بائعةالفاكهة (١)
رضا راشد | كاتب وباحث مصري
اللوحة للفنان الفرنسي: جول جوزيف لوفيفر
إن في الحياة اليومية :(أحداثا وأحوالا وأشخاصا) ما يجعلها مدرسة مملوءة صفحات كتابها دروسا وعبرا .فحري إذن بالعاقل اللبيب والفطن الأريب أن يجيل في طياتها عين التدبر، وهذا ما حثنا القرآن الكريم عليه حين قال :
“قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين “
فاستنطاق الأحداث والسير بالدروس والعظات والعبر أمر واجب على كل من رزقه الله عقلا .وهؤلاء المتدبرون أحداثَ الحياة وأحوالَها وشخوصَها (ماضيا وحاضرا)؛توقعًا للمستقبل وقراءةً له هم من تخرجوا في #مدرسة_الحياة، وأَنْعِمْ بها من مدرسةٍ وأَنْعِمْ بهم من طلاب !!! وهؤلاء بتدبرهم إنما يصنعون بأفكارهم قوارب تمخر بهم عباب بحار الحياة المتلاطمة وصولا بهم إلى بر الأمان ومرافئ النجاة .
ففي طريقي إلى المحنة الكبرى التى نُفْتَنُ بها -نحن المعلمين- في كل عام مرة أو مرتين (المراقبة في امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية الدور الثاني في مدينة الدلنجات ،وما أدراكم ما الدلنجات في الامتحانات؟)وقع بصري يومين متتاليين على (بائعة للفاكهة تجلس أمام سلعتها صباحا لتفرزها، فتنحي عنها الفاسد منها :عنبا، وتفاحا ، وموزا …..وغيرها . فقلت في نفسي: ما أبصر هذه البائعة بقانون الحياة: تأثرا وتأثيرا ؛إذ علمت بفطرتها النقية السالمة من كل الشوائب المادية والملوثات الحضارية- أن مخالطة الفاسد من الفواكه للسليم لا يمكن أن يكون سبيلا لإصلاح الفاسد بل لإفساد الصالح؛ إذ التأثير لن يكون للصالح بل للفاسد :
واحذر مصاحبة اللئيم فإنه
يُعدِي كما يُعدِي السليمَ الأجربُ
فهل يمكن أن نتعلم مما تفعله بائعة الفاكهة (من تجنيب الفاسد من فاكهتها ؛حرصا على بقاء الفاكهة السليمة على حالها) في عزل المنحرفين سلوكيا أطفالا، وشبابا، وفتياتٍ، ورجالا، ونساءً- عن أطفالنا،وشبابنا،وفتياتنا، ورجالنا، ونسائنا؟!! حرصا على بقاء الصالح صالحا ؟
ألم يأن الأوان بعدُ لأن نرعوي عن غينا فنعترف بأننا ما كنا في سلامة من ديننا وأمان من انحراف عقيدتنا إلا يوم كنا في عزلة فكرية عن غيرنا (وهذا أمر انتبه له منذ زمان طويل بعض المستشرقين)، وأن سياسة الانفتاح على الغرب بقيمه الفاسدة وأخلاقه المنحرفة ما أجدى علينا إلا الفساد الخلقي والتفسخ الاجتماعي والانحراف الديني؟ ها أنتم هؤلاء ترون أنياب العولمة ومخالبها تنشب في جسومنا وقلوبنا وعقولنا، فلا تدعها إلا مثخنة بالجراح، مسممة بسموم الأفكار من الحوالق ؛حوالق الدين لا الشعر .
وإن في سيرة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – ما يؤكد صحة مسلك (بائعة الفاكهة)، وذلك في تعامله صلى الله عليه وسلم مع الثلاثة الذي خلفوا عن غزوة تبوك من أصحابه رضوان الله عليهم،حيث عزلهم عن المسلمين تأديبا لهم؛ حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، فتابوا ، فتاب الله عليهم ،ولو لم يكن عزل ولا تأديب لما كانت هناك توبة منهم ولا اتعاظ بهم من غيرهم ، ولشاع بين الناس التخلف عن الجهاد مع رسول الله أو غيره من الخلفاء ولعد أمرا عاديا لا غرابة فيه ولا استنكار له .
ما تفلسفت #بائعة_الفاكهة يوما موهمةً نفسها أن مجاورة ما فسد من الفاكهة للسليم سيصلحه، وأن السليم لن يتأثر بمجاورة الفاسد!!؛ لأن قانون الفطرة الذي تعلمته من مدرسة الحياة يأبى الإقرار بهذه الفلسفات الفارغة والهرطقات الفاسدة ..ولكن أنى لنا الآن بقانون الفطرة وأنى لنا بمدرسة الحياة في خضم هذه القوانين الفاسدة وفي وسط هذه المدارس الجائرة ،تجور على عقولنا بما تلقيه فيها من تعاليم فاسدة وقواعد باطلة .
فعودوا إلى فطرتكم يرحمكم الله، وتعلموا في #مدرسة_الحياة دروسا تكون نبراسا لكم في حياتكم وتنير لكم طرقكم التى عمتها ظلمات الفلسفات والهرطقات
يتبع