الكاتب الأميركي االشهير جيفري سانت كلير ” والحل الحقيقي الوحيد لدولة أبارتهايد هو تدمير بنية الأبارتهايد.”، ويقول:” الرابطة العميقة بين الأميركيين الأصليين والشعب الفلسطيني تقوم على تجربة مشتركة : فقد تعرض الطرفان لعقوبات قاسية لمجرد أن عاشوا على أرض الوطن، أسلوب وجودي بذل كل من إسرائيل والولايات المتحدة المساعي لتجريمهم من موقف قانوني. إذا كنت تنوي تحويل مجتمع تعرض لاضطهاد وحشي الى مجتمع يعيش فيه الناس بكرامة وامل ، فإنك تبدأ بتمكين العاجزين . تبدأ بالبناء من الأسفل، وتبدأ بوقف تعذيب العزل وقتلهم”.
والكاتب البريطاني باتريك كوكبيرن، الخبير بشئون الشرق الأوسط، كتب يوم الإضراب الشامل للأرض الفلسطينية- الثلاثاء البيضاء (18 أيار) – يقول ” يملك الفلسطينيو ن ورقة ذات القيمة الأسمى، مفادها أن إسرائيل لن تكسب شيئا حقيقيا ما لم يعلن الفلسطينيون أنهم خسروا. وأظهرت أحداث الأسبوع الفائت ان هذا سوف لن يحدث. تكسب إسرائيل حيلة بعد أخرى على طاولة الرها ن السياسية والعسكرية، إلا أنها لن تفوز بإعلان فوزها لأنها تلعب لعبة ليس لها نهاية” .
يجدر بهواة المناكفة والردح أن يرتقوا فوق العنف اللفظي والفعلي ليتفرغوا للرد على المزاعم الصهيونية، شعبنا يعيش جحيم الضعف امام الطبيعة وحيال الاضطهاد الاجتماعي والقومي. ولو شعر البعض بحجم الاضطهاد القومي النازل بشعبهم لما ألهبت نقمتهم وحقدهم كلمة نقصت من خطبة إمام مسجد واحتفظوا بقدر من الصبر يتذكرون القول إذا قام الخطيب يخطب وقلت لصاحبك صه فقد لغوت”، وليوجهوا سخطهم على قاهريهم. ربما يعون كامل حجم المعاناة التي يتكبدها شعبهم حين ينقلون عن الكاتب الأميركي، جيم كافاناه، إذ كتب في 21 أيار:
” إسرائيل دولة كولنيالية استيطانية . إسرائيل مشروع تفوق عرقي (يهودي)، إسرائيل مشروع أبارتهايد . ليس لنظام أبارتهايد “حق الدفاع عن النفس”، من مقاومة شعب يحاول النظام ابادته وطرده أو إرغامه على الخضوع. ومن حق أولئك الرازحين تحت نير نظام الأبارتهايد . … الكفاح من اجل التحرر من السيطرة الأجنبية والكولنيالية والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك النضال المسلح”. بالطبع البون شاسع بين الحق وبين أسلوب استخدام الحق، حيث يخضع لخصوصية الراهن والظروف القائمة.
وقال، “مثلما يطلب من السكان الأصليين في أميركا اٌلإقرار بأن دولتهم للبيض فقط يتوجب على الفلسطينيين الإقرار بأن إسرائيل ‘دولة لليهود؛ ما يجري ليس نزاعا بين حماس وإسرائيل ؛ إنه نزاع بين الحركة الصهيونية والشعب الفلسطيني بأسره….. إنه نظام ابارتهايد صميم، يتفرع الى كولنيالية وتفوق عرقي –ديني وتطهير عرقي . إن فكرة تدعو شعبا لتسليم أرضه وبيوته كي يخضع لشعب آخر، هي فكرة لا تستحق الدفاع عنها”.
لإسناد حججه ذكر الكاتب بمسيرات العودة: “خلال مسيرات العودة في غزة عام 2018 عندما صوب الجنود القناصة الإسرائيليو ن، وهم يعرفون أين تستقر رصاصاتهم، حدث أن قتلو 18 من الممرضين ، إنها خطة لزيادة المعاناة والفوضى”.
أو ربما يستلهم المناكفون أسلوب جيل ريتشاردسون، الطالب اليهودي يحضر للدكتوراه بجامعة ويسكونسين- ماديسون . فضح هدف نتنياهو الشخصي من توتير الأجواء ودفعها حتى العدوان المسلح، وكتب: “حزب نتنياهو فشل في ضمان أغلبية حكومية وهو يواجه تهم فساد.ويعتقد العديدون أن نتنياهو عمل على تصعيد العنف مع الفلسطينيين لكي يضمن لنفسه ملاذا سياسيا.”
أو لعل منطق سارة روي أكثر إلهاما ” لا اكتب كأكاديمية من المنطقة، بل كيهودية ويهودية نجا والداها من معسكر أوشفيتز، وأسألك: ” في الأسبوع الفائت بعد مقتل87 فلسطينيا في غزة وجرح حوالي الخمسمائة صرحت بأنك لم تر ‘إسرافا بارزا’ من جانب الإسرائيليين في الرد على هجمات حماس الصاروخية . من بين الأموات في ذلك الحين 18 طفلا. لآ أعرف أيا منهم، لكني أعرف أناسا قتلوهم. فهل تتفضل وتساعدني كيف أشرح لأصدقائي لماذا لا يشكل موت ثمانية عشر طفلا إفراطا في رد الفعل؟ وسؤال آخر يترتب عليه: السيد الرئيس كم من الأطفال يجب أن يموتوا حتى تعترف أن رد فعل إسرائيل مبالغ فيه، سيما وانك جعلت من حقوق الإنسان مركز سياستك الخارجية؟ ستون طفلا قتلوا بأيدي حكومة إسرائيل فهل يكفي هذا العدد؟”
الكاتب الصهيوني السابق، رفائيل مومين، عاش في إسرائيل ونزح عنها ليقيم في لوس أنجلوس ويعمل مدافعا عن حقوق الإنسان. “أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية هو أبارتهايد/ فصل عنصري: نظامان قانونيان لجماعتين عرقيتين. فلو ارتكب يهودي وعربي نفس الجريمة في الضفة الغربية، فسيواجه اليهودي محكمة مدنية أما العربي فسيقف أمام محكمة عسكرية. إلا أن معظم الإسرائيليين لا يفهمون هذا على أنه ظلم ويقاومون مصطلح أبارتيد لأنهم يعتقدون بصدق أن التمييز مشروع وجزء من الدفاع عن النفس”.
“..الصهيونية لا يمكنها تقديم السلام؛ فقط الضغط الخارجي كفيل بإنهاء الفصل العنصري الإسرائيلي. أن الطريق الوحيد لتحرير فلسطين يحدث عندما يصبح الاحتلال عبئا على إسرائيل وكلفته أكثر من منفعته… وهذا صحيح بالنسبة لإسرائيل. ومن أجل إنهاء النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يمكن أن يتخذ شكل مقاطعة المستهلك للبضائع والتكنولوجيا الإسرائيلية والعقوبات على شركاء إسرائيل الرئيسيين وداعميها السياسيين، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. دولة الفصل العنصري ليست مستعدة لتغيير نفسها ولكن الإجراءات الخارجية هي الكفيلة بدفع إسرائيل نحو نهاية الاحتلال”