في ليل المدينة.. قصة قصيرة
د. إيهاب بسيسو | فلسطين
اللوحة للفنان الألماني: فرديناند ماكس بريدت
تحاول الكلبة ألا تفقد جرءاها بين عجلات السيارات العابرة، ترضعهم حليباً قلقاً وخائفاً في تلك اللحظات العاجلة المرتبكة المتحفزة ضد المجهول القادم من جهات أربع …
الصغار يبكون جوعاً في منتصف الليل وخوفاً من أضواء غامضة وقاتلة قد تعبر فجأة فتطحن عظامهم وأجسادهم الطرية المولودة حديثاً في الطريق …
تتوقف أمام المشهد …
تخشى على الأم والصغار من رعونة الطريق وقسوتها في ليل المدينة ومن فضول مارة قد لا يكترثون بالجوع فيصيبهم الخوف من كلبة ضالة بفزع غامض يدفعهم لإيذائها أو إيذاء صغارها فجأة …
الكلبة الخائفة تدرك أنها تواجه خطراً غامضاً قد يختطف أحد صغارها الثلاثة قبل الفجر …
الصغار الذين يواصلون النباح جوعاً ورغبة في الأمان فيما الأم تدور حول المكان، تتجسد في خطواتها كل معاني الحيرة والوحدة والترقب والتعب، فهي ليست كلبة مدللة من فصيلة نادرة أو معدلة جينياً في مختبرات متخصصة لتصبح مثار دهشة وألفة في منزل قريب …
بل هي كلبة بلدية ولدت على الطريق وكبرت على الطريق وأصبحت أماً على الطريق، يثير رؤيتها الفزع لدى الكثيرين أو الرغبة في الابتعاد عنها أو الرغبة في التخلص منها لما قد تحمله في جسدها من أمراض وجراثيم …
في لحظات كهذه، ترى الكلبة عالماً مصغراً من خوف وقسوة، كلبة خائفة ومذعورة يفزعها صوت أبواق السيارات، تفزعها الأقدام المارة، تفترسها الحيرة وقلق الأمهات المبكر …
وحين تأتي إليها ببعض الماء في محاولة لطمأنتها قليلاً بأن العالم ليس مجرد موت على الطريق، وحاويات قمامة بها القليل من بقايا الطعام البشري ولا سُماً ممزوجاً بقطع لحم قاتلة ولا طلقة من بندقية صيد، تسمع صوتاً يشبه صوت الجراء الجائعة قرب بناية مهجورة على الضفة المقابلة للطريق لتكتشف أربعة جراء إضافية تبكي جوعاً هي الأخرى …
فتدرك أن الأم كانت قلقة على صغارها الآخرين في الناحية الأخرى من الطريق …
هكذا صار ليل المدينة سبعة جراء مولودة حديثاً وكلبة حائرة، تدرك معنى الخوف في طريق شبه خال من المارة …
كلبة تدرك قسوة الحياة القادمة أو ربما الساعات أو الأيام القادمة لصغارها المولودين حديثاً فقد تكون هي نفسها الناجية الوحيدة من تجربة سابقة ومماثلة فقدت خلالها أشقاء قبل أن يحالفها الحظ لتجتاز اختبارات الوقت القاسبة وتصبح أماً في المدينة …
تفكر سريعاً في أسرع الطرق المحتملة لإنقاذ الكلبة هذه الليلة، تردد في ذاتك هي بحاجة للمزيد من الماء بسبب حرارة الطقس وبعض الطعام كي يساعد جسدها المتعب على ضج الحليب في جسد جرائها الجائعة …
تتصرف بسرعة لتوفير ما أمكن على عجل ثم تجمع الجراء السبعة حول أمهم، فيخفت نباح الجوع قليلاً كأن الجراء قد بدأت تستسلم لنوم قصير في حضن أم أصبحت أقل فزعاً، أكثر اطمئناناً للطعام والوقت …
تبتعد بهدوء عن المكان تاركاً الصغار في هدوء الليل مطمئناً على الأقل أنهم لن يفزغهم هدير محركات عسكرية في الجوار أو أزيز طائرات مقاتلة في السماء أو دوي قد يختطفهم جميعاً تحت الأنقاض …
أو حتى مجرد سيارة مسرعة قد لا تستطيع تفادي عبورهم المضطرب للطريق فتهرسم دون قصد …
تجمعهم قرب سور البيت المهجور، الأكثر أمناً في وقت كهذا الوقت مردداً أصبح للبيت المهجور في المدينة عائلة في الحديقة المنسية، أم وصغارها السبعة …
ثم تبتعد عن المشهد كي تمنحهم المزيد من الخصوصية والطمأنينة متمنياً الحياة لهم دون فزع أو خوف أو موت مفاجئ في الأيام القادمة ..