أطروحة ماجستير لـ”نداء يونس” في “جامعة القدس” عن صورة المرأة الفلسطينية في الصحافة الإسرائيلية
خاص | جريدة عالم الثقافة
سعت أطروحة ماجستير (التأطير والإنكار: التظهير البصري للفلسطينيات في الصحافة الإسرائيلية الإلكترونية الناطقة بالإنجليزية) والتي أجازتها لجنة المناقشة في جامعة القدس والمكونة من د. وليد الشرفا، رئيسا ومشرفا ود. نادر صالحة مدير البرنامج والممتحن الداخلي، ود. رنا بركات الاستاذة المساعدة في قسم التاريخ والدراسات العربية المعاصرة في جامعة بيرزيت ممتحنا خارجياً إلى فهم كيفية عمل علاقات القوة والمعرفة في تظهير وتأطير صورة المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفيما عمدت الدراسات السابقة الى دراسة التأطير كتمظهر خارجي من خلال تحليل المحتوى والمضمون، ذهبت هذه الدراسة الى تفكيك البنى والتشكيلات الخطابية الداخلية التي تنظم الفضاء البصري والرمزي للمرأة الفلسطينية في السياق الكولونيالي الإسرائيلي المسكوت عنه من هذه الزاوية الفريدة،. واتبعت لذلك منهجا غير تقليدي لدراسة التأطير وهي تجريدات القوة والمعرفة الفوكوية، الحجاج. والدراما.
وكانت الدراسة التي أعدتها الباحثة نداء يونس باللغة الإنجليزية تحت عنوان Portrayal and Denial: Palestinian Females in the Israeli English-Language E-Newspapers لفهم كيف – والي أي مدى- يتم بناء النسق الخطابي الاستعماري الإسرائيلي في التغطية الإخبارية للصحف الإسرائيلية حول المرأة الفلسطينية في إطار علاقات القوة والمعرفة، وكيف يتم الحفاظ على تداولية المعرفة المنتجة؟ ولمعرفة كيف يتم اختلاق الآخر الفلسطيني – المرأة، والحديث بالإنابة عنها وكيف تصبح طقوس الحقيقة وتجسيداتها أداة لخلق نماذج لتصنيف الآخر- المرأة في هآرتس ويديعوت احرونوت؟ ولفهم كيف تساهم البنى والانساق اللغوية والخطابية في هآرتس ويديعوت احرونوت في تشكيل واقع وهويات النساء الفلسطينيات تحت الاستعمار من خلال تغيير الاطر لدعم طيف واسع من ممارسات التبرير والسيطرة التي تستخدم الفلسطينيات كذريعة.؟ – استخدمت تحليل المحتوى النوعي بالإضافة الى تقنيات تحليلية ذات بعد تفسيري يقوم على نهج “تكاملي” يجمع بين تحليل الخطاب (DA) وتحليل الخطاب النقدي (CDA) استنادا الى منهجي فيركلوف وفان دايك، والمنهج الاستنباطي لتحليل البنى الخطابية لاختلاق الآخر في(86) مقالًا إخباريًا عملت على إنتاج المعرفة عن النساء الفلسطينيات خلال 2016 في صحيفتين إسرائيليتين رئيسيتين “متناقضتين أيديولوجيًا”: (50) مقالا من هآرتس و(36) من يديعوت احرونوت، لفهم مدى الاختلاف في وكيفية عمل هذه الصحف على إعادة إنتاج العنصرية والهيمنة العرقية من خلال أيديولوجية مؤسسية وقيود خطابية فرضتها سلطات الخطاب الإسرائيلية لاختلاق الاخر والهيمنة عليه. حولت الدراسة نظرية ادوارد سعيد في الاستشراق الى بعد اجرائي لتحليل تجريدات فوكو حول الصور السلبية والتسميات والتعميمات والتي تشكل تمثلات استعمارية تستند الى مواضعة أيديولوجية مرآوية لسلطة الخطاب الكولونيالي الإسرائيلي التي يعاد انتاجها ضمن حدود وقيود خطابية محددة، والدراما لترجمة تجريداته حول تحديد مجال الأشياء.، فيما شكلت نظرية الحجاج أرضية لفهم كيفية تحول المعرفة المنتجة في الاطار الاستعماري الإسرائيلي الى ارضية جديدة للتفاوض على الواقع.
من خلال تحليل سلاسل التظهير والتأطير التي يتم بناؤها لتمثيل الفلسطينيات وانتاج هوياتهن التي تحولت بموجبها اللغة الى أفعال سياسية واداة صراع على التسمية والتمثيل والشرعية، وجدت الدراسة ان الصحف الإسرائيلية تستند الى نماذج خطابية لعلاقات تقوم على توظيف نظام خطابي معدل للتشكيلات والحدود الخطابية الاستعمارية وبناء الأطر واستخدامها، كما ترتكز على نظام عنصري-إثنيً، يتشكل خطابيًا من أجل الإقصاء الذي ينطوي على اختلاق الآخر ويحدد منظورًا مشروعا لاستخدام عامل المعرفة المنتجة يتغذى على العنصرية والعنف الرمزي وبناء الهويات وتأكيد ادعاءاتها الاستعمارية وإنكار “الآخر”.
قدم تحليل الأبنية والحدود الخطابية للفلسطينيات في صحف العينة تحليلا للأرضية الحجاجية التي توظفها الممارسات الاستعمارية القائمة على علاقات القوة والمعرفة لمعالجة الجوانب الأعمق للصراع الإسرائيلي، وعلى الرغم من “الاختلاف الايديولوجي الظاهر” بين الصحيفتين، الا ان خطابهما تجاه الاخر مبني ومهيمن ومتأصل لإقصاء الاخر الفلسطيني وانكاره.
وجدت الدراسة انه وبالإضافة إلى توظيف النموذج الكولونيالي الكلاسيكي المعدل اسرائيليا لعلاقات القوة والمعرفة في اختلاق الاخر في إطار ثلاثة تصنيفات لكل منها نموذج بنائه الخاص الذي كشفت عنها الدراسة في كلتا الصحيفين، خرجت الدراسة بنموذج جديد لبناء التابع خطابيا وهو “الآخر الجديد” The New Other.
يعمل النموذج الكلاسيكي الذي يستدعي تراثا من أبنية الهيمنة الخطابية الاستعمارية المعدلة إسرائيليا والتي درجت القوى الاستعمارية على بنائها لاختلاق الآخر المستعمَر تحت ثلاثة تصنيفات: اختلاق الآخر والتابع النخبوي والتابع النخبوي عير المطيع والتي تعمد بنسب متفاوتة الى بناء وتوظيف أطر التي تعمل كمسننات في الماكينة الخطابية الاستعمارية مثل الاستشراق، الاستغراب، الإرهاب، الإرهاب الإسلامي، والمشاكل النفسية، والتعايش والسلام واطار الانسان الاحتفالي الذي يرمي الى تحويل الآخر الى مجتمع للفرجة والاستعراض ونوع الإنسانية، وضمن اطر أخرى، وانماط من البنى الخطابية التي كشفت الدراسة عنها من خلال تحليل اشكال التدليل والتمثيل أي الحديث بالإنابة وإعادة تشكيل الصورة re-presentation في سلاسل التظهير البصري للمرأة الفلسطينية، وحيث تمت دراسة اللغة كصورة، من خلال تفكيك البنى والحدود المنطقية واليات موضعة وتداولية الخطابات، ولغات الخطاب أي الجمل الخبرية، والسجلات أي التحكم في الدخول للخطاب؛ والمستبعد من الخطاب على مستوى الموضوع والذوات والمعرفة الصادقة والزائفة، كما فككت حدود الخطاب وسبل تداوله والإبقاء عليه من خلال التعليق، المجال العلمي وخلخلة الخطاب بالتكرارات، والممارسات التأديبية واهها خطاب الاعتراف وفرض الصمت وركزت على تحليل مجموعة من القيم الدلالية تبدأ من سيميوز الجملة ذاتها على المستويين القواعدي والدلالي والتسميات والتصنيفات والتكرارات والصور السلبية التي تعمل من خلال الموضعة الزمنية والصور السلبية وأنظمة التصنيف المهينة، والمجاز والتنميط والاستبدالات اللفظية والسياقية.
كما حللت الدراسة اشتغال المستعمر من خلال ارادة الحقيقة، والتحكم في الدخول الى الخطاب والذي يحدد مسار الفاعلين وآليات الاستبعاد واستخدام اسبقية المعرفة والتناص وأدوات الضبط والتأديب والإصلاح (تمفصل مزدوج) مثل خطاب الاعتراف والمحاكاة والازدواجية، والتناقض، والتحولات الدلالية والسياقية. وحللت الابعاد الإجرائية التي تبنتها الدراسة من خلال نظرية الدراما لتحديد الآخر بالمفهوم الفوكوي والتي تشمل التضخيم والتضخيم الانفعالي، والاختزال والتبسيط وتغيير الشكل وتناولت تحليلا لاليات تداول الخطاب واهمها التحكم بالدخول للخطاب والتي تؤدي الى تغيير الأطر واستبدال الخلفيات الخطابية التي يتم استدعاؤها من قبل المتلقي لخلق انساق خطابية يتم بموجبها ترسيم الاخر المستعمَر وطرق تداوله في اطار سياقات كولونيالية ضاغطة أي بموجب علاقات القوة والسيطرة التي تفرضها علاقة التبعية الخارجية للاستعمار بين نموذجين: متقدم ومتخلف ونحن وهم وفي اطار هيمنة ايدلوجية وثقافية لا يفرضها مبدأ اختلاف القوى فقط كما في سياق الاستعمارات الأخرى في الهند وغيرها والتي بموجبها تم حصر دراسات التابع في حدود الاختلافات الثقافية: الطبقة والجندر بمفهوم ماركسي وفي اطار القهر المزدوج المتعلق بالظلم المجتمعي والاستعماري للنساء واختزال علاقات القوة والسيطرة الفوكوية في اطار عمليات التحكم في الدخول الى الخطاب والاستبعاد، بل في سياق محو والغاء واستبدال – يوظف الاختلافات الثقافية للآخر من خلال تعدينه ثقافيا لقتله خطابيا وانشاء صورة عنه.
وجدت الدراسة ان كلتا الصحيفتين تحتفظان بالحق في التعليق والتحكم في الدخول إلى الخطاب، كما تشترك هذه الأجهزة الأيديولوجية للدولة بالتوسط بين المتلقي والسلطة، هذا التوسط الذي يشكل الحالات الرمزية كما يسميها بنكراد والتي تنبني من خلال عمليات تمثيل الاخر ولا يمكن تشكيل الوعي بالذات والمحيط الا من خلالها وتتحكم في آليات تداول الخطاب واستمراريته..
وخلاف النموذج الكلاسيكي، تتبنى الصحيفتان منهجا جديدا لاختلاق الاخر الجديد اي الفلسطيني الجديد في هذا السياق؛ تعمل الابنية الخطابية لهذا النموذج أيضا في ظل أدوات خطابية تشكلت بموجب توجهات ايديولوجية وهيمنة ثقافية وضغط مؤسسي وتحت تصنيف جديد للمستعمَر وهو الجيل الجديد والقديم. تتبنى هآرتس نهج التفريغ الذاكراتي والتذويب، فيما تتبنى يديعوت احرونوت نهج الإنكار.
وجدت الدراسة ان الابنية الخطابية لـ”هآرتس” و”يديعوت احرونوت” مبنية ومهيمنة ومتجذرة في ممارسات الإقصاء، اذ تستخدم كلتا الصحيفتان نفس ادوات الهيمنة والسيطرة الخطابية لتشكيل ابنية خطابية تساهم في تشكيل واختلاق الاخر سواء بالمفهوم الكلاسيكي او الجديد. تتمحور الاختلافات حول التفضيلات المرتبطة بالمعطى الايديولوجي الذي تتبناه كل صحيفة وحيث تشتغل الأيديولوجية كشكل مرآوي لسلطات الخطاب وتستلزم بذلك جملة من القيود الخطابية المؤسسية. يُحدث اختلاف توزيع الثقل الأدواتي الفرق بين الصحيفتين. وبكلمات أخرى، لا تختلف أي من الأجهزة الأيديولوجية الاعلامية لدولة الاحتلال الاسرائيلي ( هنا الصحف الإسرائيلية موضوع العينة) في نوعية الأدوات الخطابية المهيمنة المستخدمة ولا في آليات استمرار تداولها بل في نوعية الانساق الخطابية والأطر frames التي يتم من خلالها تقعيد سلاسل القيم الدلالية للمستعمر وفقا لمدى المساحة الايدلوجية المسموح بها والتي تخلق التمايز بين توجهات تلك الصحف الظاهرية من يمينية راديكالية الى ليبرالية يسارية، ما يؤدي الى الاعتقاد بوجود اختلاف بين الصحف في تمثيل وإعادة تمثيل الاخر واللتان تذهبان بالمحصلة الى إعادة تمثيل الاخر ما بين تشكيلين: الانكار والتذويب وهما شكلان من اشكال مصادرة الاخر، وتحويره وإعادة انتاجه من خلال نفيه ونفي هويته وتعملان على إعادة انتاج المعرفة عن المستعمَر، وهو موضوع هيمنة خطابية مشتركة بين التمثلات الاستعمارية عبر التاريخ والتي عملت على نسف العلاقة بين دال ومدلول سابق وإنتاج علاقة جديدة لنفس الدال مع مدلول جديد ضمن اكراهات السلطة والمعرفة التي يتم انتاجها عن المستعمَر والتي تعمل من خلال موضعة مزدوجة على استخدام وإنتاج اطر تدعم عملية التقعيد المعرفي للقيم الدلالية الجديدة وبالتالي انتاج المعرفة او الحقل الادراكي الذي يقود الى الفهم والتجريد وتربط بين الترسيمات الثقافية او طريقة تصوير الاخر وموضوع الادراك او الذات SUBJECT ما يحولها الى موضوع للمعرفة OBJECT، فكل إعادة انتاج للدلالة تمنح الشيء موقعا مجردا داخل الذاكرة، أي انها تؤسس وتتلاعب بجشتالت الشيء المدرك (المقدمة والخلفية) او الحقل الادراكي عن موضوع المعرفة بل وتقوم ببنائه كنموذج او كخطاطة توفرها هذه المعرفة المنتجة من خلال علاقات القوة والسيطرة ويتم استدعاؤها كتجريدات لفهم السياقات اللاحقة ورؤية الاخر من خلال التجريد أي التظهير او التأطير البصري الذي يصبح فعلا رمزيا يحضر/ يتم استدعاؤه من قبل المتلقي لتحديد الاشكال المختلفة للإدراك وتشكيل الأبنية المعرفية اللاحقة حول ذات الموضوع لتفسير وفهم العالم المستعمَر.
إذا، يعمل جسد المرأة الفلسطينية في السياق الاستعماري الإسرائيلي كتمفصل مزدوج: فهو ارضية متنازع عليها لممارسة الهيمنة وابلاغ الرسائل كما انه حامل لعمليات خطابية استعمارية خارجية.. هنا يعمل الخطاب الإسرائيلي من خلال وسيطين: الجسد واللغة.
تعمل هذه الأدوات الخطابية على تشويه الانساق وتدميرها بالانزياحات والاستبدالات وإعادة انتاج الحقيقة التي تعتبر فعلا سلطويا يتم بناؤه عبر ممارسات تشكل الموضوعات التي يتم الحديث عنها وتمثل كما يقول فوكو شيئا سلبيا يحتوي السياسة العامة لاي منظومة وايديولوجيتها ويجعلها تؤدي دور الحقيقة التي تتم صناعتها وسجن الناس فيها. تؤدي المعرفة التي ينتجها الاستعمار حول الاخر الى تغيير في الأطر التمثيلية والحجاجية للصراع ليس فقط من خلال التضمين والاستبعاد والتحكم في الدخول الى الخطاب وتبئيره، ولكن أيضًا من خلال التحولات الدلالية والسياقية..
في ظل هذه التحولات، يظل الآخر المستبعد في حالة فعل ويخضع الاصلاني لعملية زرع “الوجه” من خلال إنتاج أصوات بديلة او آخر للآخر كما يتم اخضاع التابع النخبوي غير المطيع بموجب الضغط الخطابي على الجسد أي تحت ضغط جسدي وعنف رمزي مؤسسي.
وبناءً عليه، فإن التحولات السياقية، وتدمير السياقات، والممارسات التأديبية مثل خطاب الاعتراف واسكات الاخر والعنف الخطابي ستؤدي إلى خلق ارضيات جديدة للتفاوض على الواقع، وستعمل على خلق انقطاعات معرفية مع النموذج الأصلاني الفلسطيني وإعادة تعيين ثنائية المركز والهامش بحيث تتم إزاحة الجوهر ومركزة الحقيقي وتشكيل هويات جديدة.
تصبح هذه المخرجات أرضية للتفاوض على الواقع نفسه من خلال صناعة فلسطيني جديد بذاكرة محدودة وقدرة تعبيرية مقررة سلفا تحت اطر التذويب والانكار. اذ انه ومن خلال نسف العلاقة بين دال ومدلول سابق وإنتاج علاقة جديدة لنفس الدال مع مدلول جديد ضمن إكراهات السلطة والمعرفة التي يتم انتاجها عن المستعمر، فان التشكيلات الخطابية التي تستخدم لتظهير صورة الفلسطينيات تسمح للعلامات بابتلاع مرجعياتها، وتخلق هيتروتوبيا للاستعمار أي فضاء زمانيا ومكانيا داخل زمكان المستعمَر.