سوالف حريم.. قبور
حلوة زحايكة | القدس العربية المحتلة
وأنا في طريقي إلى الدّاخل الفلسطيني، اتكأت على نافذة السيارة ونظري سارح في كلّ مكان نمرّ منه، ووجدت نفسي أكتشف شيئا جديدا كما هي العادة في كلّ سفرة، فعند وصولي الى مشارف القدس الغربية شاهدت لافتة كتب عليها باللغة العبرية (جفعات شاؤول) أي دير ياسين، فلمعت في ذاكرتي مذبحة دير ياسين التي جرت في 8 نيسان 1948، وكيف تمّ تهجير أهلها، وهي تطلّ على القسطل التي زرتها من قبل، وتقع على قمة جبل مرتفع، وعندما تقف عليها تشعر بأنك تعانق السماء، سرت في خنادق القلعة وأنا أتلمس حجارة الخنادق، كي أشعر بوجود من كانوا، وكيف استبسل عبد القادر الحسيني في الدفاع عن تلك المنطقة التي تشكل البوابة الغربية للقدس، بعد أن يئس من العرب الذين لم يزودوه سوى بنصف كيس رصاص، فاستشهد فيها في اليوم التالي لمذبحة دير ياسين. السيارة تسير وأنا شاردة الذهن أشاهد السلاسل الحجرية التي تشهد على عروبة القرى المهدّمة، وعند منحدر قبل قرية أبو غوش لفت انتباهي وجود قبور عربية، شعرت بسوء حالها وما آلت إليه القبور وقد أصبحت مكبّا للنفايات، شعرت بألم كبير يعتصر قلبي، وكأن القبور تستنجد بالمارّين لرفع الأذى عنها، لكن حرمة الأموات من حرمة الأحياء، ولم تعد حرمات في هذه الديار لا لأحياء العرب ولا لأمواتهم، قرأت الفاتحة بسري لأصحابها، وبقيت أحدق بتضاريس بلادي بسهولها وجبالها وجمال وطن فقدناه في غفلة منا ومن إخوتنا العرب، وبعد مسافة طويلة استفقت على لافتة أخرى كتب عليها سجن مجدو، شعرت بالألم يعتصر قلبي مرّة أخرى، وأنا أقول هنا يقبع أخواني في زنزاين الاحتلال، ويذوقون سوء العذاب، كيف تحوّلت بلادهم إلى سجن لهم، ولعذاباتهم، وبقيت السيارة تسير وأنا أنظر إلى قرانا العربية واحدة تلو الأخرى، وما تتمتع به من جمال إلى أن وصلت اإلى نهاية المشوار.