ثلاث دول بلا حدود

 بقلم: عدنان الصباح

على الشعب الفلسطيني ان يتذكر جيدا يوم 11/5/2021 فهو سيصبح اليوم الذي شهد اول اعلان حرب فلسطيني على اسرائيل وان الفلسطينيين هم من حددوا ساعة الصفر وقرروا اختيار الوقت والساعة والمناسبة التي تستحق وانهم نجحوا جيدا في ذلك كون المبادرة اتت من قبلهم وان السبب كانت المدينة المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين في سائر انحاء العالم مع اننا حتى الان لا نتقن الاهتمام بقدسية القدس لدى المسيحيين الا ان ما جرى كان كافيا لإنذار اسرائيل بان ما بعد 11 ايار لن يكون ابدا كما سبق وذلك يتوقف بنسبة 100% على الاداء الفلسطيني القادم. 

وحتى لو لم يريد العالم ان يعلن اعترافه بنصرنا فان علينا نحن ان نقتنع بذلك النصر حتى نستطيع حقا البناء عليه وان نعمل انطلاقا من هذه القناعة وبدون ذلك فإننا لن نخطو خطوة واحدة الى الامام بل قد نكرر مهزلة خطوتان الى الوراء بعد خطوة الامام وكل ما في الامر اننا لم نثق او ان البعض لا يريد ان يثق اننا تقدمنا الصفوف فعلا وانتقلنا خطوة الى الامام وهذا يعني مراوحة المكان كما ان أي تنازل جديد عن مطالبنا العلنية او القبول بالبدائل الهزيلة التي ستقدمها امريكا وحلفائها كالقضية الانسانية او حماية المدنيين أو أعادة الإعمار كحكاية ممجوجة لم تنفذ كل وعودها بعد حرب 2014 على غزة فان ذلك وببساطة سيدمر كل ما ينبغي ان نبني عليه وسيعيدنا الى الوراء اكثر بكثير من أي وقت مضى وسيصيبنا ما اصاب جحا في حكاية الذئب ولن يصدقنا احد مرة اخرى اضعف الايمان من هذا الجيل وسنخسر كل النجاحات التي رأيناها تعم الكرة الارضية وسيخمد التضامن العالمي ناهيك عن العربي والاسلامي بل وحنى في اوساط شعبنا الذي تعرض مرارا للخذلان حتى كاد يفقد الأمل الى ان جاء 11 ايار 2021 ليعيد له بعضا من ايمانه بذاته وقضيته. 

سالت على صفحتي على فيس بوك اذا كان هناك مرض الخوف من النصر او النجاح واستسهال الفشل او الهزيمة واجابني العديدين ومنهم من ذوي الاختصاص بعلم النفس ان نعم وهو ما يبدو ظاهر امامنا وفي الحالة الفلسطينية فالبعض يصر على اننا لم ننتصر مع ان العالم والواقع يقول ويؤكد اننا فعلا حققنا نصرا على الارض, والسؤال المهم دائما بعد كل نصر او نجاح فيما اذا كان اصحاب هذا النصر قادرين على تطويره والبناء عليه ام انهم سيتنازلون عنه رغبة بالفشل لان الفشل لا يتطلب من اصحابه جهدا سوى عدم العمل او المبادرة او البناء خشية فشل جديد بعكس النجاح او النصر الذي يلزم صاحبه بيقظه اكبر وفعل اكبر ليس بهدف الدفاع عن هذا النجاح بل بهدف تطويره فالبقاء عنده لا يكفي ما دام الآخرين يتقدمون لان ذلك أي عدم الانتقال بنصرك الى الامام سيجعلك بنفسك تحوله الى هزيمة وتراجع امام يقظة وتقدم عدوك. 

الشعار الوحيد الذي ترفعه غالبية العظمى ان لم يكن جميع الطبقة السياسية الفلسطينية الرسمية ( منظمة التحرير الفلسطينية ) هو دولتين لشعبين والسؤال لأي شعب نقصد بالدولة الفلسطينية ونحن منقسمون على حالنا بلا خجل رغم كل الظروف التي نعيش تحت الاحتلال اذا كانت الاولى تصر على انها يهودية … هل نريد دولة للجليل والمثلث والنقب دون ان نسال عن الساحل المختلط في يافا وحيفا وعكا وغيرها ام نريد دولة للضفة الغربية المعزولة والتي تتعرض يوميا لقضم ارضها بالاستيطان والطرق الالتفافية والمناطق العسكرية ام نريد دولة لغزة المحاصرة من كل جهة والتي تتعرض لأبشع انواع البطش بعد ان وقعت تحت خمسة حروب عدوانية مدمرة دون ان يكترث احد على الاطلاق بحال اهلها الا بالإغاثة الغذائية والعلاجية ام دولة للاجئين الذين لم يعد يتذكرهم احد حتى باتوا نسيا منسيا وكل ما يناضل له البعض هو الابقاء على الاونروا لتقديم الاغاثة والعون لهم ام دولة للقدس التي تتعرض للتهويد ليل نهار اما سمع وبصر العالم كله. 

هذه هي صورة الوضع الفلسطيني الحالي انقسام بين غزة والضفة وتحييد وتأجيل للقدس واللاجئين وعديد القضايا الرئيسية والمهمة الأخرى عدا القدس باعتبارها حالة خاصة قبلنا بذلك في اتفاقيات اوسلو ووضع كارثي لفلسطينيي الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م الذين يتعرضون لضغط الاحتلال وعنصريته ولجريمة منظمة لا ترحم  وكذا فلسطينيي الخارج من اللاجئين الذين باتت الهجرة الى دول اوروبا هي الحلم الوحيد لهم بعد ان ابعدت اتفاقيات اوسلو واداء المفاوض الفلسطيني حلم العودة الى الوراء كثيرا على ما يبدو ولا زلنا نتحدث عن دولتين لشعبين دون ان ندري عن أي شعبين يدور الحدبث او عن أي ارضين يدور الحديث ان كان من الضرورة ان يكون للدولة ارض واسرائيل تحاول ان لا تبقي لنا حتى بيوتنا كما هو الحال في القدس ولا اشجارنا وترابنا كما هو الحال في الضفة الغربية ولا ناسنا كما هو الحال في الاراضي المحتلة عام 1948م والى جانب كل ذلك حركة الاستيطان النشطة والخطرة والمتواصلة والتي تعاظمت مرات ومرات منذ اتفاق اوسلو حتى اليوم. 

اسرائيل ايضا بحالة فصام عجيب لم تكن فيه يوما من الايام فهي من جانب تسعى للإبقاء على صورتها الديمقراطية وبنفس الوقت تعلن عنصريتها عبر قانون القومية ولا تعترف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في حين تطالبه علنا بالاعتراف بيهوديتها بعد ان تمكنت من الحول على اعتراف قيادته الشرعية بوجودها وبحها في ارض فلسطين المغتصبة دون ان تقدم أي تنازل من جهتها لصالح الشعب الفلسطيني ولو وهما سوى شعار فارغ من محتواه عن دولتين لشعبين وكذا يبدو المشهد السياسي اكثر فوضى فلم تعد صورة الحزبين الكبيرين قائمة كما كان الحال في الليكود والعمل وتخضع دولة الاحتلال بأسرها لرئيس حكومة متهم بالفساد ويحرص على بقاءه في الحكومة باي ثمن وهو يذكر العالم بحليفه السابق دونالد ترامب وبات التشكيك بجدوى وجودها يطال المتنورين من ابناءها والمتشددين يشكلون عقبة امام تطورها وقدرتها على الابقاء على العلمانية مع الاحتفاظ برضى المتدينين المتشددين واصبحت الحكومات المتعاقبة اسيرة لليمين الدين المتطرف. 

اذن الحال في الطرفين لا يبدو ايجابيا فإسرائيل ترغب بيهوديتها لتتخلص من ما يقارب ربع سكانها من الفلسطينيين دون ان تتنازل عن شبر واحد من الارض وكذا التخلص من العبء البشري في الضفة الغربية مع الابقاء على اكبر مساحة من الارض والتخلص من تهديدات غزة دون التنازل لحقوق الشعب ولا لطلبات المقاومة ودون ان تظهر كدولة عنصرية من جانب ولا كدولة ضعيفة رضخت لصواريخ جيب صغير وضعيف كقطاع غزة وفي الحرب الاخيرة مع غزة ادركت اسرائيل حقائق خطيرة لا يمكن القفز عنها وهي: 

  • ان المقاومة في غزة هي التي بادرت الى الحرب هذه المرة ومعنى ذلك ان اسرائيل لم تعد تملك ما يكفي من قوة الردع تجاه المقاومة التي بات بإمكانها ان تبادر للفعل بعد ان كانت مرهونة برد الفعل وهو تطور فاجأ إسرائيل والعالم. 
  • ان الحرب التي اعلنتها المقاومة وكشفت عن مدى التقدم في قدراتها خلال سبع سنوات منذ حرب 2014 دليل على ان هذه المقاومة قادرة على التطور بشكل متسارع وكبير وبالتالي لا يمكن لإسرائيل ولا لغيرها التكهن بمدى قوة وحجم الخطر القادم الذي ستشكله عليها المقاومة الفلسطينية بعد سبع سنوات جديدة مثلا. 
  • الخطر الذي كشفته حرب 2021 مع غزة هي ان اسرائيل لا يمكنها ولا باي حال من الاحوال ادارة الظهر للعالم وابادة غزة كطريق وحيد للتخلص من خطر المقاومة هناك فقد لمست اثناء حربها الاخيرة 2021حجم التعاطف الدولي والمتغيرات التي حصلت خلال 11 يوم من الحرب بمعنى ان معادلة حرب 2014 قد انتهت وان التعاطي مع قضايا غزة بات مهمة المجتمع الدولي الذي لن يقبل بمواصلة اسرائيل خنق غزة والتنكر لأبسط حقوق البشر وهو ما اوصل غزة الى قناعة تامة بان قضاياها المطلبية مرهونة بقضايا فلسطين الوطنية وذلك ما جعل المقاومة تصر على تطورها وتطوير قدراتها حد الهجوم بدل الرد وهو تطور خطير في الحروب العسكرية ونتائجها السياسية فيما بعد. 
  • الخطر الآخر جاء من عمق دولة الاحتلال وهو من الفلسطينيين الذين يحملون جنسيتها وهم ليسوا ضعفاء فعددهم يكفي لخلخلة اركان دولة الاحتلال ان تطورت في اوساطهم حركات مناهضة لوجود الاحتلال وهي اكتشفت حجم التهديد الذي يشكله هؤلاء على يهوديتها اولا وعلى استقرارها وامنها اكثر وبالتالي بات لزاما عليها ان تجد حلا لذلك بعد ان فاجئها الامر بما كان كافيا ليقول رئيس دولة الاحتلال للعرب ان هذا وطنكم وهي لغة حرص الاحتلال دوما على عدم الاقتراب منها وكان يكتفي بتسمية الشعب الفلسطيني بالسكان وليس المواطنين. 
  • وخطر اكبر جاء من دول المحيط وهو حجم الاستعداد لدى الجماهير العربية اولا للتحرك لصالح فلسطين بما في ذلك محاولات الوصول من الاردن ولبنان وامكانية ان يصبح ذلك ظاهرة لا يمكن مقاومتها ولا يرغب احد بمقاومتها كما هو الحال مع الاردن التي اعلنت رسميا ان هذه المسيرات تمثل وجهة نظر الحكومة الاردنية وبالتأكيد فان ذلك يعني تبني القصر لذلك وبقوة وهو الذي يرى تهديدا مباشرا من الاحتلال للالتفاف على ولايته الشرعية على القدس. 
  • هناك اطراف اخطر على اسرائيل ايضا تتكون من ايران وحزب الله والحوثيين وقد يمتد الامر الى دول اسلامية ترى في المقاومة كمدافعة عن الاقصى والقدس ما يستحق الدعم وهذا يعني ان اسرائيل ان واصلت غيها ستجد نفسها خارج معادلة الارض فحجم المصالح الامريكية والصينية والروسية والاوروبية مع العرب والمسلمين تمنعهم من مواصلة حماية اسرائيل وهي تدير ظهرها لكل حاجات وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية اولا وقبل كل شيء. 
  • اخطار بعيدة ولكنها ممكنة اعتقد ان المحللين الاستراتيجيين في اسرائيل لم يغفلوها فمعنى التحول الى حرب دينية في المنطقة هو الانتقال الى حرب عالمية لان اطراف هذه الحرب ستصبح المجبرة حفاظا على وجودها عبر الاستجابة لإرادة جماهيرها كدول مثل تركيا وايران وباكستان واندونيسيا وبنغلادش وافغانستان وأوزبكستان والنيجر ومالي والسنغال وغينيا واذربيجان وطاجيكستان ودول اخرى يشكل المسلمون فيها نسبة تمنع احد من ادارة الظهر لهم كالهند وماليزيا والبانيا وكازاخستان وسيراليون الى جانب ان المسلمين موجودين كأقليات في كل بقاع الارض وقد يشكلون قلقا حقيقيا ان ارادوا ذلك للجميع بلا استثناء.  

لقد قلت اكثر من مرة وفي عدة مقالات ان صانعي الحرب والسلام في العالم ليست الدول ولا الساسة الذين يعملون كأجيرين عند اصحاب راس المال وفي المقدمة منهم صانعي السلاح وادوات الحرب وان تطوير القبة الحديدية كسلعة مشتركة بين امريكا واسرائيل اهم الف مرة من ارواح الفلسطينيين والاسرائيليين ايضا ولذا لم يخجل وزير خارجية الولايات المتحدة في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو من التركيز على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في تطوير سلاح القبة الحديدية التي كانت حرب غزة بالنسبة للولايات المتحدة فرصة لتجريبه لصالح تطويره لرفع حجم مبيعاتهم المشتركة منه وبالتالي فان اسرائيل وعبر حلفائها وفي المقدمة الدولة الامبريالية الاولى سيسعون لتجريد الشعب الفلسطيني من نصرهم بدل الانتقال للبحث في جذور الصراع والوصول الى تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني سيسعون الى التحول لحلول ومشاريع اقتصادية هزيلة عبر التباكي على المعاناة الانسانية لسكان غزة والسعي لإعماره باستبعاد حماس والمقاومة وفي احسن الاحوال قد يدور الحديث عن حماية دولية وقوات طوارئ في القطاع ستلغي كليا اية فرصة لتطوير المقاومة ان سمح لها بالانتشار في القطاع او سمح لبعض الجهات الدولية بالإمساك بموضوع الاعمار في غزة وهو ما ستسعى له كل القوى المعادية للشعب الفلسطيني وحقوقه بعد ان اردك شعبنا ان شعار الدولتين هو شعار سخيف لا اساس له على الارض وان الجميع يدرك ان لا احد يرغب به وانه غير قادر على الحياة على الارض بعد ان مضى عقود على رفعه دون معنى وان فلسطين ارض لا تحتمل الحدود جغرافيا وديمغرافيا ولا باي حال من الاحوال. 

ولا بد هنا من السيناريوهات المحتملة التي ستسعى اسرائيل وامريكا وحلفائهم للعمل بها للالتفاف على نصر المقاومة الفلسطينية وتحويله الى هزيمة بشعه وهذه الاحتمالات التي سيعملون على بعضها او جميعها هي ما يلي: 

  • ايجاد السبل والادوات لتعميق الانقسام الفلسطيني بما يضمن انتهاء اية فرص لوحدة الارض والشعب في الضفة وغزة. 
  • ستواصل اسرائيل عمليات تهويد القدس بما يضمن عزل البلدة القديمة والاماكن المقدسة عن أي تواصل مع تجمعات فلسطينية وان كانت ستتباطأ في فعل ذلك بعد حرب ايار. 
  • افراغ المنطقة المقدسة قدر الامكان من سكانها العرب وتحويلها الى منطقة دينية فقط بحيث يصبح التنازل عنها يأتي فقط كتنازل عن ادارتها بما يشبه منح شركة ما ادارة مشروع تملكه اسرائيل. 
  • الذهاب الى المطالبة الانسانية بقوات دولية مسلحة شعار وجودها في غزة حماية المدنيين وتسهيل مهمة اعادة الاعمار ومهمتها الحقيقية منع اية امكانية للمقاومة لتطوير قدراتها ومعاودة الحرب من جديد. 
  • اغراء المقاومة في غزة بقبول الانخراط بصفقة سياسية بعيدا عن السلطة الفلسطينية تعطي غزة دولة مستقلة بحماية دولية ليتخلص العالم من شعار دولتين لشعبين مع الابقاء على مشروع تدمير وتقسيم الضفة الغربية لكانتونات حكم ذاتي لا ارتباط بينها وقد يسعون لتطبيق الاخيرة ليسهل عليهم اقناع حماس بقبول ذلك ان تحطمت السلطة في الضفة الغربية وستصبح قضية القدس قضية دينية فقط 

