دردشة في ظل الصمت وحرية القول البليغ
يونس العموري | فلسطين
اللوحة للفنان الروسي: أليكسي جافريلوفيتش فينيتسيانوف
هو الصمت الذي لابد أن يسود ، وبذات الوقت الغضب الذي لابد أن يعبر عن ذاته وفقا لتقاليد الفعل وردات الفعل بصرف النظر عن النظرية العلمية عن الفعل وردة الفعل المساوية له بالمقدار والمعاكسة بالاتجاه، هنا تسقط كل الحسابات المعقولة وتلك الخاضعة لمنطق المعادلات الرقمية والمضبوطة بالمعايير العلمية، هنا وامام جريمة التنكيل الصامت والناعم وتجريف الوعي واسقاط الثوابت وسقوط الكبار في أعماق الانهيار ومطاردة الكلمة الحرة الامينة الشجاعة، والاعتصام والتعبير عن الذات قد أصبح من أفعال الممنوعة يتناقض وحكومة الخبر العاجل للراتب المودع بالصراف الآلي، بعاصمة الفقراء والسراب …
لا تفتعلوا الضجيج واخرسوا قليلا وتحديدا كل من يدعي أنه منتمي لهذا اليمين الغبي أو لذلك اليسار المتعفن أو من يدعي أنه يملك الحقيقة الإلهية ووكيل الرب على الأرض …
برجاء منكم أن تخرسوا ودعوا القتلى نائمون، هم قتلى ولا يقبلوا ان ينالوا تسمياتكم بالشهداء، والقتلى نائمون… لا تصدقوا أنهم ماتوا، لا توقظوهم ودعوهم كما هم، كفنٌ واحدٌ يكفي لهم جميعاً هم يحلمون بالله والفراشات تخجل أن توقظ ابتسامتهم وحده الله سيوقظهم وحده الله يجرؤ على إيقاظهم …
لا تبدأوا بالسؤال عمن هو المسؤول ومن يتحمل مسؤولية القتل الكل فينا مسؤول وتجار المواقف مسؤولين.. ونظام لا يستطيع حماية اطفال الشوارع مسؤول ونظام يقتل بالدم البارد مسؤول ونظام يفقد السيطرة على المدائن والحواري ايضا مسؤول ونظام يمارس أبشع صور التنكيل ومطاردة الجمال في سبيل بقائه بالحكم وعلى رأسه أباطرة وقياصرة العهد الجديد القديم وضع بعد او قبل مسماهم ما تشأ من الالقاب مسؤول …
وتدور الدوائر ويكون أن يأتيهم النبأ بمتابعة صاحب الرأي وصاحب الموقف، ولابد من اتخاذ الموقف ومعاقبة من يمارس الحق بالنقد أو التعبير عن الرأي واستنباط الموقف، وقد يكون الموقف مغايرا لمواقفهم وأطروحاتهم، وهم ملتزمون ومنضبطون ويطيعون الأوامر ولا مجال للاجتهاد هنا..
والاجتهاد ليس من حقهم، ينفذون أوامر كبارهم، وكبارهم هم من يقرر الصواب من الخطأ وفقا لمقاييسهم ومعيار فهمهم وتقديرهم للموقف على أساس الحرص الوطني. والحريصون على الوطن يتناقضون والرأي والرأي الأخر.. والوطن لابد من فهم حيثياته، وكيف سيكون الحرص عليه؟ وهل نحن نهدد أمن واستقرار هذا الوطن، لتكون بالتالي المطاردة والملاحقة. وإذا كان لابد من الملاحقة فأصحاب القلم والرأي هم برأي أجهزة القمع من يهددون أركانه ويقوضون أساساته كونهم يعتدون على المحرمات وقوائم المحرمات طويلة وكبيرة ويصعب فهم ماهيتها.
سادة القمع والحل والربط وتحديد الغث من السمين يتربصون بكل الأمكنة، ويأتونك من حيث لا تحتسب ويراقبون أنفاسك ويحصون الخطوات وقد يعلمون عدد أبجديات الكلام في هذا المقال باحثين بين ضلوعك عن تنهيدات ممارسة الكلام، وللكلام تنهيداته التي تطلقها في غضبك وهدوئك، ويترصدون مواقفك، فأنت بكلامك تهدد الأمن القومي الإستراتيجي للوطن ولابد من قمعك وإخماد صوتك وبعثرة الحروف وجعلها متناقضة الفهم والعصية على الاستيعاب.
وتأتي الأوامر بإقفال فمك. وفعل الإقفال اليوم له أصوله التي تتناسب والقوانين العصرية لمواكبة الحداثة. وللقامعين أيضا مواكبة لحداثة العصر، ويتلونون وفقا للمرحلة وما تفرضه طبيعة الأجواء المناخية، ووفقا للرؤية بما يتناسب وقوانين العصر الجديد التي يتم تصنيعها بما تتناسب وسادة العالم المسمى بالحر والديمقراطي، وأسس الفعل المتعولم لضمان تدفق المصالح دون إعاقات من أحد.
ولحساب المصالح أصول تبدأ بحسبة مصالح التكتلات الكبرى ورؤوسها، وتتدرج هذه الحسابات حتى تصل إلى درجة حسبة مصالح مراكز القوى لهذا النظام المسمى بنظام الدولة أو الحزب الحاكم، وبالتالي يكون السادة ضمن دوائر الحسابات هذه.
وللبزنس حساباته أيضا وتقاطعاته مع سادة القمع حيث أن صناعة البزنس هي الأساس في صناعة المواقف، وإن كانت سياسية. وللسياسة صناعة تدخل في أولياتها رأس المال المتنقل من حضن لحضن ومن موقف لأخر وفقا لاعتبارات المصالح. وللرأي مواقف كانت على الدوام متناقضة بشكلها الموضوعي مع سلطة الحكم وسلطة رأس المال وبالتالي لابد من الحماية، والحماية تتطلب فعل القمع ، وللمنفذين أساليب كثيرة لتكميم الأفواه.
والغريب بالقصة والحكاية أن نبدأ بممارسة فعل القمع في ظل تعقيدات وقائعنا حيث الاحتلال والقمع والقتل والترهيب وممارسة كافة أشكال القرصنة على الكلام والتعبير عن الرأي والسيف المسلط على الرقاب دوما بالحرمان، والحرمان يأخذ الأشكال المتعددة والمتغيرة، فالحرمان من التنقل والحرمان من السفر والحرمان من الحقوق وتظهير القوانين ليُصار إلى الحرمان وفقا للقانون … وما أن تنهي معركة مع سادة الاحتلال حتى تتواجه مع المتنفذين ليُصار إلى حرمانك من الكتابة أو مطاردة أبجديات كلامك في المطبوعة المنشورة.
وقد يكون لسادة النشر أيضا رأي في الكلام وممارسة حق الكلام … وما من سبيل سوى الالتفاف على الكلام، وتحاول جاهدا أن تطوع الحرف والكلمة وتستعين بكل الخبرات وبشياطين الإنس والجان لتخترع المرادفة الأخرى للكلمة المباشرة حتى لا يشطب حقك بالكلام لتحتمل الكلمة أكثر من تفسير وتأويل، وقد تضيع الفكرة في دهاليز الاحتيال على اللغة، وقد تسعفك اللغة ومن الممكن أن تخونك هنا..
ومقص الرقيب سيطارد أبجديات صناعة المقال… وهنا ترتد على ذاتك كافرا باللحظة، وقد تزداد تصميما على ممارسة صناعة وحياكة النص، وللنص استغاثة تقرع جدران تفكيرك للتحرر من الألم الذي يدور وتدور دوائره في أعماقك لتعبر عن ذاتك وعن وجهة نظرك بالشكل المباشر… ويكون الصراخ أيضا بالحق، والحق يا سادة يا كرام يؤخذ ولا يعطى فقد ولى زمن العطايا والهدايا والمنح … وحتى تكون حرا مستقلا لابد من أن تمارس حقك انتزاعا… وحتى تكون حرا لابد من أن تكون فقيرا كونك بالتأكيد ستحرم من الامتيازات الأخرى حينما يكون السكون سيد الموقف…
وللمتنفذين رأيهم الذي لابد من أن يصبح موقفا إجماعيا جماعيا لاستصدار شهادات حسن السيرة والسلوك والانتماء الوطني، وإن كان الرأي مضادا أو مغايرا فتهمة الخيانة معلبة وجاهزة… وسيلقى على مسامعك الخطب العصماء بالانتماء والنضال وممارسة أعتى أشكال الكفاح، وكيف أن كلماتك تهدد المصالح العليا للوطن …
لهم الحق بمد أيديهم بكل الاتجاهات، ولهم الحق بممارسة صراخهم بوجهك بالشكل اللطيف، وللطف معان أخرى بأعرافهم …ويأتي مرسال المراسيل ليقول لك إن السيد ابن السيد أبو السيد صاحب العطايا يرغب بلقائك، وأنت صاحب الرأي والموقف… ويرغب باحتساء القهوة وإياك صباحا … ولا خيار أمامك فإما أن تقبل أو أن تقبل! وما بين القبول والقبول مسافات كبيرة… فللقبول الأول معان انهزامية بذاتك، وبالقبول الثاني استحضار وجلب بقوة الفعل والقانون الممنهجة خدمة للمتنفذين وأجهزتهم ….
ويبقى أن نقول إن من يجاهر بالقول والنقد والانتقاد والمطالبة بالإصلاح والتصدي لعنجهية من ينصب ذاته حاميا للقانون لابد له من أي يعي حقيقة القانون أولا واحقية المجتمع بممارسة الحرية الإنسانية المجردة دون خوف او وجل وبعيدا عن اسقاطات حساباته وبالتالي أصحاب الرأي والكلمة والقول ليسوا طابورا خامسا وليسوا جزءا من اجندات معادية كما يدعي البعض القابض عنوة عن تنفيذ ما يسمى بالقانون بل هم ايقونات الرأي وامراء الشعر والابداع.
ولا اعلم إن كان لهذا النص من مساحة على الورق الذي اعتقد انه لابد من أن يكون له مساحته الطبيعية …. وإن كان للمتنفذين بالنهاية من رأي بهذا النص فلابد من أن يكون رأيا هنا ومن خلال النص …. دون احتساء فنجان القهوة هناك عند أبوات المتنفذين وسادته….