عُمان و مصر في ذاكرة انتصار السادس من أكتوبر 1973
بقلم: ناصر أبو عون
صورة تجمع السادات بطل الحرب والسلام مع السلطان قابوس
مع إطلالة شهر أكتوبر تحلّ الذكرى الـ 49 لانتصار “السادس من أكتوبر 1973م” ومعها تتابع في ذاكرة التاريخ العربي الحديث صورة المواقف المشرّفة التي اتخذها السلطان قابوس بن سعيد المفدّى مشاركة في هذه الملحمة ورؤاه الاستراتيجية لمرحلة ما قبل الحرب ودعوته لاستخدام “النفط كسلاح ضغط” ضد الدول الداعمة للكيان الصهيوني والنتائج المترتبة على هذه السياسة وأثرها على دول المعسكر الغربي والتطرق إلى الملابسات السياسية التي ساعدت الدول العربية على النجاح في استعمال النفط كأداة عسكرية ضاغطة، ودوره في تدعيم مركز الوطن العربي على الصعيد الدبلوماسي، والمحافل الدولية.
الرئيس أنور السادات يستقبل السلطان قابوس
دعوة السلطان قابوس لاستخدام سلاح النفط
خمسة شهور كاملة بالتمام والكمال قبيل انطلاق حرب أكتوبر أطلق السلطان قابوس مقولته الشهيرة عبر صحيفة الدستور الأردنية 5 من مايو 1973 معلنًا رؤيته صريحةً مدويةً في الوقت الذي كانت هذه الأفكار تتردد همسًا في كواليس بعض الحكومات العربية ومباني وزارات الخارجية مخافةَ أن تتسرب إلى العلن، إلا أنّ السلطان قابوس أبى إلا أن يقولها واضحة صريحة “إنّه يجب على الدول العربية المنتجة للنفط أن تركز انتباهها على الطريق الذي يسير فيه نفطها حتى لا يُصدَّر إلا إلى البلاد التي لا تعادي الأمة العربية” مؤكدً للقاصي والداني والعدو والصديق أنّ منهجه الذي تربَّى عليه ينطلق من الحقيقة التاريخية التي نرددها صباح مساء دون أن نلتفت إلى مار ترمي إليه “إنَّ الرجال يُعرفون بالدين، وليس الدين يُعرف بالرجال، وإنَّ الحق لا يُعرف بالرجال، بل الرجال يُعرفون بالحق”. بينما تؤكد الوثائق التي كشف عنها السفير الأمريكي بالقاهرة “بي . جي . آدامز” وأهمها الوثيقة رقم مرسلة من القاهرة إلى “ايه . جي. كريغ) بإدارة الشرق الادنى وشمال أفريقيا برقم 34 وعنوان موضوعها “النفط كسلاح” بتاريخ: 2 أكتوبر “تشرين الأول” 1973 قال فيها: “كان لي حديث مع حافظ اسماعيل “مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات” الليلة الماضية تعرضنا خلاله لأزمة الطاقة ومحاولات استخدام النفط كسلاح لأجل الضغط على أميركا لتتخذ خطا متشددا تجاه اسرائيل. قال لي حافظ اسماعيل إن بوسعه احاطتي بأنه لا يوجد مصري مسؤول ونظام مصري ذو نظر يمكن أن يكونا جزءا من عملية ايقاف ضخ النفط. لأن هذا الاجراء سيكون ضارا بالمصالح العربية فيما سيحمل قابلية لإثارة ردود فعل خاطئة في اميركا. ومع ذلك، فالعامل الاقتصادي فيما يبدو يحمل أهمية متصاعدة في الصراع العربي ـ الاسرائيلي. ولذلك فهو يأمل ـ حافظ اسماعيل ـ أن تراعى المصالح الاقتصادية الاميركية بصورة جادة وتنظر الى أين تقع مصالحهم في الشرق الأوسط على المدى البعيد قال “إنه تلقى تشجيعا لهذا الفهم خلال زيارة التنوير الأخيرة لديفيد روكفلر” مثلما يأمل أن تجد هذه الأفكار طريقها إلى الإدارة الأميركية.
فلسفة السلطان في استخدام البترول كسلاح ضغط
وقُبيل مضي شهر على إطلاق السلطان قابوس رؤيته حول استخدام “سلاح النفط” صرّح في حوار له مع مجلة المصور المصرية بتاريخ السبت 23 يونيو 1973 عن فلسفته واستراتيجيته لاستخدام هذا السلاح “كسلاح للضغط” على الدول الداعمة للحركة الصهيونية في عدوانها على العرب وضرورة البحث عن أسواق جديدة حتى لا يضر بمصالح الدول المنتجة ويؤثر على مشاريع التنمية فقال: (إن البترول سلاح ذو حدين فإذا أمكن استخدامه كوسيلة للضغط فقد يفيد من هذه الناحية ولكنه من ناحية أخرى قد يضر بمصالح البلاد التي تعتمد اعتمادا كليا على هذا البترول في دخلها القومي، وهذا الدخل يستخدم في تدعيم اقتصاديات هذه البلاد وتقوية جيوشها لمواجهة هذا العدوان، وفي مساندة المواجهة ضد العدو ولذلك فعندما نفكر في قطع البترول عن هذه الدول فيجب أن نبحث أولا عن أسواق جديدة لتسويقه وأعتقد إن هذا ميسور). وأشار إلى أن استخدام هذا السلاح يستهدف تحقيق أهداف عديدة أهمها اقتناع الدول المؤيدة للكيان الصهيوني بعدل القضية العربية وجاء ذلك في حوار آخر مع مجلة المصوّر المصرية يوم السبت 15121973 بعد مضي شهرين ونيف على انتصار أكتوبر في معرض إجابته عن سؤال حول البترول واستخدامه في المعركة ضد العدو الصهيوني والذين يؤيدونه؟ فقال: “إنّ هذا السلاح له أهمية كبيرة في المعركة وستظل هذه الأهمية قائمة حتى يحرر العرب أراضيهم ويستردوا كافة حقوقهم.. لقد ضحى العرب بكل الثروات من أجل استرجاع كرامتهم ويجب أن تعرف الشعوب أننا نستخدم هذا السلاح من أجل أن تشعر الحكومات المؤيدة لإسرائيل بعدل قضيتنا”.
انتصار أكتوبر في ذاكرة السلطان قابوس
تأتي مناسبة ذكرى انتصار أكتوبر العظيم 1973 لنسترجع معًا مرة أخرى «طريق النصر»، والذي هو في الحقيقة أهم من الانتصار ذاته فنصر أكتوبرلم يكن وليد الصدفة إنما كان نتاج جهد وعرق ودماء دفعتها الشعوب العربية وقواتهم المسلحة الباسلة من أجل تحرير الأرض واستعادة الكرامة. وذاكرة الصحافة العربية والمصرية بوجه خاص مازالت تحفظ في أرشيفها كلمات السلطان قابوس المفدّى قبيل وأثناء وبعد الحرب ومازال كثير من الكتاب يستدعونها في المواقف وعندما تتشابه الأحداث هنا أو هناك فقد قال جلالته عن معارك 6 أكتوبر بأنَّ قلبه وقلب سلطنة عُمان كان موجودا على خطوط القتال في مصر وسوريا، وقال في حديث يوم السبت 15/12/1973م لمجلة المصوّر المصرية “لاشك أنّ يوم السادس من اكتوبر كان يومًا مجيدا في تاريخ الأمة العربية وفي تاريخ العرب الحديث، ولا شك أنَّ التاريخ سيسجل هذا اليوم، و لاشك أيضا أنّ الأجيال المقبلة ستذكر هذا اليوم بكل اعتزاز وفخر ففي هذا اليوم التاريخي حققت الجيوش العربية انتصارها الباهر، وسطرت ذلك الانتصار على صفحات التاريخ بحروف من نور”. “مجلة المصوَّر المصرية”، وعندما تسألت المجلة عن شعور جلالته وهو مستقبل أنباء الانتصارات في عُمان، قال: “لقد استقبلنا هذا اليوم بفرحة تامة غامرة.. لأننا انتظرناه طويلا وحلمنا به كثيرا”، ويضيف جلالته: “لقد عبرنا قناة السويس، وعبرنا خط بارليف، وعبرنا الهزيمة إلى النصر بعون الله، وهذا الشعور كان أيضا هو نفس الشعور الذي استقبل به الشعب العُماني هذا اليوم.. كانت هناك فرحة في كل بيت، بل في كل قلب”.
تطابق بين رؤية قابوس للنصر وموشى ديّان للهزيمة
وتسأل المجلة جلالته حول القيمة العسكرية لعبور قناة السويس أصعب مانع مائي وتحطيم خط بارليف فيجيب جلالته: “إنَّ عبور هذا المانع المائي الصعب وتحطيم حصون خط بارليف يعود أولا إلى الجندي العربي الذي استطاع أن يستوعب أحدث وسائل العلوم والتكنولوجيا وفي هذا أبلغ رد على الذين حاولوا أن يهولوا من شأن العقل العربي صاحب الحضارة والثقافة، ولا شك أنّ عبور القناة وتحطيم خط بارليف يعتبر مرحلة جديدة أنجزها العرب في ميدان الاستراتيجية العسكرية، وهذه المرحلة لابد أن يتعرّف عليها العسكريون في العالم وأن يدرسوها”.
وهذه الرؤية التي قدمها السلطان قابوس نجد لها دليلا وتدعيما في مذكرات موشى ديّان الذي أقرّ أثناء الحرب أمام القيادات الإسرائيلية وكانت تعبيرا داخليا عن الهزيمة وانكسار شوكة الكيان الصهيوني وأنّ المصريين والعرب استوعبوا التكنولوجيا الحديثة واستخدموها بقوة فائقة في هزيمة إسرائيل.. يقول موشى ديان:
– إن الأهم بالنسبة للإسرائيليين والعالم الاعتراف بأننا لسنا أقوى من المصريين، وأن حالة التفوق العسكري الإسرائيلي قد زالت وانتهت إلى الأبد، وبالتالي فإن النظرية التي تؤكد هزيمة العرب (في ساعات) إذا ما حاربوا إسرائيل فهي خاطئة.
– المعنى الأهم هو انتهاء نظرية الأمن الإسرائيلي بالنسبة لسيناء، وعلينا أن نعيد دراساتنا وأن نعمل على التمركز في أماكن دفاعية جديدة، لأن التفوق العسكري المصري في سيناء لا يمكن مواجهته، وأنا لا أستطيع أن أقدم صورة وردية للموقف على الجبهة المصرية لأن الموقف بعيدا كل البعد عن الصور الواردة.
– نحن أمام مهمتين “الأولى” هي بناء خطوط دفاعية جديدة، و”الثانية” هي إعادة استراتيجيتنا وبناء قوتنا العسكرية على أسس جديدة لأننا الآن ندفع ثمنا باهظا كل يوم في هذه الحرب فنحن نخسر يوميا عشرات الطائرات والطيارين والمعدات والدبابات والمدفعية بأطقهم فيكفى أننا على مدى الأيام الثلاثة الأولى من الحرب خسرنا أكثر من خمسين طائرة ومئات الدبابات، وينهى ديان كلامه بالقول “علينا أن نفهم أننا لا يمكننا الاستمرار في الاعتقاد بأننا القوة الوحيدة العسكرية في الشرق الأوسط.. فإن هناك حقائق جديدة علينا أن نتعايش معها.
نتائج سلاح النفط كما رآها السلطان قابوس
ونقلا عن “مجلة آخر ساعة المصرية” في عددها يوم السبت 2481974 قال السلطان قابوس لمحررها “إنّ انتصار أكتوبر بداية فجر مشرق في تاريخ العرب. وإذا سرنا معًا على طريق التضامن والتعاون فإنّ تحقيق النصر الكامل، واستعادة كل الأراضي العربية المحتلة وضمان حقوق الفلسطينيين سوف تتحقق لا محالة إنّ آجلا أو عاجلا”. وهو التعبير ذاته الذي رصده بطرس بطرس غالي أمين عام الأمم المتحدة الأسبق في مقالة له بمجلة السياسة الدولية في يوليو 1975 حيث أصبحت للدول العربية قوة اقتصادية جديدة في وقت السلم، وقوة ردع في وقت الحرب يضاف إلى ذلك أن سلاح البترول ساعد على تدعيم الجبهة العربية، وعلى تحقيق وحدة الصف ووحدة الهدف بين أغلبية الدول العربية ويرجع ذلك إلى تقسيم العمل بين الدول العربية، وإلى التضامن الجديد الذى تولد عن العمل المشترك، وفق هذا التفسير، فدول المواجهة استعملت القوة العسكرية، ودول البترول استعملت سلاح البترول، وأدى ذلك إلى تكامل بين هذين النوعين من الأسلحة وقد أسهم سلاح البترول أيضا في تثبيت العزلة الدبلوماسية الي منيت بها إسرائيل قبيل حرب أكتوبر، واستكملت عناصرها بعد هذه الحرب فقد قطعت الأغلبية العظمى من الدول الأفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وامتد هذا الموقف المنصف للحق العربي، إلى دول أوروبا الغربية واليابان، لأن كلا منهما أعلن تأييدا واضحا وصريحا للتفسير العربي للقرار 242 الصادر من مجلس الأمن والذى يطالب بالانسحاب من جميع الأراضي العربية التي تم احتلالها بعد 5 يونيه سنة 1967، بل إن سلاح البترول كان المحرك الحقيقي للحوار العربي الأوروبي، والحوار العربي الأفريقي ولا شك أن سلاح البترول هو الذى أجبر الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل من أجل تسوية أزمة الشرق الأوسط، وهو الذى دفعها إلى الضغط على إسرائيل وكان من نتائج هذا الضغط، إبرام اتفاقية عسكرية لفك الاشتباك في منطقة قناة السويس، ثم في منطقة الجولان ونتيجة لسلاح البترول، بدأت حكومة واشنطن تتخلى عن المساندة شبه المطلقة لإسرائيل، لتقف موقفا اقرب إلى التوازن مما هو إلى المساندة وإذا كان هذا التغير في السياسة الأمريكية، لم تظهر آثاره بعد في الكونجرس وفى الرأي العام الأمريكي، فذلك راجع إلى قوة الإعلام الإسرائيلي، وعدم قدرة الإعلام العربي على التصدي له داخل نطاق الولايات المتحدة، بل ولا خارجها وبإيجاز، فإن سلاح البترول كان سلاحا رادعا جعل الدول الأوربية واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، تغير من موقفها من أزمة الشرق الأوسط، وتعترف بالكيان الفلسطيني، وبحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
الصهيونية والشيوعية ضد الأديان السماوية
لقد أدرك ودرس السلطان قابوس منذ وقت مبكروقبل توليه السلطة فداحة التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية، وصلة الشيوعية فكرا وعقيدة ونظاما بالحركة الصهيونية.. فما هو هذا الدور وما حدوده وما أهدافه؟ وما صلات الفكر الصهيوني بالفكر الشيوعي من ماركس إلى لينين؟ وما صلات الشيوعية بالصهيونية؟ فصرّح جلالته في حوار له مع مجلة آخر ساعة المصرية يوم السبت 2481974 تعقيبا على انتصار أكتوبر 1973 قائلا: “والآن وقد استطعنا أن نكبح غرور الصهيونية ونجبرها على التخلي عن الصلف بعد حرب رمضان المباركة، نتطلع إلى خطوة أخرى نوقف بها التغلغل الشيوعي، ونبعد أخطاره عن أمتنا العربية.. ولا يجهل أحد أنَّ عدن نُكِبَتْ بهذا الخطر، ويعلن حكامها عن عزمهم على تصديره إلى عُمان وبلدان الخليج العربي، قولا وفعلا”، وقال جلالته: “ولستُ أرى موجبًا للوقوف موقف المتفرج إزاء هذا الخطر الشيوعي والذي في تصوري إنّه لم يعد خافيًا على أحد، لا في بلدان الخليج التي يتهددها الخطر مباشرةً، ولا في غيرها من الدول العربية، لكنَّ النظرة تختلف”، وأضاف: “إنني أدعو الله مخلصًا أن نشهد قريبًا تكاتفًا عربيًا، لتشهد المنطقة هنا “10 رمضان” جديدًا ليكون ذلك فجرًا اندحار التمرّد والقوى الشيوعية”.
وتأكيدا على رؤيته نرى المفكر “يورى ايفانوف”، يشرح ويفسر هذه العلاقة الشائكة فيقول: “لقد شارك الصهاينة في كيان ما يدعى بـ “حكومات” دينيكين وغيتمان سكوروبادسكى وبيتلورا، وقاموا بعمل فعال لانشاء الوحدات الصهيونية العسكرية التي حملت السلاح ضد بلاد السوفيت وينبغي ان نلاحظ انه منذ سنة 1918 وحتى سنة 1921 قامت جماعة دينيكين وبيتلورا وبولاك بولاخوفيتش وماخنوف بتنظيم مجزرة عذب وقتل فيها عشرات الالوف من اليهود ولكن هذه النشاطات لم تعرقل ولو بصورة ضئيلة التحالف الفكري الاقتصادي والعسكري الوطيد لقادة المركز الصهيوني مع اعداء الثورة. وكان الصهاينة يعملون في الخطوط الخلفية للسلطة السوفيتية بصورة ليست أقل فعالية فبجانب المقاطعة والتجسس وجهوا اهتماماً جدياً نحو ما يسمى بأشكال النضال “العلني” ضد الدولة السوفيتية فنظموا بذلك بمختلف الذرائع العديد من الجمعيات والاتحادات التي أصبحت مراكز للنشاطات المعادية للسوفيت.