لقد آن الأوان للفلسطينيين ان يغيروا عدتهم الصدئة وان يعلنوا رفضهم لدولتين لشعبين وان يعودوا من جديد الى شعارهم التاريخي ان فلسطين التاريخية واحدة موحدة لا تقبل التجزئة وان التفاوض الوحيد الممكن هو اليات واشكال تحقيق وحدة الارض الفلسطينية عمليا واعتبار ذلك اكبر تنازل فلسطيني ممكن وان يتوقفوا عن الرفض السلبي للمشاريع والافكار وان لا يكون مبدأ التنازل المتواصل من جانب واحد هو طابع السياسة الفلسطينية فعلى قاعدة ان فلسطين التاريخية واحدة موحدة يمكن التفاوض على قدم المساواة لتحقيق ذلك وليس أقل من ذلك ولا باي حال من الاحوال اما الافراط في تقديم تنازلات الحكماء الفارغة عن الحقوق من جانب واحج لصالح ايجاد حل على حساب شعبنا فهي حكاية اثبتت تطورات الاحداث سخافتها وعدم جدواها الا لخدمة المشروع الصهيوني التوسعي. 

لقد حقق الحادي عشر من ايار 2021 مبدأ الثورة الاساسي والقائم على قاعدة اللحظة التي يصبح فيها المحتل او الظالم  أيا كان غير قادر على مواصلة ظلمه واحتلاله وجبروته ويصبح الشعب غير مستعد لقبول الحال وهنا تأتي مهمة القيادة في التقاط اللحظة وانجاز الحل بالانتقال الى حال يجري فيها نفي الظلم وانهاء الاحتلال وتحقيق الحرية للشعب والارض ومن هنا تأتي اهمية ايجاد بدائل لتقسيم فلسطين الى بدائل توحيدها بما يضمن الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات للجميع على ارض فلسطين التاريخية وهذا يعني انه لا بد من تحديد الحقوق التي لا يمكن لاحد التنازل عنها والقائمة على مبدأ ان الفلسطينيين هم اصحاب الارض الحقيقيين وفيما عدا ذلك فهو تنازل مهما كان صغيرا وبتالي فان علينا ان ندرك المشاعر والاحلام الوطنية لكل المعنيين بأمر فلسطين التاريخية والدينية واطراف ذلك ثلاثة الفلسطينيون واليهود والاردن. 

الفلسطينيون: لقد تعرض الشعب الفلسطيني منذ نهاية الحرب الاستعمارية الاولى وحتى اليوم لكل اشكال الاضطهاد والقمع من نهب ارضه وتشريده وإخضاعه لطروف مختلفة واحيانا متناقضة وتقسيم ارضه الى مناطق متفرقة كما هو الحال في الضفة وغزة والجليل والمثلث والنقب والساحل وحرصت القوى الداعمة لإسرائيل على منع قيام دولة وطنية فلسطينية مستقلة عبر جعل ذلك امرا مستحيلا عبر التقسيم الجيو- سياسي للمناطق المختلفة وبذا حاولوا جعل طموحات ومطالب الشعب الفلسطيني مختلفة ومتفاوتة ان لم تكن متناقضة احيانا ففي حين بات هم غزة كسر الحصار وهم الضفة الغربية التخلص من ارهاب المستوطنين وقمع جيش الاحتلال وفتح الحدود للعمال والاسواق وهم القدس التخلص من التهويد والاقتلاع وهم الفلسطينيون الذين يعيشون تحت سلطة دولة اسرائيل الى الحصول على المساواة وحق المواطنة الكامل ووقف كل اشكال التمييز العنصري الصهيوني ضدهم بكل الاشكال وكذا التخلص من الهم اليومي المتنامي وهو تفشي حالة الجريمة المنظمة وافة المخدرات التي يرى الفلسطينيون ان الاحتلال سعى جاهدا الى تفشي ذلك وانتشاره وامتنع عن محاربته لأهداف سياسية تصل حد السعي الى التخلص من المواطنين الفلسطينيين عبر تشجيعهم على الهجرة بواسطة تنغيص حياتهم الى جانب ذلك فقد اكتشف الشعب الفلسطيني عبر تطورات الحرب وما رافقها من حراكات في كل جهات الارض ان امكانيات هذا الشعب وقدراته اكبر بكثير مما كان يعتقد او ما حاولت قيادته ايصاله اليه عبر تمسكها بالحلول السلمية. 

اليهود: استطاعت الحركة الصهيونية ان تنقل العقل اليهودي من عقدة الخوف من الآخر التي عاشها عبر قرون في اوروبا انتهاء بالمحرقة النازية الى تركيز هذا الخوف من العرب والمسلمين وقادت الحركة الصهيونية ابناء جلدتها الى التقوقع واعادة فعل الاضطهاد الذي تعرضوا له ضد الشعب الفلسطيني ومع ذلك فان تركيبة المجتمع اليهودي لا تشير الى عنصرية حقيقية بعيدا عن الطغمة الصهيونية المسيطرة والمكونة من الرأسماليين اليهود وجنرالات الجيش وقد جاءت انتخابات الكنيست الاخيرة كما غيرها لتؤكد ذلك فقد شارك في التصويت لانتخابات الكنيست عام 2021 والتي شارك بها ما نسبته 67% فقط رغم حالة التجاذب المتصاعدة بين الاحزاب المشاركة وباستثناء الصوت العربي الفلسطيني يبقى حوالي 60% من اليهود وهذا يعني ان هناك 40% من اليهود لا تعنيهم ابدا السياسة الصهيونية ولا موضوعة دولة اسرائيل يهودية او علمانية او غير ذلك وهم اذن خارج الفكر العنصري الصهيوني واذا اضفنا اليهم نصف المصوتين لليسار والوسط فان اليمينيين المتطرفين يتحولون الى الية واقلية بسيطة جدا لا تتجاوز في احسن احوالها ربع السكان وذلك يعني ان الغالبية العظمى من اليهود لا ينتمون للصهيونية الدينية او اليمينية السياسية المتطرفة التي تمتطي الدين لتحقيق شعاراتها خدمة للدول الامبريالية صانعة المأساة اليهودية على مر التاريخ والتي لا زالت تسعى وتحاول الى تحويل الامر هذا ضد العرب والمسلمين وفي المقدمة الشعب الفلسطيني وبالتالي فان طموح اليهودي البسيط هو العيش بسلام وامناء وقد منعه التاريخ العميق لظلمه من الثقة بأحد من غير اليهود وهو من جرب كل اشكال الظلم والاضطهاد على يد الامبريالية الغربية ممثلة بدول اوروبا وسلطة الكنيسة الغربية وقد جعلت الحرب الأخيرة ايار 2021 اليهود وصانع القرار في المؤسسة الصهيونية ان الامور لم تكن كما كانوا يعتقدون وان الاحداث فرضت حقائق كانت مغيبة عنهم على ما يبدو بل وحتى عن المراقبين وهي ان الشعب الفلسطيني موحد في كل اماكن تواجده وان هناك تضامن شعبي عربي لا يمكن مواجهته وان شعوب العالم قد ضجت بالاحتلال والقمع المتواصل للشعب الفلسطيني وانتهاك حقوقه بكل الاشكال وقد اكتشفت ان احدا لا يمكن ان يمنع ملايين الجماهير الغاضبة من الزحف الى فلسطين من بغداد وعمان وبيروت ودمشق وعديد الدول الاخرى بما في ذلك مسلمين غاضبين حول العالم ومناضلين يؤمنون حقا بحرية وحقوق الشعوب وقد تأكد اليهودي الفرد ببساطة انه غير قادر على العيش بسلام ما دام يصادر حقوق الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده وقد رأى ذلك جيدا في اغلاق شارع القدس تل ابيب والاشتباكات في المدن المختلطة وكذا العمليات الفردية في الضفة الغربية والاشتباكات اليومية على خطوط التماس في كل المدن والانشطة اليومية للمقدسيين ضد الاحتلال وجنوده ومستوطنيه وهو ما جعلهم ان كل مستوكن اسرائيلي بحاجة لجيب عسكري ودورية عسكرية لحمايته. 

الأردن: الجميع يدرك ويحترم العلاقة العاطفية والوطنية والقومية والدينية بين الاردن والاسرة الهاشمية والقدس وطوال عقود ظل الاردن يعتبر القدس قضيته الاولى وفي سبيل ذلك حرصت الاردن على مواصلة حماية القدس وتقديم الدعم لها بكل الاحوال وتحت كل الظروف وقد اعترف الفلسطينيون اولا بدور الاردن في القدس باتفاق رسمي اردني فلسطيني وكذا اعترفت اسرائيل والتزمت بذلك باتفاقية وادي عربة وبالتالي فان لا احد ينكر اهمية الدور الاردني الهاشمي في القدس وهذا يعني ان اعطاء المدينة المقدسة مكانة خاصة برعاية اردنية هاشمية لن تجد معارضة من جهة الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمجتمع الدولي ولا تستطيع اسرائيل الوقوف في وجه الجميع خصوصا مع احترام حرية العبادة للجميع بلا استثناء. 

بناء على ما تقدم فان السيناريو الذي اراه ممكنا كاجتهاد فردي كبديل لكل السيناريوهات التي سبق وان وضعت على الطاولة بدءا من الكتاب الابيض وانتهاء بأوسلو وما بينهما والذي يضمن طموحات وامن وسلام الجميع الى حد بعيد هو اقامة ثلاث دول مستقلة بحدود مفتوحة هي فلسطين والاردن واسرائيل بحيث تحتفظ كل دولة على حدة باستقلالها التام وتكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية والقدس الغربية عاصمة الدولة الاسرائيلية وعمان عاصمة المملكة الاردنية ويحتفظ الملك بحق تعيين راعي القدس الدينية كأن يكون عرفا ولي عهده وتصبح القدس المقدسة مقر اقامته كمدينة دينية مفتوحة امام اتباع جميع الاديان والزوار بدون شروط وتحتفظ قوة حفظ امن مشتركة تخضع لسلطة راعي القدس  بإدارة الشؤون الامنية داخل المدينة المقدسة مع وجود وتقيم الدول الثلاث ادارة مشتركة منتخبة ثلاثيا تحاكي تجربة الاتحاد الاوروبي لإدارة الشؤون المشتركة بين الدول الثلاث دون الانتقاص من سيادة أي منها وحسب اتفاق ترعاه وتحميه الامم المتحدة. 

ان على الشعب الفلسطيني ان يتذكر جيدا انه وعلى مدى العقود الماضية ومنذ نهاية الحرب الاستعمارية الاولى وفرض الانتداب على فلسطين وظهور وعد بلفور ومشروع الوطن القومي لليهود في فلسطين اننا ظللنا حتى الان غير قادرين على منع تحقيق المشاريع التي رفضناها وغير قادرين على فرض ما اردناه او قبلنا به وحتى في أسوأها وهو اتفاق اوسلو للحكم الذاتي الفلسطيني الذي تمكنت اسرائيل من شطب أي محتوى يستجيب لأبسط الحقوق الانسانية للشعب الفلسطيني كبشر 

ان حالة مراوحة المكان والزمان التي نعيشها رغم التغيرات المتواصلة على المكان والذي تحوله اسرائيل وحلفائها الى حقائق على الارض بما يكفل تغيير خارطة المكان ديمغرافيا وسياسيا وعلى كل الاصعدة وكذا تطورات العالم سياسيا وانشغالاته في عديد القضايا التي تخصه مجتمعا ومنفردا ولا زلنا نذكر حجم انشغال العالم العربي عن القضية الفلسطينية بأحداث ما يسمى بالربيع العربي وكذا انشغال العالم بجائحة كورونا وعديد المسائل الاخرى جعل من القضية الفلسطينية تذهب الى ثلاجات التجميد ولولا الحادي عشر من ايار 2021 لكنا لا زلنا على نفس حالنا وبالتالي فان من الجريمة تغييب لحظة الانتصار هذه والتي جعلت من قضية فلسطين قضية حية في كل جهات الارض والعودة الى ما كنا عليه قبل تاريخ النصر هذا وأيا كانت محاولات البعض تغييب فعل الانتصار وتحويله الى هزيمة فان الحقيقة لا يمكن تغطيتها بغطاء من الثقوب.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى