تونس على صفيح ساخن: مشهد سياسي متوتّر..ومحفوف بالغموض والتوجّس

محمد المحسن | تونس
سؤال يطرحه الكثيرون إلى أين ستمضي الأحداث في تونس،بعد إعلان الرئيس قيس سعيد، تجميد عمل البرلمان،وإقالة رئيس الحكومة،وتولي منصب النائب العام الأحد 25 أوت،
أما السؤال الأكثر تداولا،هو: هل ما قام به قيس سعيد يمثل تصحيحا لمسار الثورة التونسية، أم أنه انقلاب على الدستور؟.
وتمثل الاجابة على السؤال،فجوة متسعة،بين أنصار الرئيس التونسي من جانب،وأنصار حركة النهضة،وزعيمها رئيس البرلمان راشد الغنوشي من جانب آخر،سواء على المستوى السياسي أو المستوى الشعبي.
هذا،وأشعل قرار الرئيس التونسي قيس سعيد بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن جميع النواب، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه، وسائل التواصل الاجتماعي في تونس وعدد من الدول العربية.
وقالت الرئاسة التونسية أن الرئيس سعيد “اتخذ القرارات بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وعملا بالفصل 80 من الدستور..حفظا لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة.”
أما الرئيس التونسي  فقد قال،في الكلمة التي أعلن فيها اتخاذه لتلك الإجراءات،بعد اجتماع طارئ عقده في قصر قرطاج،مع مسؤولين أمنيين وعسكريين،إنه استند في قراراته إلى الفصل 80 من الدستور،الذي يسمح بهذا النوع من التدابير،في حالة “الخطر الداهم”.
وأشار سعيد إلى أنه قرر “عملا بأحكام الدستور،اتخاذ تدابير يقتضيها الوضع، لإنقاذ تونس، ولإنقاذ الدولة التونسية ولإنقاذ المجتمع التونسي”. مشددا على أن ما قام به “ليس تعليقا للدستور،وليس خروجا عن الشرعية الدستورية”.
ويكرر المؤيدون لقيس سعيد،على مستوى الأطراف السياسية، أو على مستوى الشارع،مايقوله الرئيس ويرون أن ماقام به ليس سوى تصحيح لمسار الثورة ومن أجل إنقاذ تونس.
علي الجانب الآخر،يعتبر سياسيو حركة النهضة ومؤيدوها، في الشارع، والعديد من المثقفين التونسيين، أن ماقام به الرئيس قيس سعيد، هو اعتداء صارخ على الدستور، وانقلاب على الثورة والديمقراطية في البلاد.
وكان راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي، وزعيم حركة النهضة قد اتهم قيس سعيد “بالانقلاب على الثورة والدستور” وقال في إتصال هاتفي مع رويترز: “نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة”.
من جانبه وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة “النهضة”، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها “انقلاب مروض” على الدستور والشرعية، منوهاً إلى أنهم سيتعاطون مع “هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك .
ويعتبر سياسيو النهضة وأنصارها في الشارع أيضا،أن الرئيس التونسي فسر الفصل 80، من الدستور التونسي، تفسيرا خاصا، ليبرر ماقام به من إجراءات، إذ ينص الفصل المعتلق بالإجراءات الاستثنائية على أنه “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب”.
غير أنه وفي الحالة الراهنة، ووفقا لهؤلاء فإنه لايوجد أي “خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها”، كما أن هذا الفصل من الدستور، لا يجيز لقيس سعيد أن يعطل عمل البرلمان، وهذا ما جعل غالبية القوى السياسية التونسية ترفض قرارات الرئيس وتصفها بالانقلاب على المسار الديمقراطي.
عدد من المثقفين التونسسين ممن تحدثنا إليهم،يطرحون تساؤلات،ويضعون علامات استفهام كبيرة، أمام التحركات الاحتجاجية،التي شهدتها عدة مدن تونسية الأحد 25 جويلية والتي جاء إعلان الرئيس قيس سعيد عن قراراته بعدها مباشرة.
وقال لنا البعض منهم  أن “هناك نقاط استفهام كثيرة،عن الجهات التي تقف وراء تلك الاحتجاجات،وطبيعة أجنداتها، ولماذا جاءت في هذا التوقيت بالذات،في وقت تشهد فيه البلاد، مواجهة قاسية مع وباء كورونا.
