مجازات مبللة
سهام الدغاري | بنيغازي – ليبيا
مفتتح:
في الركن الأقصى من كل شيء هناك.. أنا
(1)
أحياناً تشعر وكأنك تجلس فوق عرش الماء
وأن كل الأشياء تبدو ضئيلة جداً
وأنك تمسك بجذور غير مرئية
لبداية بدأت من الفراغ صعوداً
ولعين الجحيم هبوطاً
كقطيع شُهب لم تره السموات
ومع ذلك تطوي شاعريتك البلهاء لتضعها
في جيبك وأنت تهمس مبتسماً
طابت ليلتك ياحلم.
(2)
قد تصل وقد لايصل خوفها
قد ينبذها الورق
وقد تغفو فوق بياضه
قد ينبت لها ريش
وقد يزحف السأم لمسامتها
قد تمتطي أملاً مفكك الأطراف
وقد تتكسر من فرط اللعن
قد ترتدي ملامح الخصم الجريء
وقد تتعرى عند أول سقوط
لتلعق بلل الخطايا وهي تمارس الحب جهاراً
(3)
ملعون هذا المجاز الذي يوقظك الرابعة فجراً لتدس يدك تحت وسادتك تتحس مكان هاتفك
لا لترد على مكالمة مهمة أو لتتبين حلول وقت الصلاة
بل لتجد نفسك تفرغ بداخله مافي جعبتك من هذي حتى وإن كانت جعبتك لم تبلغ السن القانونية بعد لتقوم بفسيولوجية الحمل والولادة
وعلى ذكر الولادة هنا
فتلك الغيوم كانت سوداء بما يكفي
ولكنها لم تلد سوى قرقعة اهتزت لها أذن الأرض
وظَلَّ المطر معلقاً في أقداح السماء
السماء التي لم تفلح يوماً في أن تباعد مابين ارتطام غيمتين
وليس كل الارتطام مطر
ولا كل المطر يروي عناقيد الكلام
ولا كل الكلام يلامس غور الجرح
الجرح الذي يزداد اندلاعاً كلما ألتهم المد شواطيء الحكاية
الحكاية التي سقطت سهواً من على متن الحلم
الحلم الذي ضاقت عيناه حتى صار يرسم لانتحاره خطوطاً مستقيمة
ملعون هذا المجاز
وهذا التناسل المقيت لكلمات تقف مع معانيها على طرفيْ نقيض
حاولت مرة أن أقفز خارج حدود الليل
ولكن حدود قفزتي لم تتعد آخر سطر في صفقة طويلة الأمد
كان قد أبرمها معي ليسكنني
وأنا التي لم تقدس عهداً
ولاتفي وعداً
أجلس القرفصاء قبالة الشمس لتُفصدني
ثم ألعن الف مرة خيوطها الملتهبة وانصهاري
أمسد رقعة السماء الرحبة
ثم أشكو ضيقها وانسكابي
أعدو لأنجو من كل هذا
فيتلقفني فجر مرتجف
يحكمه مجاز محموم
وهذي بلا هوية
لسهامٍ نافرة
تشكو ضيق جعبتها و……
الزمن
(4)
لا شيء يشعرني بالكفاية كالكتابة
هذا ما اعتقدتُه لزمن
ولكن حين تصبح الكتابة كآلة تقشير البطاطا
تسقط طبقة من جلدِك بعد كل حرفٍ تكتبه
لتجد نفسك عند الانتهاء تبحث بين طرفي المسافة المبهمة عما تدثر به عُريك الخجول
حينها يصبح الأمر كارثيًا
أعلمُ أن جِهارَ القول لا يُفخمه، ولن يلبسه ثوب ملك
وأن خفوت الحديث لن ينقصه؛ حتى وإن كان من وراء الحُجُب
والقبلة الحمقاء التي شقت شفتيك نصفين
وصيرتك أرنبًا بثلاثة أرجل يقفز بعيدًا عن أنثاه ليبتسم سرًّا
لم تجرح فمي المقامر
ولم تقشع البرد عن آخر بيتٍ في القصيدة
والكفاية لا تزال تبحث عن دفقة مطر أخيرة
تنزع عنها ثوب الحلم
وتعلمها كيفية الكفِّ عن الركض وراء تأويله
الفكرة تراود الفكرة
والمعنى ينسلخ عن معناه
والقصيدة فاغرة فاها
وكل هذا ما كان ليكفيني
لازلتُ أبحث في جيوب الغيم عن بقايا نهار
يلقي الضوء على ألواني
كأن يُهذِّبَ زرقة الفيروز في عينيْ
ويمنح لسنبلاتي القمحية لون الشمس
أبحث عن كفٍ أصافح بها حزني
أًبعد بها عن مداري ظلمة الخسوف
أنأى بكينونتي لأبعد نقطة لامرئية
فقط….
لأطوي كل الخسارات
وأُعلن كفايتي