قارئةُ الفِنْجَانِ
الأب يوسف جزراوي | العراق – أمستردام
فِي مقهى بضواحي الشّامِ
وقفتْ أمامي فتاةٌ
كزهرةِ الأرجوان…
عَلَى وسادةِ فمهِا سِرٌّ يَنَ
وَفِي عَيْنَيِهَا نظرةُ اِ
سَأَلْتُهَا:
هَلْ ضللتِ العنوان؟!
أجابت: كلا…وَلَا…!
أنَا عَرّافةُ الْمَكَانِ!
^^^^
سَارَتْ تَتَمايَلُ كَغُصْنِ ال
عَلَى المِنْوَالِ نَفْسِهِ..
مُتَنَقِلةً بَيْنَ الْجَالِ
وَلِسانُ الحِجْلِ (خَلْخَالِها
ثُمَّ عَادَتْ تُحَدِّقُ إِليّ
يَا كَلِيمَ العِراق
مَا بالُ عَيْنَيْكَ ذاتُ شَجَ
وَمَا اِكْتَحَلَتْ بِغُمْضٍ؟!
^^^^
جَلَسْت عَلَى طَاوِلتي
دُونَ اِستئذانٍ مِنّي!
وكَانَت مِبخَرةٌ
يَتَطَايَرُ مِنْهَا الدُّخَان
بَيْنَ يَدِيهَا المُكتَظّةِ بِ
فَتَفَرَّستْ أَوَّلاً بِخُطُ
وَبَدَأَت تقرأُ لِي الفِنْجَان
بِصَوْتٍ رَخِيمٍ خَافِتٍ
وَسَطَ ضَجَّةِ الزِّحامِ!
^^^^
صَمْتتْ…تَمَعَّنتْ…
ومِنْ ثَمّ قَرأتْ
فأشاحَتْ بوُجهها
عَنْ قعرِ الفِنْجَانِ
كَمن لدغهُ الثَّعبانُ!
حدّقتُ بِهَا مليًّا
فلَمَعت عيناها الجميلتانِ بابت
كافَحتِ للظُّهورِ مَا بَيْنَ ا
وقالتْ:
تَتَلَقَّى مُكالَمَةً مِنَ ال
أنَّ حياتكَ مليئةٌ بالأسفارِ..
وَلَيسَ مِنْ خيارٍ أمامكَ
سِوَى الارتحالِ..
فالوطنُ مُطوَّقٌ بِالأسوارِ..
…….
أكملتْ والخوفُ فِي عَيْنَيْها:
عَيْنَاكَ مُلَبّدةٌ بالأحزانِ
ِوفنجانكَ يكتَظُّ بالأسرارِ…
فَالنَّوى تَنكَأُ لَكَ دُرُوبً
لِتمضي بِكَ الأسفارُ مشاويرَ..
لَيْسَ لَهَا استقرارٌ
إلّا مِنْ بَعْدِ حينٍ!!
^^^^
يَا اِبن الرَّافِدِينِ
لَدَيْكَ مِنَْ الإرادةِ والطَّ
لتجوبَ البراريَ والصحاري وَ
وتَتَودّد لنخلةٍ وتتأمّل بحرًا
وتداعبُ وردة الياسمين…
لكنّكَ ستشكم جراح غُربتكَ
بملحِ الصَّبْرِ والاِنْتِظَار!
ولأوّلِ مرّةٍ سيحلو
الصَّبْرُ فِي عينيكَ!
ولَكِنْ لَا تفرح يَا صاح..
فالاِنْتِظَارُ سيجلسُ
عَلَى مقعدٍ بقربِكَ
يثرثرُ كثيرًا ببلادةٍ
وينتظر بفارغِ الصّبرِ
مكالمةً مِنْ وطنٍ
يدعى الاِنْتِظَار!!.
^^^^
أسفارُكَ حُبْلى بالهمومِ
كجبلٍ عَلَى سَفحِهِ الغُيُوم..
فَتُطيلُ المُسَكِّعَةُ مِنَ ال
فِي طرقٍ تتسعُ للغرباءِ فَقَطْ
مثلَ عابر سبيلٍ
ليس له إيابٌ!!
تبحثُ عَنْ وَطَنٍ
نَاءت عَنْهُ الدُرُوبُ!!
بَيْنَمَا ظِلّكَ المُنهكَ
يقتفي أثركَ
ليمنحكَ ثوبًا
حاكتهُ الغُربةُ عَلَى مقاسِكَ!
^^^^
لَا تبالِ يَا صاحبي
ستنجحُ ويضيءُ نجمكَ
فِي سماءِ النّوى
وستحلّقُ كُتُبكَ بجناحِ الانتش
فِي فضاءاتِ العديدِ مِنَ الْمَ
كَمَا ستصادفكَ وجوه كثيرة
تبدو لكَ بريئةً كالأزهارِ….
ولَكِنْ احذر!
فَالناسُ نوعان:
أخيارٌ وأشرارٌ
أوصدْ فِي وجوهِهم أبوابَ الطِّ
لِئَلاَّ تُرددَ مِعَ القائلينَ:
اتّقِ شرَّ مَنْ أحسنتَ إِلَيهِ
^^^^
يَا فتى
مَا كُلُّ هَذَا الأسى..
لَمْ أقرأ فِي عمري فنجانًا مثل
فدعني أقرأُ لكَ حظًا مُغَايِ
وَلمَّا لاَمَسَتْ يَدُها الحصى
طَأْطَأَت رَأْسَها
كسنبلةٍ صفعها الإعصارُ
وَعَلى بابِ لِسانها تَعَثَّرَ
حَتَّى اِغْرَوْرَقَتِْ الدُّمُ
فَقالَت:
أَعْلَمُ يَا يوسفَ
أنَّ الغُربةَ لا تليقُ بِكَ
لِكِنَّكَ ستمضي فِي سفرٍ طَوِ
ولن تستريحَ خيول ترحالكَ!!
فاحمل مَعَكَ مبخرةً
وشموعُ صلاةً
وقرطاسًا مَدْبوغًا
بِرمالِ بحارِ تأملاتكَ…
فإنْ تُفْتَنْ بكَ مدينةٌ
وتمنحكَ جنسيتها
وحقَّ الْمُوَاطَنَةِ
فَهَذَا أنَّ بلدكَ قَدْ لفظكَ
وأنَّ بَلدًا آخر
وقعَ فِي غرامِكَ!
وَلَيْسَ عَلَى المُغترِبِ
حرجٌ فِي ذَلِكَ!
^^^^
نهضتُ مِنَ الطاولةِ
وسألتُهَا:
أيّتُها العَرّافةُ
فِي أيّ مدينةٍ تُقيمين؟!
أجابتْ:
وهَلْ تُسألُ العَرّافةُ عَنْ إِ
رحلتْ وَمَعَهَا الفِنْجَانُ…
تلَملمُ رموشًا تَكَسَّرت
فَوْقَ جفونِها النَّاعِسةِ
لتتركني صاخبًا فِي أَحَادِيثِ
^^^^
نفثتُ دُخانَ سِيجارتي
عَلَى خطواتِها…
وَقُلْتُ لِنَفْسِي
كذَبَ المُنجمونَ وَلَوْ صدقوا!
لَكِنْ عَلَى مَا يبدُو
أنّها صَدَقتْ فِي كِذبَها!!.