مرارة الانتظار
بقلم | ياسمين كنعان
كم أصبحنا غرباء دون أن ننتبه، وكم من صباح تركناه يمضي دون تحية صباح، وكم من مساء حلّ علينا دون أتوسد ذراعك وأغفو على ترنيمة صوتك، كم من الأمنيات ماتت في هذا البعد الذي حلّ علينا فجأة، وفرقنا غريبين بلا ذاكرة أو ذكريات، وكم من موعد مات بيننا ونحن نمضي إلى قدرين متعاكسين، اخترت أنت أن تكون في مدارك البعيد، واخترت أنا أن أُحدّق من بعيد ..
قلتَ لي ذات مساء وأنا أُعاتبك على غيابك الطويل: “ما زلتِ يا قلبي موعدي القادم في آذار، وما زال بيننا عبق طفلة سترث هذا الحب المجنون الذي ولد بيننا “.
حدّقتُ في الأُفق تمتمتُ بكلمات منكسرة:” لكنَّ آذار الذي كان بيننا ولى منذ أمدٍّ بعيد، ألم تنتبه؟!
لم أنتظر منك أن تعقّب على ما قلت، استدرتُ نحو الشارع الضيق، ومضيتُ إلى ضياعي وأنا أشدّ على قلبي، وأحبس دمعات كادت أن تنفلت من عيني، مضيتُ وأنا أعضُّ على حزني.
هل مات ما كان بيننا بكل هذه البساطة، هل أصابتنا الأقدار دون أن ندرك فداحة ما صرنا إليه من بُعد ؟!
ها أنت تقف أمامي دون أن يُحرّك حضورك السخيّ قلبي، أنظرُ إليك كأني أراك للوهلة الأولى، أو كأني رأيتك ذات صدفة ونسيتُ متى وأين، أحاول جاهدة أن أتذكّر الصدفة التي جمعتنا ولا أتذكّر، أُحسُ بأُلفة غريبة مع صوتك وملامحك وإن كانت تبدو غريبة بعض الشيء، كدتُ أن أسألك بعفوية مطلقة: هل سبق أن التقينا، ألم تجمعنا صدفة ما، ملامحك مألوفة جداً، هل أعرفك ؟!
لكنك قاطعت حيرتي وزدتَ ارتباكي وأنت تقبض على كفي بيدك ذات الأصابع الطويلة، وتهمس في أُذني: كفي عن هذا الجنون يا مجنونة، أنا هنا بقلبي وروحي، لا قوة قد تسرقني منك ولا قدر قد يغير طريقي صوب قلبك وأحلامنا، لا يعقل أن تكوني بكل هذه القسوة لمجرد أني تغيبت عن الحضور إلى موعدنا الأول في آذار …
صحوتُ فجأة على جرس رسالة منك قرأتها وأنا أطرد النوم عن جفوني: صباح الخير يا مجنونة اليوم هو بداية آذار، نلتقي بعد أسبوع ، أراكِ ذاتَ آذار يا مهبولة ..
هل كنتُ أحلم حقاً ، لم أصدّق، حوّلتُ ظري صوب النافذة المطلة على الأفق البعيد، وأرهفت السمع ، كان المطر ينهمر بقوة، والسماء رمادية قاتمة، ولفرط سعادتي ، انكمشت مرة أخرى تحت الأغطية الثقيلة، وأحكمت إغلاق عيوني، حاولت أن أغوص في إغفاءة طويلة كي يأتي آذار بسرعة وينتهي وجع الغياب، ونسيتُ في غمرة انتشائي بموعدنا المرتقب كل ثورتي عليك ، ونسيت مرارة الانتظار .