المحبرة.. من دفتر فتاة تونسية
نزهة المثلوثي | تونس
كنت كلما آوي إلى فراشي. أبكي خوفا من صباح غد.. من المحبرة والريشة التي صعب علي التحكم بها فكانت يدي المرتعشة خوفا تجعل الخط معوجا والعقوبة شديدة .
في صباح يوم من أيام أفريل سقطت قطرة حبر على كراس القسم وسرعان ما اتسعت رقعتها … خفق قلبي بشدة .. رفعت رأسي نحو الصف المقابل فأعطاني أحد الأصدقاء ورقا مجففا بخفة البرق تسلمته لكنها كانت أسرع هرعت نحوي وهي تنظر إليه وقالت في غضب مرتسم على وجهها العبوس وصوتها المرتفع
– أتعطيها المجفف !؛ ألم أقل أنه لا ينهي آثار الحبر تماما ؟!!
وهوت بعصاها المتآكلة على أصابع يدي مقلوبة ضربا حتى تورمت وبانت الجراح ..
ثم قصدت الصف المقابل ولما وقفت حذو من سلمني المجفف لتعاقبه بال فخاطبته بهدوء :
” اخرج واغتسلل وارتح قليلا …”
على أن حرصها وإتقانها وما كانت تجلبه من معلقات ومشاهد وصور جميلة تضعها أمامنا على يسار ما تخطه بالطباشير الأبيض والأحمر…. وما تثبته من ملصقات بكلمات وحروف رائعة ..كفيل بأن يمسح جل آثار التعذيب وما يتركه في القلب من نحيب
وكم أحببنا حضور الزائر ..الذي وضع حقيبته على طاولة في آخر القاعة كأنه ملاك وسيم أقبل لينتشلنا من قسوة الضرب والتنكيل … فقد كانت معلمتنا قي ذلك اليوم مريحة الملامح لطيفة العبارات ..
لم أكن أعلم أنه السبب في كل ما حصل لنا في حصص الفصل الذي تحسنت أحواله وتنفس الصعداء بعد زيارته إلا حين شاهدته يراقب كراساتنا ويطلع على محتوياتها ففهمت أنه يمتحنها على خطوطنا وأوجاع حبرنا …
عادت إلينا بعد خروجه كأنها ألقت عن عاتقها حملا ثقيلا مرعب الحزن فطبعت صورا جميلة بطابعها الذي تشرئب له الأعناق على الكراسات شاكرة. وقالت لي
– لا بأس أحسنت المشاركة وأصبت أثناء الأجوبة ..ولم تطبع على كراسي الذي لوثه الحبر وأفسدته ارتعاشة يدي أثناء الكتابة …