القصيدةُ الدينية.. ظهورها وتطورها!

صبري الموجي|رئيس التحرير التنفيذي لجريدة (عالم الثقافة)

هى كلماتٌ ذات طابع ديني وأخلاقي، تخلو من الفحش والابتذال، وتحضُ على مكارم الأخلاق، وبر الوالدين ومدح النبي، وخلافه من الأغراض .. إنها القصيدة الدينية التي مرت بتاريخ طويل لتصل إلى شكلها الحالي.

عن بداية ظهور تلك القصيدة ومراحل تطورها، يؤكد الشاعر على عمران مدير متحف  طه حسين  “رامتان” أنها ظهرت قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خاصة في مواسم الحج، حيث كانت هناك قبيلةٌ يمنية تسمى (عك)، اعتادت أن يتقدم صفوف حجيجها عبدان أسودان يُعرفان بـ (الغرابين الأسودين)، ينشدان : نحن غُرابا عكْ عكْ .. فترد القبيلة: عكٌ إليك عانية، عبادك اليمانية، لكي تحج الثانية،  نحن غرابا عَكْ.

وأضاف عمران : وبعد بعثة النبي صلي الله عليه وسلم، أخذت القصيدةُ الدينية شكلا آخر حيث تغنت النساءُ بمحاسن النبي وأخلاقه، فأنشدت نسوةٌ من بني النجار: يا حبذا محمد من جار، ثم انتشرت الأغنيةُ الدينية في عهد الفتوحات الإسلامية، وبلغت أوج ازدهارها في العصر الفاطمي، حيث ابتدع الفاطميون الاحتفال بالمناسبات الدينية كيوم عاشوراء، والموالد، وكان لتلك المناسبات أغان وأناشيدُ، أسهمت في ازدهار الأغنية الدينية، ورواج سوقها.

وأكد عمران : كما كان لظهور الطرق الصوفية والطريقة “المولاوية” الأثرُ الأكبرُ في رواج تلك الأغنية وانتشارها خاصة في الموالد والأعياد، وذلك بسبب اعتقاد المتصوفة أن الموسيقى هي سلمُ الوصول إلى الله، والطريقُ الصحيح للعبادة، ومن ثم كان لكل طريقة نشيدُها الخاص الذي يُميزها.

واختتم عمران: وقد بلغت الأغنية الدينية قمة نُضجها في العصر الحديث على يد كوكب الشرق أم كلثوم، التي غنت لكبار الكتاب كـ (شوقى وبيرم) ، ولحن لها كبارُ الملحنين كـ(السنباطى) ، ومن تلك القصائد قصيدة (سلوا قلبى) لأمير الشعراء شوقى، والتى يقول مطلعها:

 سلوا قلبى غداة سلا وتابا.. لعلّ على الجمال له عتابا.

حيث أكد عمران أنها قصيدةٌ تُعبر عن معنى وطني، وتحث على استنهاض الأمة عقب الحرب العالمية الثانية.

ومن ناحيتها ألقت الشاعرة د. شرين العدوى عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة الضوء علي بعض القصائد الدينية، مشيرة إلي أن قصيدة ( القلب يعشق كل جميل) للشاعر بيرم التونسي تُعتبر من القصائد الدينية الرائعة التي تقترب من شعر الفصحى رغم أنها كُتبت باللهجة العامية المصرية.

وأضافت د. شرين: ويتجلى جمال تلك القصيدة في أنها تُعبر عن تجربة شعرية زاخرة بالروحانيات، إذ تُصور رحلة  إلى  الأراضي الحجازية، حيث البقاع المباركة، والحجيج الذين يأتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات.

وعن تحليل تلك القصيدة –  تقول د. شرين – إن الرحلة فيها تتكون من عدة مراحل : الأولى وتُعد تقديما مُفتتحا للمشهد الشعري الذي يُقدمه لنا الشاعر، يستهله بقوله : القلب يعشق كل جميل .. وياما شفت جمال ياعين، ويستمر إلى أن يقول: دعاني لبيته لحد باب بيته، وبالتأمل في هذا المُفتتح نجد أن الشاعر قد بناه بناء شعريا يستمدُ مُعجمه من معين العشق والجمال والهوى والوصال، وما يعتمد عليه من معاني الصدق.

وأشارت د. شرين إلى أن الشاعر بيرم التونسى بدأ  مُفتتحه بالعام المُطلق، ويمثله البيتان الأولان، وانتقل به إلى الخاص المُحدد. فالبيتان الأولان يُمثلان هذا العام المطلق، حيث يُبرزان أن من شأن القلب البشرى أن يعشق كل جميل، وأن العين كثيرا ما أبصرت هذا الجمال، الذي فُطر عليه الكون، وما إن يُدرك المُتلقي هذا المعنى ويستقر في وجدانه، حتى يأتي البيت الثالث في تحول ملحوظ : والّلي هويته في يوم.. دايم وصاله دوم، فكأنه يستدركُ على هذا المعنى العام السابق بهذا المعنى شديد الخصوصية، إذ انتقل بنا الشاعر نقلة تضعنا في قلب التجربة ، حيث يتحدث عن محبوب بعينه ومعشوقٍ بذاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى