رواية ” أسد أم جفيل الأعرج” (5)
طارق المأموت | السودان
– آ سعدية … ما بتخافي من الله…؟
– مالك يا ولد؟
– المسوياه في الخلوق دي الله بسألك منه وحياة أبوي الشريف.
– أنا سويت شنو؟
ثم قامت الى شاة أخرى تحلبها تزيد بها اللبن في ماعونها الأبيض ذي الوردة الحمراء … وقفتُ أراقبها و أراقب رقة أناملها و هي تمسك بذلك الثدي تمصره بأطراف أناملها تستجدي اللبن استجداء
و اللبن الماجن يتمنع حينا و يتطاير حينا خارج إنائه , على يدها تارة و على وجنتها تارة أخرى و على أعلى شفتها أو على رمشها .. فتمسح بكتفها ما طار الى وجهها و رمشها و تلعق ما علا شفتها و يدها في تغنج و دلال لا تتكلفه… كأنها أول مرة تحلب اللبن أو كأن ضرع الشاة لم تمتد له يد حالب قبلها , لكن السعادة تحسها على وجه الشياه المستسلمة الوادعة لا تقاوم بل تمد رجلها الخلفية الى يد حالبتها في حركة مقصودة تدل على تعود و إلفة.. نهرتني:
– هيي ها
و كأني عائد من سفر بعيد نظرت إليها … ثم تابعت قائلة:
– عملت شنو أنا عشان تقول لي خافي الله؟… أنا الله خايفااه .. الما خايفه أبوي يديني لي ود الفضل ..
– ماله ود الفضل مش ود خالتك
– ود الفضل إن دايرني اليجيب جفيل أبوي التونسي … البجيب جفيلي بياخد قسمته مني.
– و قسمته كم؟
ضحكت في تهتك قصدتني به..
– شوية ما كتيرة..
– و الباقي؟
– الباقي حق البجيب لي الأسد.
– هم ما واحد؟؟
نظرت إلي نظرة خلعت قلبي من مراقده.
– اسكت يا الغشيم …الأسد بجيبه براي –لوحدي-
– بتجيبيه كيف ؟؟
قامت بعد أن أطلقت الشاة من بين فخذيها ثم و قفت حاملة إنائها الى شاة ثالثة و ضحكت ضحكة تسلب الروح من حشاشتها وقالت وهي تمشي و ترمقني..
– أنا بتك يا أبوي..
قلت لها و أنا أحمل عنها إناء اللبن الى حيث النار الموقدة لغليه:
– الجَد يا سعدية وريني كيف قدرت على الأسد
– الأسد ما فارقني من يوم فتحت في الدنيا دي بقتله في اليوم مرتين و ثلاثة كيف ما بقدر عليه…
– بتقتلي كيف …
بكل قوة ذئبي عينيها طعنتني في أم عيني:
– الأسد بقتلوه كيف ؟
– ما قتلت لي أسد قبل كدة لكن بوقولوا يا بحربة يا بسيف يا بحجر يفجخو بيه راسه..
– أنا بخنقه بي يدي ديل … أنا وأبوي التونسي….
– أبوك البجيبه شنو من رقدة موته يا بت ؟؟
“علي ود الأحيمر” قال “لنعمة” بين يدي أمه و هو يروي تفاصيل ما حدث بين “سعدية” والأسد بعد أن لم تتوقف في فعلته بالتجسس على بنتها كثيرا و هي تبترد :
– الأسد قبل ما “سعدية” تقبل عليه جاري عليها جرية جوع ….. مصاريني من شفت الحمار يتلجلج و ينطط زي المهبوش ظنيتها وقعت من بطني .. و لما سمعت نفس الأسد و دق كرعيه في ورق الشجر الفي الأرض .. فتشت قلبي ما لقيته ..
بتك دي ما عاقلة يا “نعمة” في عاقل يقيف للأسد؟ … و الأسد ما أسدا هويِّن … الأسد الشفته دة أعتى من قرنتية و أطول من حصان و أخف من زرزور…
نهرته أمه خجلة من “نعمة”:
– يا ولد ها قول بسم الله عقلك وين ودرته ؟ البت تقيف للأسد و إنت مصارينك تقع وقلبك يطير إنت ماك ود بطني؟..
هدأتها نعمة:
– الولد جاهل –صغير – لسة …ما قدر “سعدية” ” سعدية” فايتاه بي حولين..
– الولد وقت بقى يعاين للبنات في برودن الجَهَل فارقو تب .. كلامه دة إن مرق يا “نعمة” بتفضحي ولدي .. وأنت إن قلته تاني بقطع لسانك و لّا تفوتني ما أشوفك تاني لاك ولدي ولا بعرفك.
– يا مرة ما تقهري الولد , الولد الكلام دة ما بقا ليه .. بكرة تشوفيه يبقا هو ذاته الأسد , ما الأسد البحجوا بيه.
أها قول لي يا علي ولدي وبعدين.
اعتدل علي :
– الحريم هناك عيطن و صيحن … النصيحة فيهن شالنها كرعيها – رجليها- و الغبّت – أغمي عليها – وِعَت في حينها ..بعد شافت أخواتها جرن جرت وراهن. و الحمار المربوط يناتل في قيده لما قلع الفرع من شجرته بي أوراقها و باقي فروعها وجرى على جوة الغابة عكس جهة الأسد الجاي منها… والغصن انحل من حبله..
– أها
– بتك شافت الأسد الجاري عليها هناك … “عاشة” كوركت ووقعت مغبية و “غبيشة” جرت و لا اتلفتت علي زول – أحد -… إلا “سعدية” جرت علي فرع التبلدية شالته و قبلت علي الأسد و جرت عليه…
الأسد الجاري قبيل حرن فجأة زي التقول مربوط بي حبل و زول نتله لي ورا..
و المجنونة دي جارية عليه وتقول ليه : أبقا راجل و تعال يا الأسد أنا بت أبوي القتل أبوك ..
و الأسد بقا زاحف لا – الى – ورا .. بعد ما كان جاري عليها و هي شايلة فرعها و جارية عليه …
أخذ علي يرتجف كالحموم و يتصبب عرقا .. أشفقت عليه أمه:
– يا ولد مالك .. يا سيدي “الشريف “.
– أنا بت أبوي القتل أبوك أبقا راجل و تعال … و الأسد رفع راسه زي البفتش علي مكان يشرد عليه … و عيني و عينه اتلاقن ….ما خلن لعيون “سعدية” شي الخالق الناطق …… إلا شال شال عيونه من عيوني وجفل علي الصعيد ورا الحمار ..
مسكته نعمة من قميصه و شدته :
– جِد سعدية ظهر يا علي و لّا ما ظهر, “التونسي” أبوها و قف جنب بته و لّا خلاها للأسد, نهر الأسد منها و لّا الأسد خاف براه – لوحده – قول يا علي قول .
– أنا من عين الأسد وقعت في عيني الدنيا ضلمت – أظلمت – قدامي النهار بقا أسود من سبيب شعري…لما نور عيوني رجع أشوف الأسد جاري على جهة الحمار ما جرى
يتبع….