ويرى من يطرحون أسئلة عن مغزى التوقيت،أن التحركات المتزامنة ودعوات النزول إلى الشارع،في ذكرى عيد الجمهورية لم تكن عفوية،كما أنها شهدت رفع شعارات متشابهة،بدت مستوحاة من مواقف رئيس الجمهورية قيس سعيد،ومشروعه الذي يهدف إلى إقامة منظومة سياسية جديدة،على أنقاض النظام الديمقراطي الذي تأسس منذ الثورة التونسية العام 2011 من وجهة نظرهم.”-(نسوق هذه الأراء بكل تحفظ )
هذا،ودعا الغنوشي (رئيس حركة النهضة التونسية)،الذي اعتصم صباح اليوم الاثنين أمام البرلمان،أنصار حركته إلى التظاهر أمام مقر المجلس النيابي بهدف “استعادة الديمقراطية”.
ولم يتأخر أنصار حركة النهضة في القدوم وبدؤوا منذ فجر الاثنين اعتصاما أمام البرلمان فيما وقف قبالتهم مناصرون لقرارات سعيد ما أحدث حالة من الاحتقان أمام مقر السلطة التشريعية.
أما حزب قلب تونس الذي يترأسه رجل الأعمال نبيل القروي،فقد عبرت كتلته النيابية،الثانية من حيث الوزن البرلماني،أيضا عن أن القرارات المتخذة من قبل سعيّد “هي خرق جسيم للدستور ولأحكام الفصل الثمانين وأسس الدولة المدنية (تنص المادة 80 من الدستور التونسي على أنه “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب”) وتجميعا لكل السلط في يد رئيس الجمهورية والرجوع بالجمهورية التونسية للحكم الفردي”.
كما طالبت كتلة الحزب الذي يشكل أحد الأضلاع الرئيسية في الائتلاف الحاكم،رئيس الحكومة بـ”تولي مهامه الشرعية وتفادي إحداث فراغ في مؤسسة رئاسة الحكومة”.
الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي وصف خطوة سعيد بـ”الانقلاب التام” داعيا إلى فض الخلافات بالقانون والدستور لكنه حمّل حركة النهضة مسؤولية ما آلت إليه الأمور.
 أما المعارضة،فقد التزمت معظم الأحزاب السياسية الصمت حتى الآن ولم تصدر موقفا من التطورات السياسية الكبيرة التي تشهدها البلاد.
وهنا نشير إلى أن التيار الديمقراطي كان أول الأحزاب المعارضة الذي يصدر موقفا من قراءة للمادة 80 من الدستور التونسي. وقال المكتب السياسي للحزب وكتلته النيابية في بيان الاثنين إنه يختلف مع تأويل السيد رئيس الجمهورية للفصل 80 من الدستور ويرفض ما ترتب عنه من قرارات وإجراءات خارج الدستور”.
لكن بيان الحزب شدد على تحميل مسؤولية الاحتقان الشعبي المشروع والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وانسداد الأفق السياسي للائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة وحكومة هشام المشيشي داعيا التونسيين إلى “عدم الانسياق وراء دعوات التجييش من الداخل والخارج”.
وكان الرئيس السابق لهذا الحزب محمد عبو قد دعا في ديسمبر/كانون الأول الماضي في تدوينة مطولة على فيس بوك الرئيس التونسي إلى حل البرلمان من خلال تطبيق المادة 80 من الدستور كحل للأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد.
وإلى حد الآن،لم يعط الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي كثيرا ما  لعب دورا سياسيا هاما في تاريخ البلاد منذ استقلالها، موقفا من خطوة سعيّد لكن مصادر تشير إلى اجتماع مفتوح لمكتبه التنفيذي.
كما لم يصدر أي موقف إلى حد الآن من الحزب الدستوري الحر الذي يتصدر نوايا التصويت في استطلاعات الرأي خلال الأشهر الأخيرة.
مواطن إلتقيناه يتساءل : إلى أين نحن ذاهبون-يا سيادة الرئيس-في خضم هذه الأجواء المشحونة والمتوترة..وهل من نقطة ضوء في هذا النفق الموغل في الدياجير..؟
الجواب-في تقديري-سينبجس من رحم الأحداث القادمة وما ستحمله من مستجدات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى