نظرة القانون الدولي للسلطة العسكرية على إقليم دولة معادية
الدكتور حنا عيسى عين عريك | رام الله – فلسطين
إن القسم الثالث والأخير من لائحة الحرب البرية لعام 1907م يحدد حقوق والتزامات السلطة المعادية التي توجد على إقليم معادٍ وهي الحالة التي تدعى اختصاراً (الاحتلال الحربي) بقولها: “يعتبر إقليم ما محتلاً لما يوجد تحت سلطة الجيش المعادي بشكل فعلي. ولا يمتد الاحتلال إلا على الأقاليم التي تستقر فيها هذه السلطة وتكون قادرة على ممارسة عملها “.
فالإقليم المحتل حرباً بحسب هذه المادة يمكن تعريفه والحالة هذه بأنه “الإقليم الذي يوجد تحت السلطة الفعلية لجيش معادٍ للدولة صاحبة السيادة الشرعية على هذا الإقليم “.
ومن تحليل المادة 42 هذه يتبين لنا أن حالة الاحتلال الحربي لا تتوفر إلا بثلاثة شروط:
– غزو إقليم من قبل القوات العسكرية المعادية: فإذا كانت القوات معادية وغير عسكرية نظامية (غزو سكاني مثلاً) لا يشكل ذلك احتلالاً حربياً بالمعنى القانوني، وكذلك إذا كانت القوات العسكرية صديقة لا معادية.
– توقف الحكومة صاحبة السيادة الشرعية عن القدرة على ممارسة سلطتها في الاقليم بشكل منتظم.
– سيطرة الجيش الغازي على الإقليم بصورة فعلية: وهذا ما يسمح لنا بالتمييز بين (الاحتلال الحربي) من جهة و(الغزو) من جهة ثانية. فالغزو يستوجب سيطرة الجيش الغازي على الإقليم المغزو وإنما هو مجرد تواجد قوات عسكرية معادية فوق إقليم دولة أخرى.
أما الاحتلال فلا يوجد إلا بعد سيطرة جيش الاحتلال على الإقليم المغزو بشكل فعلي وإقامة سلطته الخاصة فيه. وبكلمة أخرى فإن الغزو هو حالة واقعية لا يعترف القانون الدولي للقائم به بأي صلاحيات على الإقليم المحتل,
وأما الاحتلال الحربي فهو حالة ينظمها القانون الدولي بجملة من الحقوق والالتزامات التي يقررها لكل من سلطة الاحتلال من جهة والسلطة صاحبة السيادة الشرعية من جهة ثانية، وذلك بصرف النظر عما إذا كان الاحتلال عدوانياً او وقائياً او غير ذلك.
فقواعد القانون الدولي المعاصر تعترف للقائم بالاحتلال بجملة من الحقوق يمارسها في الإقليم المحتل ولكنه يعترف بالوقت نفسه للسلطة الشرعية بحقها في استعادة إقليمها بجميع الطرق التي تؤمن ذلك (وسائط عسكرية – دبلوماسية – سياسية …).
ومن كل هذا نستنتج أن الغزو يوجد بالضرورة في بداية كل احتلال حربي، وبعدها إما أن ينقلب الغزو إلى احتلال حربي إذا نجم المحتل في فرض سيطرته على الإقليم المغزو وإقامة إدارته الخاصة فيه كما حصل في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967م، وإما أن يفشل الجيش الغازي في اقامة سلطته بشكل فعال ومنتظم فتبقى العملية في نطاق الغزو كما حصل في غزو القوات الإسرائيلية لموقع (الكرامة) الاردني عام 1968م.
والبتّ في هذه النقطة مهم من ناحيتين: –
لأن القانون الدولي يعترف لجيش الاحتلال بحقوق لا يعترف بها للجيش الغازي، ويوضع على عاتق هذا الجيش بالمقابل التزامات (مثل حفظ النظام، الحماية المقررة للمدنيين …) لا يضعها على عاتق الجيش الغازي.
المادة الثانية من لائحة الحرب البرية تعطي السكان الحق بالقيام في وجه الجيش الغازي، ومحاربته بغية صده وطرده من الإقليم المغزو، فإذا سقط بعضهم في يد العدو أثناء انتفاضتهم هذه لا يجوز محاكمتهم بل يعتبرون كمحاربين وتطبق عليهم معاملة أسري الحرب.
وأما إذا كان الإقليم قد تم احتلاله (أي بعد انقلاب الغزو إلى الاحتلال) فإن النص الحرفي للمادة المذكورة يعطي الحق للعدو بعدم اعتبار من يقوم بأعمال حربية من السكان المدنيين محارباً (ومعنى هذا جواز محاكمته بالتالي على أعماله الحربية التي قام بها)، ولكن نفراً كبيراً من الفقهاء يرى أن الشعب القائم في وجه العدو يجب أن ينظر إلى افراده كمحاربين، وأن يعاملوا حسب صفتهم هذه، سواء كان الإقليم محتلاً من قبل العدو أو لازال في حالة غزو.