قادمون.. قصة قصيرة

د. تامر عزت | مصر

(قبل القراءة. إذا كنتِ حديثة العهد بالزواج. أو لديكِ طفل عُمرهم عام ونصف. أو تعيشين أغلب الوقت وحيدة في شقتك. لا تقرأي هذه القصة ليلا أو نهارًا).

فتيات في عمر الزهور.. منتقبات.. أعتقد أنهم عشر فتيات، كالبنيان المرصوص بعضهم بجوار البعض دون فواصل. صف واحد وكأن هناك من يثبتهم من الخلف. أسمعكم تقولون إن هذا شيء غريب؟ نعم..ولكن الأغرب لم يأتي بعد.
الأغرب أنهم كانوا محلقين في الفضاء في وضع الطيران بشكل مريب. . تماما كما نرى موكب أحْصِنَةٌ سانت كلوز..مع الفارق أن الجالس ليس فردا واحدا..إنما عدد من الملتحين وكل واحد منهم يمسك بفتاة طائرة أمامه. . هذا أغرب موكب أراه في حياتي. . والأكثر اندهاشا والذي جعلني أهرب منهم أنه يوجد حشد كبير خلف هذا الموكب.. ولكنهم صامتون إلا من بكاء طفل لم يتعدى السنتين.. وقف يبكي بجانبي ثم ناداني: ماما. ماما. ماما.

نهضت فزعة من نومي.. ياله من كابوس عجيب وغريب. .الذي أيقظني هو ابني بالفعل..تأملته لثوان ثم احتضنته بقوة وكأنني أنا اللي كنت أبكي وفي أمس الحاجة لهذا الحضن.
تحركت بثقل في رأسي من فوق سريري شاردة. .جسدي منهك ومُتعب دون سبب..شعري مبعثر في توحش.. تناولت هاتفي الراقد بجانبي في هدوء لمعرفة الوقت. أشار التوقيت انها اقتربت من العاشرة صباحا.
صغيري مُعاذ قد استيقظ ويبدو على ملامحه أن معدته خاوية ومثانته مليئة، على الفور استعذت بالله من الشيطان ومن الكابوس الغريب وتوجهت إلى المطبخ لإعداد فطوري وفطور معاذ مع التفكير الروتيني لماهية وجبة الغداء لزوجي.

فتحت ستائر النافذة لأرى أجمل ما تكحل به عين أي شخص، نحن استأجرنا شقة أمام شاطئ الخليج العربي. فزوجي يعمل في إمارة الشارقة ( التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة)، مشاهد السفن وهى تسير أمامنا ممتعة وخاصة وأنت ترتشف فنجان القهوة في استمتاع، كان كل شيء أقرب إلى المثالية عدا تلك الكوابيس التي صارت تزورني كل فترة ولا أعلم لها سبب. ليس هذا فحسب. بل أيضا هناك أمورا غريبة أخفيتها عن زوجي، أمورا قد حدثت وأثارت حفيظة الجو الهادئ وبعدها قبعنا جميعا خلف الظلام وصاحبه رعد وبرق وجنون.

بدأ الشك يتسلل إلى فؤادي عندما حدث الموقف الأول، كنت في حمامي كي أستحم، ملأت البانيو بالماء الدافئ وخلعت ملابسي ومكثت فترة طويلة بداخله،مستغلة نوم ابني الصغير. . ذلك الهدوء التي تتمناه كل أم لديها طفل في تلك المرحلة العمرية، ولكن ما حدث أسرى في جسدي قشعريرة مخيفة، فقد أحسست بأن هناك يد ناعمة تسير فوق ذراعي من خارج البانيو، اضطربت في البداية وظننت أن مُعاذ من فعلها، ولكنني انتبهت بعد ما اندفع الأدرينالين وصعد في توجس وخيفة إلى رأسي أن الحمام كان فارغا.بالطبع ظننت أنه زوجي أو ابني وقد يكونا هما الاثنان معا ويعدان مقلبا كالعادة. ناديت على زوجي وابني. بلا رد..كان الفراغ هو الإجابة.

بسرعة جففت نفسي وارتديت ملابسي على عجل وهرولت إلى ابني. الذي كان لحسن حظي لازال نائما في هدوء..هدأ خفقان قلبي قليلا في محاولة لاستعادة توازني، وتساءلت في شفقة: هل ما أراه في أفلام الرعب الأجنبية يحدث لي في الواقع؟

و بعد ساعتين ..
وجدني زوجي في حالة شرود، خشيت في البداية أن أحكي له ما قد حدث حتى لا يظن أنني أقوم بتأليف الحواديت؛ ظنا منه برغبتي في العودة إلى مصر..أنا لا أريد العودة ولكن الحياة في الغربة مهما كانت هادئه.. أسمها غربة ووحِدة.

حاولت أن اندمج مع الأخريات رغم التحذيرات من المصريين في الخارج، دعوت جارتي والوحيدة التي تحمل الجنسية المصرية على العشاء؛ حتى أكسر الروتين اليومي والتنقل الوهمي ما بين البيت و الفيس بوك..جاءت جارتنا بمفردها ، في البداية كانت ودودة، مُرحبة وحكت الكثير عن تفاصيل حياتها وكيف سافرت و. . إلخ. . قصص عادية كقصص الكثير من المغتربين والمغتربات، استعدت الحكايات أن أقوم من مكاني لإعداد لها كوب من الشاي وإحضار بعض الكيك الجاهز ، وأثناء ذلك حدث الموقف الثاني، فقد سمعت صرخة مكتومة وانا بالمطبخ، هرولت إليها، فوجدتها في حالة من الفزع والرعب وصرخت بكلمات غير مفهومة أن هناك ظلا اسودا يخرج ويدخل من الغرفة المجاورة.واعتذرت عن عدم استكمال السهرة ولاذت بالفرار.

هل تعلمون ما هي حالتك الآن بعد هذين الموقفين؟ هستيريا من البكاء يتبعها اضطراب أثناء محاولة اتصالي بزوجي للحضور فورا دون شرح، ثم تذكرت أن لي طفل نائم في الغرفة التي أشارت لها جارتي، جريت إليها متعثرة في خطواتي وأشعلت الإضاءة لأرى ابني في وضع غريب..كان يلعب في الظلام!

عاد زوجي من الخارج ووجدني متصلبة في مكاني ..على باب الغرفة عيوني مثبتة على ابني الذي يلعب مع الفراغ.. وكأن هناك من يلاعبه ونحن لا نراه.. هو فقط من يراه.. ومع قدوم زوجي.. ووقوفه بجانبي.. فُزع مُعاذ فجأة..ثم نهض وأسرع الخطى باتجاهنا ثم أشار الى مكان جلوسه وقال : عوووو.. عووووو

لم يلبث أن انتهى من كلماته ..حتى خارت قواي تماما وجلست على ركبتي وزوجي في حالة ذهول لا يعلم ماذا يفعل وخاصة بعد أن تركنا معاذ وسار بهدوء وسط الغرفة ولمعت عيناه فجأة ثم تكلم.. نعم تكلم كأنه شخص ناضج بلغة عربية مفهومة :

“لا تظني أن رؤيتك عن الفتيات المنتقبات والشيوخ في هذا الموكب من فراغ.. نحن قادمون وبقوة.. وقومنا سيغزو العالم ..وسوف يفتح الله لنا العالم بأسره ويصبح فتحا مبينا ويعود الإسلام كما بدأ.. وسوف أكون أنا البداية مثلما بدأ معاذ بن جبل من قبيلة الخزرج.. والبداية من اليمن .”

-تمت-

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى