أحمد يعقوب”عوليس” الفلسطيني في حضرة الموت

 

بقلم: شاكر فريد حسن

دون سابق إنذار، خطف الموت “عوليس” الفلسطيني، إثر نوبة قلبية حادة، الشاعر الأصيل النبيل النقي والطيب أحمد يعقوب، الذي اختار الانتماء لجموع الصعاليك حبًا وطواعية، ابن طيرة حيفا، وابن مخيم اليرموك، وابن رام اللـه والوطن الفلسطيني المعذب كله.

وبوفاة أحمد يعقوب تفقد وتخسر الحياة الأدبية الفلسطينية والمشهد الثقافي الفلسطيني واحدًا من القامات الشعرية، ورمزًا من رموز وقوافل الثقافة الوطنية الفلسطينية، وشاعرًا نبيلًا حرًا ملتزمًا بقضايا الوطن والوجع والهم الوطني الفلسطيني، ومناضلًا بقي على العهد، قابضًا على جمرة النضال حتى الرمق الأخير.

ينتمي أحمد يعقوب لعائلة فلسطينية من طيرة حيفا، عاش في المنافي القسرية، متنقلًا بين سورية ولبنان والعراق وكوبا وإسبانيا، وعاد في العام 1994 إلى الوطن محملًا بالشوق لترابها، ليبدأ الفعل والنشاط والمشاركة بقوة في النسيج الثقافي الفلسطيني، فالتحق بأسرة بيت الشعر الفلسطيني، وتشتغل مديرًا له، وموظفًا في وزارة الإعلام الفلسطينية، وعضوًا في الأمانة العامة للكتاب والأدباء الفلسطينيين.

ترك أحمد يعقوب وراءه مختارات وأعمال شعرية، منها: “لمن أرمم المنفى، مراثي الكافور، أفراح حلاج النوى، عراقيات، البقاء على قيد الوطن، البالوع، وقائع الموت والحياة” وسواها.

أحمد يعقوب شاعر ومترجم بارع، ومن الأصوات الشعرية الحداثوية المجددة، التي أبدعت في تجارب شعرية ونثرية، حملت في ثناياها محطات كثيرة مصقولة بفعل الوعي والهم الوطني والإنساني الذي عاشه وعايشه في حله وترحاله وجوبه بين المدن والعواصم.

وقد لفت عوليس الأنظار منذ البدايات لعفويته وشفافيته وصدق تعابيره وأدائه وبساطته الآسرة التي غلّف بها نصوصه.

امتاز أحمد يعقوب بأصالة وحرارة التجربة، وصدق الانتماء، والقدرة الموفقة على الكتابة الإبداعية، واجتراح الرؤى والأفكار والمعاني التي تنسجم مع قناعاته وإيمانه ومواقفه السياسية والوطنية والفكرية، متخذًا من الالتزام مسلكًا ومنهجًا في التعبير عن الحالة الفلسطينية، وتصوير صور الوجع، والحزن الفلسطيني، وهموم الوطن والمواطن، وعذابات المسحوقين، وحياة أبناء المنافي، وأشواق الغربة، وواقع الاحتلال. فكان شاعرًا طموحًا وقع في حُبّ القصيدة، ممسكًا بناصيتها، بإشراقات صادقة وشفافة في تجسيد قداسة الانتماء والطبقي والانحياز والانتصار لجموع المهمشين وأبناء الأرصفة والشوارع والصعاليك وفقراء الوطن.

أحمد يعقوب شاعر فارس في محراب الكلمة المبدعة المدهشة، ومقاتل على دروب الحرية وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني، تفانى في حمل الرسالة الوطنية والثقافية والأدبية، وشكلت قصائده حالات من العشق تنتفض فيها وتتوهج فلسطينيته وإنسانيته مكتملة الصورة، بخيال شعري واسع وبعد عميق يتعدى الزمان والمكان.

أحمد يعقوب شاعر الوطن الفلسطيني المعذب بجماله، بالغ العذوبة والصفاء والنقاء، وصاحب الحلم والقضية، الراحل عن دنيانا، تاركًا أوراقه ومختاراته وذكرياته الجميلة، إن غاب جسدًا، فهو باقٍ بإرثه الأدبي الجميل.

فوداعًا شاعرنا الأجمل، وعليك يبكي الجمال والرجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى