قصة كاذبة عن تطور المخلوق الطبيعي إلى شيء آخر

د. خضر محجز | غزة – فلسطين

إضاءة:

يقول بيير دانييل هوايت: “إن الروايات لها أن تكون خاطئة، ولو برمتها، إن جملة أو تفصيلاً. ويرجع أصل الرواية إلى العرب، بوجه خاص، لأنهم جنس موهوب في الكذب”.

لقد خلق الله الكائن العربي كباقي البشر، محباً لما حوله، مستغرباً ما لا يعلم، ساعياً نحو تعلّم ما يفيده وما حوله. وهو يعلم من أبويه منذ البدء أنه مسلم، وأن محمداً ــ صلى الله عليه وسلم ــ هو خير ما أنجب هذا العالم من الأشياء، وأن الله سبحانه وتعالى أعظم من محمد، بدليل أنه هو من خلقه وأرسله.

فإن كان فلسطينياً، فسيعلم من والديه كذلك، بأن أبغض شيء خلقه الله ليس الشيطان، بل اليهود، بدليل أن الشيطان لم يكن هو الذي أخرجهم، مع كل الجيران، من بلادهم  المزدحمة بخيرات لا يمكن تصورها حتى في الجنة، بل إن اليهود هم من فعل ذلك، واليهود بالمناسبة هم مخلوقات قادمة من بلاد بعيدة، طردهم أهلوها لطول خياناتهم وتنوعها، بحيث لم يعد من الممكن التعايش معهم.

حين يذهب الفلسطيني إلى المدرسة، يضربه معلم وكالة الغوث، الذي ــ يقبض مرتبه بالدولار ــ بقسوة، ليتمكن من الاقتناع بضرورة أن يخترع أبوه طريقة، للحصول على ثمن الكراسات المتعددة المطلوبة، المجلدة جيداً. وإذ يفشل الأب في إنجاز الاختراع بالصورة المطلوبة، يبدأ الولد بالاقتناع بأن أباه مخطئ، لأن المعلم لا يمكن أن يكون مخطئاً.

حين يكبر الولد قليلاً، يلتقطه شيخ فاضل، بقدر ما يمكن لشيخ ان يكون فاضلاً، يقنعه بأن من الضروري له أن يتعلم قراءة القرآن بالأحكام، فيطلب من أبيه ذلك، فيسمح له بالذهاب إلى المسجد كل يوم بعد العصر. فيتعلم هناك قبل الأحكام، أن الصلاة لا يقبلها الله بغير قراءة القرآن بالأحكام. ومن ثم يبدأ الولد يدرك كم كانت صلاة أبيه فاسدة، لأن الشيخ ــ الذي لا يعلم إلا الله من أين يقبض ثمن تعبه هذا ــ لا يمكن أن يكون مخطئاً.

حين يكبر الولد قليلاً، فيبلغ مرحلة الدراسة الثانوية، يقنعه الشيخ بأن الدعوة إلى الله فرض على كل مسلم. وبما أنه الآن أصبح مسلماً حقيقياً، فإن عليه أن يدعو إلى الله في مدرسته، لكي لا يكون مثل هؤلاء المخلوقات من حوله، الذين هم كالأنعام بل أضل سبيلاً، لأنهم لا يعرفون الحكمة الإلهية من خلقهم، بدليل أنهم يفضلون الذهاب إلى العمل لكسب الرزق، المضمون في السماء، على التفرغ للدعوة إلى الله، التي لا يستقيم حال المسلم دونها. وهنا يدرك الفتى كم كان أبوه ضالاً، لأن الشيخ لا يمكن أن يكون مخطئاً.

يبلغ الفتى سن المراهقة، ويصبح صوته خشناً، فلا يعرف كيف صفعه أبوه على وجهه، لمجرد أنه دعاه إلى الخروج من الكفر إلى الإيمان. فيشكو الفتى للشيخ ــ الذي صار شيخ الإسلام ــ فيقنعه الشيخ بضرورة التعامل بالحسنى مع الوالدين، في الدنيا، وإن كانا كافرين. لكن القلوب التي هي بين إصبعين من أصابع الرحمن، لا يمكنها ــ وقد هداها الرحمن ــ أن تحب الكافرين!. فكيف يعامل والديه الكافرين، بما لا يشعر به من الحب؟ هنا يقول له شيخ الإسلام: “عليك أن تجاهد قلبك، ليبدي وجهُك عكس ما عليه قلبك”. وهكذا يتعلم الفتى أن النفاق ليس شراً محضاً، لأن شيخ الإسلام لا يمكن أن يكون مخطئاً.

تتدنى درجات تحصيل الفتى في الثانوية، فيتخرج بالكاد بمعدل 60%، فلا تقبله من الكليات سوى كلية الشريعة. ولأنه يعلم أن أباه لا يستطيع دفع رسوم الجامعة، فإنه يستنصح شيخ الإسلام فيما يفعل، فيقنعه شيخ الإسلام بدخول كلية الشريعة، لأنها تُعلّم الدين مجاناً. ويؤكد له أنه سيبذل في ذلك جهده، ليتم تأمين قبوله، وتأمين نجاحه لدى الدكتور (الأخ).

في الجامعة يكتشف الفتى أن الدكتور (الأخ) ليس أكثر علماً منه. لكن شيخ الإسلام في المسجد يقنعه بأن “واحداً زائد واحد لا يساوي دائما اثنين”. فيبتهج الفتى بعلوم الميتافيزيقا، ويدرك كم كان أبوه جاهلاً في علوم الميتافيزيقا، لأنه لا يعلم أن “واحداً زائد واحد لا يساوي دائماً اثنين”، لأن شيخ الإسلام لا يمكن أن يكون مخطئاً.

يتخرج الفتى في كلية الشريعة بتقدير مقبول. فيبحث عن وظيفة فلا يجدها ــ فمن هو الذي في حاجة إلى مشايخ بعد أن أصبحوا مثل عدد النمل! ــ فيقرر الفتى أن يلتحق بالدراسات العليا. فيكلم في ذلك شيخ الإسلام، فيشرح له شيخ الإسلام قانون الرياضيات، القائل بأن الدراسات العيا تحتاج إلى مصاريف ورسوم، لا يتمكن أبوه من تدبيرها. ثم يردف بأن عليه ألا يقلق في هذا الموضوع. ولكي يؤمن له الشيخُ المطلوبَ، فإن عليه أن يسجل اسمه في الحزب، الذي أسسه الله قبل حوالي تسعين عاماً، وفيه سوف يتلقى المعونة من الله، لأن الله لا يترك أعضاء حزبه هملاً، كما فعل أبوه. فيقبل الولد الانخراط في حزب السماء، ويكتشف منذ تلك اللحظة أنه ولي من أولياء الله، بإمكانه أن يحتقر هذا العدد الهائل من الأنعام، التي ترى أنفسها بشراً. ولا شك أن أباه هو أولى هؤلاء بالاحتقار، لأنه سيتركه يسافر دون أن يوفر له الأموال، التي وفرها شيخ الإسلام الذي لا يمكن أن يكون مخطئاً.

يصل الفتى الدولة الإسلامية التي تخرج المشايخ بوفرة، ويتلقفه هناك (أخوته في الله)، ويعرفونه على الدكتور الذي هو (أخوه في الله) كذلك، ويزكونه لديه أخا مجاهدا لا يتمكن من مطالعة المقرر، لشدة حزنه على أبويه وأخويه الشهداء في القصف اليهودي. فيقرر الدكتور أن يتسامح معه، ويخرجه ــ بعد ثلاث سنوات من جمع الأموال في المساجد ــ فيعود الفتى إلى بلاده يحمل شهادة الدكتوراه. ويقدم شهادته للجامعة، فتوظفه بعد أن يقدم قبلها توصية شيخ الإسلام. ويصبح دكتوراً يفتي في الدين بطريقة تزري بسعيد بن المسيب وفقهاء المدينة السبعة. وعند هذا الحد يدرك أبوه فعلاً أنه كان ضالاً طوال الوقت، ويندم على أنه صفع ابنه (الدكتور) ذات مرة، ويعبر عن ندمه بتسجيل اسمه في الحزب السماوي، ويتوسط له ولده ليحصل على الكوبونات. وعند هذا الحد يتأكد للجميع أن شيخ الإسلام لا يمكن أن يكون مخطئاً.

ترتدي أمه وأخواته النقاب، ويتمهل الأب في إطلاق لحيته، لأنه يرى نفسه بشعاً في المرآة معها. لكن ضغط الأم يقنعه ــ خصوصاً ولم تعد لديه وسائل أقناع كانت متوفرة في الماضي ــ فيطلق لحيته، ويشهر المسواك. ويتأكد من ثم أن شيخ الإسلام لا يمكن أن يكون مخطئاً.

يبدأ الدكتور ــ وقد شعر بأن الوفرة تتيح التفكير ــ في تأمل أحوال المسلمين، خلال تناوله الفواكه المزروعة في بيت لاهيا، والمحقونة بالأدوية التي تسبب السرطان؛ فيتأكد لديه بأن اليهود سلالة حيوانية، ليست من نسل آدم، بل من نسل القردة والخنازير. ويبدأ العمل لتصحيح الخطأ التاريخي، الناتج عن فعل السلالة الملعونة، التي تسكن الآن حول بيت المقدس. فيقرر أن أفضل طريقة لذلك، هي إعادة إنتاج صلاح الدين. فشيخ الإسلام ـ الذي لا يني يطالب صلاح الدين بالقيام من القبر يومياً ــ لا يمكن أن يكون مخطئاً.

لكن الدكتور يكتشف بأنه مطالب بالعودة إلى الاجتماع الأسبوعي، في أسرة يرأسها شيخ الإسلام، الذي صار يراه الآن قادراً على الخطأ، وإن لم يخطئ بعد. لكن الملل من الطاعة المستمرة منذ سنوات يفعل فعله في الدكتور، ويبدأ في التفكير في أنه قد حان الوقت ليصبح مطاعاً بعد أن كان مطيعاً ــ فلا شك أنه قد حان وقت الشكر بعد انقضاء وقت الصبر ــ لكن شيخ الإسلام لا يقبل بتحويل الدكتور من مرتبة “الصبر” إلى درجة “الشكر”، وينصحه من ثم بالتواضع، الذي لا يتحقق إلا بالشفاء من مرض حب الرياسة. لكن النصيحة هنا تنتج أثراً عكسياً لدى الدكتور، فيبدأ في رؤية شيخ الإسلام قادراً على الخطأ. لكن خطأه من النوع الذي ما يزال من الممكن إصلاحه، بقليل من الصبر كذلك.

بمرور الوقت، وتعاظم  مدخولات الدكتور، يطالبه شيخ الإسلام بدفع الاشتراك الشهري، فيكتشف الدكتور أن هذا الشيخ لم يعد شيخ الإسلام، بل شخصاً شديد الخطأ، كثير الطمع، خصوصاً وهو يراه ينفق بسخاء، يقدر أن مصدره الاشتراكات الشهرية. فيرفع تظلمه منه إلى الجهات العليا في حزب السماء. فقد آن لشيخ الإسلام أن يكون شديد الخطأ.

في الاجتماع الأسري القادم، يكتشف الفتى الدكتور أن شيخ الإسلام سليط اللسان، قادر على شتم طوب الأرض، بعد أن يواجهه بكتاب التظلم، الذي حوله الحزب السماوي إليه. وهنا يقرر الدكتور أن الحزب السماوي ربما لا يكون سماوياً.

لا يطول الأمر بالدكتور حتى يرى أن الحزب السماوي ربما لا يكون الله رئيسه، فيقرر بأن يغادره إلى غير رجعة، ويعلن ذلك للشيخ، الذي لم يعد شيخ الإسلام؛ ويبدأ من ثم بالتغيب عن الجلسة الأسبوعية، لكنه يكتشف فجأة أن إدارة الجامعة قد صارت تعلنه بالإنذارات المفاجئة، بضرورة الاستقامة في علمه، وتذكره بالتلاعب الذي مارسه في حق علامات الطلاب المشتكين ــ وكلهم ملتحون وأعضاء في الحزب السماوي ــ ثم تنذره رئاسة الجامعة بأنه معرض للفصل، في حالة استمراره في ضعف الاستقامة.

يحتج الفتى الدكتور على ما يسميه شكاوى كيدية، ويبدأ يتكلم في كل المحافل، عن الفساد وعلامات الثراء غير المفسرة، ودين الله السمح الذي يتسع للجميع، والظلم الذي لا يدوم، مع التأكيد باستمرار على الحقيقة الجديدة، التي تقول بأن الله يسخط الظالمين وينصر عليهم الكفار… وكل ما شابه من هذا الكلام الذي لا يسمن من جوع.

لكن فجأة يكتشف الفتى الدكتور أن الانتخابات قريبة، فيقرر أن يرشح نفسه، ليصبح في مأمن من غائلة الجوع في حالة فصله من الجامعة. لكنه إذ يعلم عن يقين بأنه لن يتمكن من الفوز، إلا من خلال رضا الشيخ، الذي لم يعد شيخ الإسلام، والحزب الذي لم يعد سماوياً؛ يبدأ في اكتشاف كم كان هذا الشيخ جميلاً ومعبراً عن الإسلام حقاً. فيعود معلناً التوبة ومقبلا يد شيخ الإسلام، الذي يعرف كلاهما أنه لا يمكن أن يكون مخطئاً.

بعد أن يصبح عضواً في البرلمان، يقرر الفتى الدكتور مغادرة الحزب السماوي، فالراتب الذي يمنحه إياه الرئيس محمود عباس، لا يتأثر بالغياب عن الاجتماع الحزبي الأسبوعي. لكن الانقلاب ومحمود عباس يقطعان الرواتب من رام الله. فيقرر الدكتور أن كل شيء في الكون هو على أفضل حال، وأنه لا يمكن أن يكون حال أفضل من هذا الحال، ويقرر أن يبدأ في رحلة الرضا والطواف بالمساجد، وإنشاء الجمعيات لاستقبال الأموال. وهكذا يكتشف الدكتور أخيراً أن محمود عباس والسيسي ينحدران من سلالة الحية، التي تسللت إلى الجنة بعيداً عن رقابة الله، فأغوت آدم وحواء، وأخرجتهما من الجنة.

لكن هذا الواقع المؤلم لضمير الدكتور، يدعوه دوماً إلى البحث عن الحقيقة. وإذ يكتشف أن أجمل الحقائق تظهر في قوام النساء وملاحة وجوههن، وأفعالهن التي يتصور روعتها في المخدع؛ فإنه يقرر أن يستكثر من هذه النعمة الحلال، فيتزوج بأربع حسناوات، تلبية لمطالب التنزيل العزيز. ومن ثم تبدأ رحلته مع البحث عن عسل الملكات والفياجرا والترومال… وما إلى ذلك، حتى يصاب بالتهاب البروستاتا، ويتطور الالتهاب إلى سرطان، يعجل به إلى ملك الموت.

حين يأتي ملكُ الموت الدكتور، يجده غير مستعد للموت، ويشهر  في وجهه منطق أرسطو، محاولاً إقناعه بأن يمهله قليلاً حتى يتوب، لأن الله لا يحب لعباده الكفر. فيبصق ملك الموت في وجهه، ويقبض روحه، ويذهب بها إلى سجين.

في سجين يبحث الدكتور عن السيسي وعباس وعبد الناصر وياسر عرفات وعبد الحليم، فلا يجدهم ثمة، فيسأل “مالكاً” عن مكانهما، فيقول له إنهما لدى “رضوان” في الجانب الآخر. فيدهش الفتى ويسأله عن مرسي وبديع، فيقول له مالك: انزل إلى القعر الأخير هنا تجدهما.

يصرخ الدكتور: خازوق!

فيقول له مالك: اشرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى