ليلى.. حكاية الألف ليلة (4)
عبد الباري المالكي | العراق
رنّ جرس الهاتف فرفعتُ سماعته …
– ألو … تفضلوا .
– الو ..نحن من مكتب إدارة الشركة التي تعمل بها .
– أهلاً وسهلاً بكم … تفضلوا … هل حدث شيء ؟
– أستاذ … إرتأت الشركة أن تنقل خدماتك الى فرع البصرة .
– حقاً … لماذا ؟
– ليس هناك ما عليك ان تقلق من أجله يا أستاذ ، كل ما في الأمر أن الشركة احتاجت خدماتكَ مع مجموعة من المهندسين هناك … نرجو ان تكون في البصرة مطلع الأسبوع المقبل .
أقفل المتحدث السماعة …وانتهى الامر بهذه العجالة …
كانت هذه صدمة كبيرة بالنسبة لي … كيف لي ان أنتقل الى فرع البصرة لنفس الشركة، وليلى تعيش في قلبي وتسكن في سويدائه …كيف لي ان أترك ليلى في بغداد وأرحل بعيداً عن عينيها.
ليست عيناها هو ما يهمني فحسب، بل إن كل مافيها يعنيني، إذ لم تكن عيناها الجميلتان إلا مدخلاً لكل شيء فيها ، لكل جزء فيها ، بل لكل خلية فيها .
إذ لا عينين واسعتين كعينيها، ولا أنف مدبباً كأنفها، ولا وجنتين أشد تورداً من وجنتيها، ولا شفتين أندى من شفتيها، ولا حاجبين قطّ أدق من حاجبيها.
كل شيء فيها جميل، وكل شيء فيها ينادي بالرقة، وكل شيء فيها يصرخ بالأناقة والسموّ.
ربطتها الوردية ، وسترتها السوداء ، وقميصها الأبيض، بل كل تفاصيل ملابسها تعجبني وتثير بي كل كلمات الغرام .
ليس هناك امرأة أجمل من ليلى ولو اجتمعت كل الليلات قبالتها، حسْنُ ليلاي يغلب كل ليلى في هذه الأرض، وأناقتها تفوق أناقة كل ليلى، ورقتها لاشبيه لها، وصمتها الشفيف يوحي بأنها أعفّ نساء الأرض وأطهرهن على الإطلاق.
رحت أصرخ بما أمكنتني قدرتي …
ليلى … أعشقكِ عشق الأرض للمطر …
ليلى أعشقكِ عشق الظامئ الى نبع غدير .
ليلى أنتِ كل ماتبقى لديّ .
لاتغادريني ياليلى لإني حينها سأجنّ أو أموت .
وهنا توقفتُ قليلاً عن الصراخ وخطر لي في نفسي ان أتصل بليلى وأخبرها بما جرى.
قلت في خاطري: – إنها ستموت ألماً وكمداً بكل تأكيد.
حين دخلت ليلى البيت وجدت والديها بانتظارها وهما يلومانها على تأخيرها، إذ كانت معي في المقهى وهما لايعلمان…
قال الأب :- ليلى اين كنتِ ياابنتي ؟ لقد تأخرتِ .
ليلى:- في السوق ياأبي … ماالأمر ؟
الأم :- لقد انتظرناكِ كثيراً ياليلى .
ليلى :- مالأمر ..؟ هل ثمة شيء لاأعرفه ؟
الأم:- نعم ..هناك مفاجأة جميلة لكِ ياليلى .
ليلى:- وماهي هذه المفاجاة ؟
الأم :- إنه أحمد.. جاء يخطبكِ هو وأهله، لكنكِ تأخرتِ فذهب بعد أن أعطيناه الموافقة المبدأية .
ليلى:- ماذا ؟! أحمد يخطبني !! أنا لن أتزوج الآن يا أمي وانت تعلمين ذلك .
الاب :- لماذا ياابنتي ؟
ليلى :- أبتي أرجوك ..اتركا الأمر الآن …لست بمزاج جيد للحديث عن الزواج …
الأم :- الأمر ليس بمزاجكِ ، إنه شاب لطيف وعنده كل المؤهلات ، إنه طبيب رائع ، ولديه من الأموال ماتتمناه كل فتاة ، ولديه مستشفى خاص به وسيارات وبيوت عديدة ، ماذا تريدين أكثر من ذلك ؟
ليلى :- أريد قلبي .
الأب :- ماذا تعنين ؟
ليلى :- قلبي هو من يختار شريك حياتي … وانتما تعلمان ذلك جيداً .
الأم :- تقصدين ذلك الرجل .. (جعفراً) !؟ ذلك الرجل الفقير ؟ ذو النشأة البيئية الشعبية جداً !! هههه ، هو لايملك بيتاً ، إنه مهندس بسيط !! أليس هو ياليلى ؟
ليلى :- أماه … أرجوكِ ، الرجل لايعاب بقلة ماله ولا ببيئته ، بل يعاب بشخصيته .
الأم :- ليلى …اسمعيني …قضيَ الأمر الذي فيه تستفتيان ، إنتهى الأمر وانسَي جعفراً ذاك ، سيأتي أحمد مع أهله الأسبوع القادم وننجز كل شيء .
ليلى :- لن يحدث ياأمي اي شيء من هذا .
دخلت ليلى غرفتها وهي تبكي بدموع حارة جداً وقد أحست أن انفاسها بدأت تتصاعد شيئاً فشيئاً ، وان الدنيا ضاقت عليها رغم سعتها، وأنها لا تستطيع أن تكف عن البكاء ، بل ولا تقدر على غير النحيب .
بدأت تذرع غرفتها جيئةً وذهاباً من هول ماحدث اليوم ، فجأة تذكرت ذلك الدرويش وما أخبرهما به اليوم عند المقهى، تذكرت كل كلمة قالها لهما وهي ترتجف من كل ماتتذكره ، تذكرت ماقاله هذا العراف عن زجاجة العطر وفألها السيء
:- ياالله … أحقاً أن السبب هو زجاجة العطر هذه ؟ مستحيل ذلك ، وكيف لجماد مثل هذه الزجاجة ان يفعل بقدرنا
ومصائرنا مايفعله … لا أصدق .
فكرت ليلى أن تتصل بي وتخبرني بكل ماجرى لها مع أبويها ، لكنها تأنت قليلاً وخشيت أن تقتلني بهذا الخبر السيء الصادم .
بدأت تحدث نفسها ماذا تفعل أمام إصرار أبويها بالزواج من رجل لاتحبه ولاتأنفه حتى ، وكيف لها أن تخبرني بهذا الخبر وبأي طريقة يمكن ان تقوله لي ، بل بأي فؤاد ميّت حينها سأجابه هذا الخبر القاتل .
اتصلتُ بحبيبتي ليلى لأعلمها عن كتاب أمر نقلي الى البصرة، وخشيت أن هذا الخبر سيصدمها جداً ، وقلت في نفسي
:- ربما ستتالم جداً من هذا ، بل ربما ستموت .
وفعلاً اتصلت بها لأبلغها عن ما ارتأت إدارة الشركة أن تفعله ، لكنها لم تجب ..كانت خائفة جداً ، من كل شيء .
بعد أيام جاء احمد وأهله لخطبة ليلى ، ولما رفضت ليلى هذه الخطبة ، أصر والداها على ذلك بشكل كبير جداً واتفقا مع أحمد وأهله على المهر المعجّل والمؤجل الكبيرين اللذين لن أقدر على مثليهما ابداً ، واتفقوا على كل صغيرة وكبيرة وكأنّ الأمر
لا يخص ليلى ، انتهى الأمر بهذه السرعة التي لن يصدقها أحد …
بنفس ذلك اليوم اتصلت ُ بليلى مرة أخرى …
:- ليلى حبيبتي … هناك خبر سيء أريد ان أخبركِ به ، لكن لاأعلم كيف أخبركِ به ؟
ليلى:- ماالأمر ياجعفر ؟
:- لقد نقلوني ياليلى الى البصرة ، مارأيكِ ؟
هنا … كنتُ أظنها ستصرخ عالياً رافضة أمر النقل هذا ، طالبة مني أن أفعل المستحيل لكي لا أبتعد عنها خطوة واحدة .
لكنّ جوابها كان مخيباً للآمال … إذ قالت :-
وفقك الله بالمكان الذي انت تختاره .
:- ماذا ااااا!؟؟ بهذه البساطة يا ليلى تجيبينني؟
دمعت عينا ليلى، ثم اغرورقت عيناها بالدموع ، وقد خنقتها العبرة ، ولم تستطع إكمال حديثها معي، لقد هربت سريعاً، ولم تعد تكلمني لحظتها ، وقد أحسست ُ بذلك، لكني اردت كلمة منها واحدة تطمئنني عليَّ انا ، غير أنها اكتفت بالاصغاء الى ماأقوله أنا فقط .
:- ليلى … لماذا تسكتين ، هل تريدينني ان انتقل؟ وأكون بعيداً عنك؟ ليلى استحلفك بالله كلميني ، ليلى ياابنة قلبي …
يامن تعيشين في سويدائه ليل نهار ، يامن صنعتُ لكِ عرشاً بين أوردتي وشراييني ، يامن زرعتُ جذوركِ في شغاف قلبي ، يامن رسمتُ صورتكِ بكل إتقان في جدار قلبي ، يامن خلقتكِ قصيدة في حبة قلبي ، قولي لي ولو كلمة واحدة ، ولاتسكتي ..
بالله عليكِ لاتسكتي ياليلى …
وفي اللحظة التي كنت انتظر منها طمأنة معشوقة لمعشوقها ، وفي الوقت الذي كنت أرقب شفتيها من وراء سماعة التلفون عسى أن تقول لي ما يشرح صدري ، ولو بكلمة أسفٍ عليّ ، فوجئتُ بها تقول :- اسمعني ياجعفر … ارجوك ، انا لستُ باقيةً معك ايضاً .
قلت :- ماذاااا!!!؟؟ ماالأمر ياليلى ؟ اخبريني …
قالت :- إنها زجاجة العطر التي فرقتنا صدقاً ياجعفر، وماقاله العراف كان حقيقة وحادثاً لا محال .
قلت باستهزاء : – زجاجة العطر …!؟ أتصدقين هذه الخرافة ياليلى ؟
قالت : – نعم وآمنتُ بها …
قلت : – إذن اكسريها ياليلى .
قالت :- ليتني استطيع …
قلت :- وماالذي يمنعكِ عن كسرها ياليلى إنها زهيدة الثمن وصغيرة الحجم ، لم تكلفنا شيئاً .
قالت :- بل هي غالية المعنى في قلبي، فمايمنعني من كسرها أنها هدية منك ياجعفر … ولاشيء أغلى منكَ في قلبي .