أطفال الكواكب وأطفال المفارق
شوقية عروق منصور| فلسطين
الروسي أليكسي هارلاموف
لا أتذكر اسم المناضل الأيرلندي الذي قال (ضحكات أطفالنا في المستقبل هي ثأرنا الكبير) ولكن أذكر أنني وقفت أمام العبارة عدة مرات، لأنها تلخص سنوات وأعمار الأطفال العرب الذين كبروا ويكبروا وهم يتوقون الى الضحكات والثأر ممن يذلهم ويبعثر طفولتهم التي يبست حتى أصبحت أقسى من الصخر.
طفل في التاسعة من عمرة يدعى ” جاك ديفيس ” أرسل رسالة إلى وكالة ناسا الفضائية يريد أن يكون حارساً للكواكب في الوكالة، فهو يعشق الفضاء ويريد أن يحمي الكواكب من التلوث البيولوجي ومنع مخلوقات فضائية من الاقتراب من الأرض وباقي الكواكب التي من المحتمل أن يستعمرها الإنسان مستقبلاً .
المدهش أن رئيس وكالة ناسا أجاب على رسالة الطفل واهتم بها وقد أكد له أن مستقبلاً سيكون ضمن الموظفين والعاملين في الوكالة وسيهتم بفكرته .
قد تكون أحلام هذا الطفل مأخوذة من عالم الأفلام الفضائية، من وحي خياله الطفولي الجامح، لكن مجرد التفكير في المستقبل ووضع أصابعه على حالة فضائية تهم البشرية والتوق إلى اختراق الفضاء والسباحة في عالم المجهول، هذا بذاته يدل على التفكير الذي يحيا به الطفل الذي أصبح الفضاء عنوانه.
على وقع هذه الرسالة الطفولية، التقطت صور الطفل العربي المسكين، لا نجاة من الشعور بالوجع والألم، لا نجاة من عضات الخوف التي تنهش واقعنا المظلم، فالكتابة عن الطفل العربي أشبه الآن بمن يجلس على غصن ويبدأ بنشر الغصن الجالس عليه، حيث يسقط على أرض التساؤلات محطماً الغصن ومكسراً عظامه.
حال الطفولة العربية التي تحيا وتعيش في الساحات الخلفية للقهر العربي لا تفتش عن الأضواء، لأن المجتمعات العربية التي تحيا على غبار الحروب والدمار والفقر والعوز والبطالة والضعف والصراع والفساد لا تهتم بمصير هؤلاء الأطفال ما دامت عناقيد عنبها تٌعصر نبيذاً للطبقة الحاكمة.
قد يقول قائل إن الأطفال والكبار في العالم العربي لا يتناولون النبيذ بل يأكلون الحصرم الملطخ بالموت اليومي نتيجة الخلافات والصراع وشن الحروب، وان لا اختلاف بين الأطفال والكبار فجميعهم يعيشون نزيف الخوف والدم والقتل، لكن في الوقت الذي يستطيع الكبار التنهد والصراخ والرفض، الصغار يغرقون في البكاء ويعيشون بين منافي الحرمان والأحزان واللجوء والطرد، حيث يكبرون أكبر من سنواتهم وأعمارهم .
أمام هول الصور والأفلام التي تغزو الفضائيات عن حال الطفولة العربية المؤلمة، نراها وهي هاربة من أوطانها عبر البحار والبراري أو تتسول أو تعمل في الأعمال السوداء أو تٌستغل من قبل العصابات – ومؤخراً أصبح الأطفال هدفاً لعصابات سرقة الأعضاء – أو عبر فرض قوانين تحمي طفولتهم، لا أحد يحاول سكب الماء البارد على وجه الحاكم العربي كي يصحو من نومه وتخديره، ويحترم مستقبل اطفاله الذي هو وزمرته قاموا بسرقته والعبث فيه.
لا أحد يجد الحلول المطلوبة للتخلص من إهمال الاطفال العرب، فقط نشعر أن بعد الصور والأفلام التي تبث عن الأطفال في يوم الطفولة، هناك حفلات كوكتيل وتدليك لخلايا الغرور للجمعيات التي تُعنى بالطفولة، وتوزيع الابتسامات في الولائم التي تُقام من أجل رعاية الطفولة، في ذات الوقت نرى الطفل العربي على محك الحقائق يبتلع سكاكين المعاناة يومياً .
لا يوجد برامج عربية وميزانيات تحمي طفولة الأطفال العرب، واذا وجدت بعض البرامج تؤكد جميعها العناوين المحسوبة على عقارات وأملاك الرئيس والزعيم والقائد وجلالة الملك .
السؤال كيف يركض الطفل وراء القائد الذي نسي أن هذا الطفل هو رجل الغد، واذا لم تقدم له الرعاية والأمان والعيش المحترم والتعليم وتوفير الكرامة له لن يكون رجلاً نافعاً في المستقبل وأباً صالحاً ومنتجاً يدفع مجتمعه الى الأمام والرقي .
ماذا نتوقع من الطفل العربي صاحب القلب العاري من الدف، المستوطن على الرصيف، حيث يندفع كلما رأى سيارة كي يتسول أو بيع بضاعته البسيطة من قداحات ومحارم ورقية وغيرها، ماذا نتوقع من طفل خائف وجائع؟
اذا حصرنا خريطة الطفولة الشقية في الطفل الفلسطيني ، لماذا لا تراقب السلطة الفلسطينية هؤلاء الأطفال الذين يتسولون ويقفون على المفارق وأمام الإشارات الضوئية تحت الشمس الحارقة والمطر المنهمر ، يركضون معرضين حياتهم للموت ، أو يدقون الأبواب لبيع بعض البضائع البسيطة وينامون على الأرصفة وفي كل زاوية ، هذا يقبلهم وذاك يطردهم .
لم نسمع عن خطط لمواجهة فقر الطفولة وتوفير المدارس والجمعيات لهم ومحاربة ظاهرة التسول العلني بشكلها البشع المهين .
لم نسمع عن وضع برامج لمحاصرة الشقاء الطفولي وتوفير الميزانيات للطفل الفلسطيني ، لأن المجتمع غداً بحاجة اليه ، فالطفل وحده من يرفع شأن مجتمعه .
أطفال يحلمون في الفضاء وأطفال يحلمون بالرغيف ، وبين الفضاء والرغيف دول تصمم على احترام الأطفال أو فرض قوانين النسيان .