الكل عايزك على الجاهز

د. أسماء السيد سامح | مصر

وجودك على الأرض يوم إضافي وإنت عارف اللي مستنّيك: شجاعة حقيقية، وقوة كبيرة ممكن ما تتوافرش ليك بعد ساعة أو نص ساعة من دلوقتي!

أخدك النَفَس بُطولة، حركتك لقدّام بُطولة، ابتسامتك وركوبك المواصلات ومرواحك الشغل وأكلك وشربك وتدخينك سيجارة في زحمة الشيفت وكلامك مع الزملا وخناقاتك والشرا من البقال والفكهاني ومرواحك للدكتور.. بُطولة.

لكن ما حدش هيصقف لك، ولا هيشد على إيدك ويقول لك برافو، لأن علاقتك بالآخرين أساسها الحَجْب والخداع والجهالة، بيشوفوك في نهايات الأشياء بس، بعد ما عديت كل شيء ووصلت لهم.

ما حدش ليه “أكسس” على روحك ولعناتها وتقلباتها المروعة وأفكارك السودة الرائعة، ووحدتك المفرطة الخالية من اللون والصوت والونس. الكل عايزك على الجاهز، لبسك مكوي وشعرك متسرّح وجزمتك متلمّعة، بتضحك وتتكلم وتنكّت، ما بتغلطش ولا بتكذب ولا بتخون ولا بتضعف ولا بتطلع منك العيبة، وتقول بابا وماما لما يدوسوا على إيدك!

ما حدش عايزك “إنسان”، لكن موبايل أو تابلت فيه أحدث الخصائص والإمكانيات، تاتش وبلوتوث وجي بي إس وصوت دولبي وأتوماتيك باك أب وسمارت أسيستانس وبطارية ٤٠٠٠ أمبير ما بتفصلش!

ولما بتضعف تحت وطأة الاحتياج، وتدخّل حد -أي حد!- جوا ضلمتك، بعد إلحاح وتحايل ووعود ومظاهر خادعة إنه مختلف، بيتشجّع في الأول بس شوية ويحاول يضحك، ويتظاهر باللامبالاة وأسد يله فيه إيه، ويقنعك إنه زيّك تمام، والهم واحد والجرح واحد، لكنه بعد شوية، لما بيشوف كراكيبك النفسية وأصنامك وخرابك ويلمس دمّك المهدور في كل مكان، بيتسرع ويصرّخ زي العيل الصغير ويتنطط عشان يهرب.. وبيهرب بأبشع طريقة ممكنة!

بس جيس وات؟ ساعات الحياة بتبقى أجمل من غير اللي اتصورنا إن حياتنا هتقف من غيرهم، من غير عبء إسعادهم والحرص على مشاعرهم والمجي على نفسنا طول الوقت عشان نبان قدامهم أقويا وكبار وناضجين وقد المسؤولية، إحنا محترفي صناعة وهم وتعلق بالأشخاص والحالات الغلط، أساتذة في الانهيار أمام الأبواب المغلقة والشبابيك المسدودة بخشب قديم ومسامير مصدّية ما بتتخللوش الشمس، في حين إن الأمر أبسط من كده بكتير: كله رايح حرفيًا، مفيش أفضلية لحاجة على حاجة، ولا معنى لحاجة عن حاجة!

غيرش إحنا بس اللي غاويين دراما وأفورة ومُثل عليا وكلام كبير واستنساخ التجارب وتكرار حكايات غيرنا، في حين إننا –كلنا- أتفه –بكل ما تحمله الكلمة من معاني- من إننا نعمل فَرق أو نمثّل أهمية أو يكون لينا دور في أي حاجة!

الحياة محنة حقيقية، وابتلاء عظيم، ما قدرتش الجبال نفسها تتحمّله، ولبسه الإنسان التافه الأهبل المغرور، فليس أقل من إنه يحاسب على المشاريب لحد آخر نقطة دم من غير ما يكون له الحق يفتح بقه أو يعترض. وده اللي بنعمله فعليا كل يوم: بندفع التمن دمعة دمعة لحد ما نسدد كل اللي علينا ونمشي من هنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى